تساؤلات حول دبلوماسية أنقرة الجديدة تجاه المنطقة وسورية
الجمل: أسفرت نتائج جولة الانتخابات البرلمانية العامة التركية عن فوز حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي بأغلبية مقاعد البرلمان التركي الجديد، وبالتالي، حصول زعيم الحزب رجب طيب أردوغان على ولاية حكومية ثالثة، وعلى خلفية التطورات الجارية في ملف العلاقات التركية ـ السورية، تبرز العديد من التساؤلات، والتي من أبرزها: ما هي حقيقة نوايا أنقرة إزاء سوريا في المرحلة السياسية التركية الجديدة، وما مدى مصداقية التوجهات التركية إزاء دمشق وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالمفاضلة بين خيارات التعاون والصراع في المنطقة؟
* أنقرا ومقاربة دمشق في مرحلة ما بعد الانتخابات التركية: توصيف المعلومات الجارية
تحدثت العديد من التقارير والتسريبات الجارية خلال مساء الأمس وصباح اليوم قائلة بأن ملف علاقات خط أنقرا ـ دمشق، سوف يكون ضمن أهم بنود قائمة جدول أعمال الحكومة التركية الجديدة، وفي هذا الخصوص نشير إلى المعطيات الآتية:
• تحدثت بعض التسريبات التركية عن ضرورة قيام أنقرا بمراجعة وإعادة تقويم توجهات السياسة الخارجية التركية الشرق أوسطية وعلى وجه الخصوص إزاء سوريا وإسرائيل.
• بدأ وزير الخارجية التركية المزيد من التحركات الدبلوماسية لجهة ترتيب جدول أعمال السياسة الخارجية التركية إزاء منطقة الشرق الأوسط، بما يتماشى وينسجم مع توجهات السياسة الخارجية التركية خلال مرحلة ما بعد مشاركة أنقرا في التحالف الدولي الجاري حالياً ضد ليبيا.
• تحدثت مصادر تركية، عن قيام رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، على الفور بعد نجاحه في الانتخابات، بإصدار المزيد من المواجهات الجديدة المتعلقة بسياسة تركيا إزاء ملف علاقات خط أنقرا ـ دمشق.
هذا، وبرغم عدم وضوح الاتجاه العملي الحاسم في سياسة أنقرا الجديدة إزاء دمشق، فمن الواضح، أن الأسبوع القادم، سوف يشهد بروز المزيد من التفاصيل والمعلومات التي تحدد النوايا التركية الجديدة لمقاربة ملف علاقات خط دمشق ـ أنقرا خلال مرحلة ما بعد الانتخابات البرلمانية العامة الجديدة.
* المؤشر الأمني التركي: موقف مجلس الأمن القومي التركي
قبل بضعة أسابيع، سعى مجلس الأمن القومي التركي الذي يضم كبار رموز القيادة السياسية والقيادة العسكرية والقيادة الأمنية، لجهة التعبير عن اهتمامه البالغ بالتطورات الجارية في مجرى الحدث السوري، وتأسيساً على ذلك، عقد مجلس الأمن القومي التركي اجتماعاً خاصاً بملف الحدث السوري، وأعقب ذلك لاحقاً صدور بيان المجلس الذي أكد على النقاط الآتية:
• التعبير عن الأسف العميق لسقوط العديد من القتلى والضحايا.
• ضرورة الإسراع بإنفاذ وإجراء الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
• التأكيد على ضمان وتأمين الحقوق والحريات والأمن الشخصي.
• التأكيد على ضرورة إنهاء العنف.
• التأكيد على ضرورة تحقيق السلام الاجتماعي والاستقرار.
هذا، وأضاف بيان مجلس الأمن القومي التركي، المزيد من النقاط التي أكدت على ضرورة ممارسة ضبط النفس، والتعبير عن مدى استعداد وجاهزية أنقرا لجهة القيام بتقديم المساعدات اللازمة لدمشق في عملية إجراء الإصلاحات وتحقيق الاستقرار، هذا، وأشارت التسريبات التركية إلى أن أنقرا قد قامت بإرسال رئيس المخابرات التركية لدمشق، ضمن الوفد التركي الرفيع المستوى الذي زار دمشق، والذي ضم بالإضافة إلى هاكان فيدان (رئيس المخابرات) نائب وزير الخارجية التركية لشؤون التخطيط. وأشارت المعلومات إلى أن الوفد قد فرغ من اتصالاته ومشاوراته وعاد إلى تركيا. هذا وبرغم أن فعاليات هذا الوفد الأمني الدبلوماسي قد تمت قبل بضعة أسابيع، فإن تداعيات هذه الفعاليات ما تزال تمارس حضورها الفاعل لجهة التأثير على عملية صنع واتخاذ قرار السياسة التركية إزاء سوريا.
* المؤشر الدبلوماسي التركي: موقف الخارجية التركية
تقول المعلومات، بأن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، سوف يعقد اليوم الأربعاء 15 حزيران (يونيو) 2011م، اجتماعاً هاماً بمقر الخارجية التركية، حول ملف التطورات السياسية الشرق أوسطية الجارية، وأشارت التسريبات إلى أن الاجتماع سوف يضم الأطراف الآتية:
• سفراء تركيا في بلدان الشرق الأوسط: السفير التركي في سوريا عومير أوتهون ـ السفير التركي في لبنان إينان أوزيلديز ـ إضافة إلى السفير هاليث سيفيك الذي يتولى منصب نائب وزير الخارجية التركي لشؤون الشرق الأوسط.
• سفراء تركيا في كل من: أمريكا ـ ألمانيا ـ فرنسا ـ بريطانيا.
• الممثل التركي الدائم في مقر الأمم المتحدة بنيويورك.
• الممثل التركي الدائم في الاتحاد الأوروبي.
• الممثل التركي الدائم في حلف الأطلنطي.
هذا، وأضافت التسريبات بأن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، قد عقد يوم الاثنين 13 حزيران (يونيو) 2011م اجتماعاً مطولاً مع كبار المسؤولين الأتراك المعنيين بملف العلاقات التركية ـ السورية وأكدت التسريبات بأن سفراء تركيا في سوريا ولبنان إضافة إلى رئيس المخابرات التركية كانوا من أبرز المشاركين في هذا الاجتماع، وأكدت المعلومات قيام هاليث سيفيك نائب وزير الخارجية التركي لشؤون الشرق الأوسط بزيارة لمنطقة لواء اسكندرون يوم الجمعة الماضي، حيث أجرى العديد من اللقاءات مع كبار المسؤولين الأتراك، بما شمل كبار المسؤولين في المحافظة، إضافة إلى وزير إدارة الكوارث والطوارئ التركي ورئيس منظمة الصليب الأحمر التركي.
* المؤشر السياسي التركي: أجندة أردوغان الجديدة
تقول المعلومات، بأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، قد بدأ بالفعل بعد النصر الانتخابي الذي حققه حزب في الانتخابات الأخيرة، مباشرة العمل لجهة اعتماد جدول أعمال سياسي يتكون من البنود الآتية:
• ملف العلاقات التركية ـ السورية: أشارت وجهة النظر التركية إلى أن أنقرا ظلت خلال الفترة الماضية أكثر اهتماماً باعتماد سياسة "تصغير المشاكل مع جيرانها" الأمر الذي أتاح لأنقرا فرصة تعزيز تعاونها الاقتصادي والتجاري مع بلدان جوارها الإقليمي بما أسفر عن حصول أنقرا على المزيد من المنافع والمزايا والعائدات الاقتصادية، وحالياً، أصبحت التطورات الجارية في مناطق الحدود السورية ـ التركية تشكل مصدراً لتهديد استقرار علاقات التعاون الاقتصادي مع سوريا، وبالتالي، فإن ملف سوريا سوف يكون على رأس قائمة اهتمامات السياسة الخارجية التركية الشرق أوسطية، وسياسة الأمن القومي التركي، هذا وأضافت التسريبات التركية بأن معظم الأطراف الرئيسية التركية، ترى بأن هناك احتمالات كبيرة بأن يسعى أردوغان لتفادي خيار الصراع مع دمشق وتغليب خيار التعاون مع دمشق، وذلك برغم تصريحاته الأخيرة التي سعى العديد من المراقبين لإدراكها وتفسيرها على أساس اعتبارات أن أنقرا سوف تتحول خلال الفترة القادمة لجهة التعامل بطريقة مختلفة مع دمشق.
• ملف العلاقات التركية ـ الإسرائيلية: سعت حكومة حزب العدالة والتنمية إلى محاولة الجمع بين تعزيز الروابط مع إسرائيل وفي نفس الوقت دعم الحقوق المشروعة الفلسطينية. وعلى خلفية فعاليات الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وتزايد انتقادات أردوغان الحادة لإسرائيل، إضافة إلى قيام الإسرائيليين بقتل الناشطين الأتراك، فقد وصلت علاقات خط أنقرا ـ تل أبيب إلى مستوى غير مسبوق من التدهور، وتقول التسريبات بأن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو قد سعى إلى التفاهم مع واشنطن بما يؤدي لحل الأزمة بحيث تكتفي تركيا باعتذار تل أبيب والتزامها بدفع التعويضات لأسر الضحايا، فإنه من الواضح حالياً أن إسرائيل ترفض تلبية الشروط التركية. وبالمقابل، فمن غير المتوقع أن يتراجع أردوغان عن مواقفه المتشددة ضد الإسرائيليين، وتقول التسريبات بأن أردوغان ونخبة حزب العدالة والتنمية أصبحت أكثر وعياً لجهة أن انتقادات أردوغان الموجهة ضد إسرائيل قد أتاحت لأردوغان وحزب العدالة والتنمية الحصول على شعبية واسعة في أوساط الرأي العام العربي والحكومات العربية الأمر الذي دفع هذه الأطراف لجهة الانفتاح أكثر فأكثر لجهة التعامل والتعاون مع تركيا وعلى وجه الخصوص في المسائل السياسية والدبلوماسية بما أدى إلى تعزيز مكانة أنقرا الدبلوماسية الشرق أوسطية، وأصبحت الأطراف الشرق أوسطية أكثر تقبلاً لمبادرات أنقرا الساعية لحل النزاعات بدون حساسية، كما في حالة المبادرة التركية لحل الصراع البحريني، والمبادرة التركية لحل الصراع اليمني، والمبادرة التركية لحل الصراع الليبي، وتشير التوقعات إلى احتمالات كبيرة بأن تسعى واشنطن لجهة الضغط أكثر فأكثر على أنقرا وتل أبيب من أجل تقديم التنازلات المتبادلة بما يؤدي إلى تطبيع علاقات خط أنقرا ـ تل أبيب من جهة وفي نفس الوقت يقلل من جهة اندفاع أنقرا باتجاه تعزيز روابطها مع العواصم العربية.
• ملف عضوية الاتحاد الأوروبي: برغم الإحباط العام السائد حول مدى قابلية الأوروبيين لقبول الأتراك في عضوية الاتحاد الأوروبي، فإن حكومة أردوغان الجديدة، سوف تضم على الأغلب وزارة جديدة مخصصة للعلاقات التركية الأوروبية، تكون معنية بملف عضوية الاتحاد الأوروبي، هذا، وتقول آخر المعلومات بأن العديد من وجهات النظر التركية الجديدة بدأت في الاهتمام بالتشكيك حول مدى جدوى وفائدة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وذلك على أساس الحسابات الاقتصادية القائلة بأن الاقتصاد التركي سوف يتضرر كثيراً إذا انضمت تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي الذي تعاني اقتصادياته من التضخم والأزمات وضغوط المديونيات وتقلبات الأسواق.
وواقع الاقتصاد التركي وما هو أكثر خطورة سوف يتمثل في مخاطر تعرض الاقتصاد التركي للاستنزاف، وذلك لأن عمليات التدخل لا تتم بشكل مجاني، دائماً تترتب عليها المزيد من التكاليف الإنسانية والاقتصادية الباهظة، وإضافة لذلك، فإن الحسابات السياسية التركية الداخلية نفسها سوف تتغيّر، بما سوف يعرض حكومة حزب العدالة والتنمية لتآكل شعبيتها الداخلية، على النحو الذي يجعل من أنقرا لقمة سائغة للمؤسسة العسكرية التركية التي ما زال جنرالاتها أكثر تربصاً بأردوغان وحكومته، وبكلمات أخرى، إذا كانت النوايا السلبية التي تبنتها أنقراً مؤخراً إزاء دمشق قد تزايدت بسبب ضغوط أطراف مربع: واشنطن ـ باريس ـ لندن ـ برلين، فإن على أنقرا أن تسعى لجهة اعتماد المفاضلة بين خيارات التعاون وخيارات التصعيد، وما يمكن أن يترتب عليها، على استقرار تركيا والمنطقة، خاصة أن أخطر التداعيات السالبة سوف تنعكس سلباً على النسيج الاجتماعي التركي...
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
نتائج الانتخابات التركية كانت
إضافة تعليق جديد