تشابه الأسماء قد يدخلك السجن

15-05-2008

تشابه الأسماء قد يدخلك السجن

الجمل– طرطوس– حسان عمر القالش: في بعض تفاصيل ما حدث للأخ المواطن محمد, أنه باع عقارا يملكه في احدى مصايف طرطوس وهو عبارة عن شقة سكنية, وعندما ذهب الى مديرية المصالح العقارية في مدينة طرطوس ليتم معاملة الفراغ ونقل الملكية للشخص الذي باعه الشقة, واذ به يتفاجأ بأن "المعلوماتية دخلت الى العقارية" حيث يتم ادخال اسم كل من له تعامل معها الى الحاسوب, خوفا من أي اشكال قانوني قد يكون المتعامل واقع فيه كحجز أموال أو اشارة رهن أو قضية قانونية ما, وعندما أدخل اسم أخينا المواطن, تفاجأ مرة أخرى بأنه ممنوع من اجراء معاملة نقل الملكية ! ولما سألهم عن السبب أجابوه بأن حكما صادرا في حقه من احدى محاكم حلب ! الا أنه وبسبب الهدوء الذي يضفيه عمر الستين على الأعصاب, اعتقد لوهلة أن الأمر هو مزحة سمجة من الموظف, لكنه لم يكن كذلك, فاسمه الثلاثي الظاهر على الكمبيوتر يؤكد كلام الموظف, فسأله محمد عن اسم الأم والخانة ونفوس الشخص الذي ظهر اسمه على الحاسب, فأجابه بأن لا يوجد أي معلومات عن هذه التفاصيل.

ما العمل اذا ؟ سأل محمد, فأجابوه بأن عليه في هذه الحالة والمعروفة جيدا لدى الناس باسم "تشابه الأسماء", أن يحمل نفسه ويسافر الى حلب, ويحضر ورقة صغيرة عبارة عن براءة ذمة من المحكمة الصادر عنها الحكم على شبيهه في الاسم. ولا تسألوا هنا على حساب من هذا السفر والمشقة والمصاريف والوقت, هي بالتأكيد على صاحبنا, فكل شخص مسؤول عن اسمه, حتى لو كان كما حال بلاد المشرق, حيث يوجد عشرات الأشخاص يحملون نفس الاسم الثلاثي ومئات لنفس الاسم الثنائي, أي مع الكنية, وخاصة وأن بلادنا مليئة بأسماء كنيات هي "أسماء علم" كـ : أحمد, محمد, علي, عيسى, حنا..الخ.

المهم, وبلا تطويل للسيرة, سافر العم محمد من طرطوس الى حلب حيث وصل في بداية الدوام الرسمي الى المحكمة المقصودة, و دخل على رئيس المخفر فيها, وما ان بدأ يخبره بطلبه وماحدث له حتى قاطعه السيد المساعد ونادى على شرطيين وأمرهما باقتياد العم محمد الى "النظارة" بعد أن أخذوا منه هاتفه الخلوي طبعا. والنظارة لمن لا يعرفها وندعوا له بألا يعرفها, هي سجن صغير "مؤقت" عبارة عن غرفة ثلاثة أمتار بثلاثة تقريبا. وبعد أن انقضت ساعة من الوقت قضاها محمد في النظارة محشورا بين المجرمين والحشاشين والزعران, واحساس بمهانة وانتقاص الكرامة, نادى على الشرطي وناوله بضع ليرات لينادي المساعد, ولما وصل هذا الأخير أخذ محمد يسأله : لم أنا هنا ؟! هل من المعقول لو أني مذنب في أمر أن آتيك على قدميّ من طرطوس ؟ فأجابه المساعد بأن الموضوع يحتاج الى وقت ريثما يصل المسؤولين الأعلى منه ويبحثوا في الأمر..هي مسألة وقت, فقال له محمد : معقول ؟! خلص اذا, لن يصير الا الذي في خاطرك, أي أنه أفهمه بأنه سيناوله المعلوم من النقود مقابل الخروج من النظارة والانتظار في الخارج. ففتح المساعد الباب على الفور وأخذ محمد الى مكتبه وسأله : كيف تشرب قهوتك.. غاب محمد ساعة من الزمن كما طلب منه المساعد وعاد ووجد الورقة جاهزة, واتجه الى طرطوس بعد أن تفاوض على ثمن أتعاب السيد المساعد التي وصلت الى خمسة آلاف ليرة!!

صحيح أن هذه القصة أو الحادثة هي فردية, الا أنها في المنظور العام ليست كذلك, بسبب أنها يمكن أن تحدث لأي كان وأين ماكان, وهي تحدث بالفعل. وهي ليست فردية أو عبارة عن هفوة بيروقراطية بريئة, بل هي تعبر عن مشكلة بيروقراطية مزمنة وساذجة, فمن الصعب الوصول الى طريقة تقنع فيها الناس بأن الأتمتة والمعلوماتية التي يتم ادراجها واعتمادها في ادارات الدولة, قد تخطأ, ومن المستحيل اقناعهم بأنها "دائما تخطأ" وأنها قد تكون عبئا عليهم. فهي عسـّرت أمور صديقنا ولم تيسـّرها كما يفترض بها. وقد زاد سذاجة وعدم ذكاء هذه البيروقراطية, تعامل المساعد والذي نتمتع بنسخ كثيرة من أمثاله, فهو استهوى على مايبدو تمتعه بسلطة على بعض البشر, فلم يطلب من محمد أن ينتظر في البهو خارجا ريثما تتم أموره, فهذه معيبة بحق العقلية التي على أساسها يتعامل هذا مع المواطنين.. الذي ساعد محمد على الصبر هو أنه تناول حبـّة دواء قبل سفره, دواء الضغط الذي يكتسحنا.

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...