تـركيــا تخســر جـولـة فـي معـركــة «المنـطقــة العـازلـة»
ربما كان الأفضل لتركيا ألا تنعقد جلسة مجلس الأمن الخميس الماضي للدول الأعضاء ودول الجوار الجغرافي لسوريا.
الجلسة التي ذهب إليها وزير الخارجية التركية احمد داود اوغلو بأمل أن تسفر عن شيء بشأن المنطقة العازلة، تحوّلت إلى مرثية لطموحات ومواقف أنقرة والوزير تحديداً. وبدت تركيا كأنها تحارب طواحين الهواء: منعزلة ومن دون أسنان.
قدّم الوزير التركي مطالعة حمّل فيها الأمم المتحدة مسؤولية استمرار إراقة الدم في سوريا، عندما قال إن تفرّجها على الوضع يجعلها شريكة في الجريمة. المداخلة التي قدمها داود اوغلو مطولة وتختصر بعنوانين: ضرورة إقامة منطقة عازلة، واتخاذ تدابير تمنع الجيش السوري من مهاجمة المعارضة المسلحة بالطائرات.
مشكلة الوزير التركي أن الرد جاءه من وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا نفسيهما: إقامة منطقة عازلة يتطلب حماية عسكرية، وهذا ليس سهلا، كما انه غير وارد في جدول أعمال الأمم المتحدة. ودعوَا إلى الاكتفاء بالمساعدات الإنسانية.
الولايات المتحدة التي لم تحضر وزيرة خارجيتها كما لم يحضر وزيرا خارجية الصين وروسيا، جاء ردها صادما للوزير التركي على لسان رئيس الاركان الاميركي مارتن ديمبسي الذي قال للأتراك «اذا قررتم إنشاء منطقة عازلة فعليكم أنتم ان تتحملوا مسؤوليتها. وهذا يستدعي استخدام السلاح والصواريخ، وهذا سيكون صعبا»، مشيرا الى ان الأتراك هم الذين يطلبون من الأميركيين إقامة منطقة عازلة وعبر حلف شمال الأطلسي. واعتبر ديمبسي ان المقارنة بين الوضع السوري والليبي أمر مضحك.
من جهته، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، في مقابلة بثها التلفزيون التركي فجر أمس الأول، «لا نستطيع القيام بمثل هذا الإجراء اذا لم يتخذ مجلس الامن الدولي قرارا يؤيده. اولا يجب اتخاذ قرار بإقامة منطقة حظر طيران ثم نستطيع بعد ذلك القيام بخطوة نحو إقامة منطقة عازلة».
ويقول فكرت بيلا، في صحيفة «ميللييت»، انه «كما لم تحصل تركيا على الدعم المتوقع فإنها متهمة بأنها تدرب المعارضة السورية المسلحة». ويضيف انه على ما يبدو فإن على تركيا ان تنتظر انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية لتأمل بتغيير أميركي من المنطقة العازلة وغيرها من المواضيع.
من جهته، انتقد سميح ايديز، في «ميللييت»، الازدواجية في الموقف التركي كما النزعة السنية التي جلبت له عداء محيط تركيا. وقال ان أطروحة داود اوغلو في مجلس الأمن بقيت في الهواء، ولم تحظ بأي دعم. وانتقد رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان الذي رفض اقتراح زعيم المعارضة كمال كيليتشدار اوغلو استضافة تركيا مؤتمراً دولياً في اسطنبول يدعى اليه كل المعنيين بالأزمة السورية. وقال ايديز ان «مثل هذا المؤتمر ينسف أساس موقف اردوغان، وهو ان لا شرعية للنظام السوري ويجب البحث في مرحلة ما بعد (الرئيس السوري بشار) الأسد».
ويذكّر الكاتب أردوغان بأن الولايات المتحدة نفسها لم تقر بعد بشرعية المعارضة السورية. وقال انه «لمحزن أن أردوغان لا يجد ما يرد به على المعارضة، سوى أنهم يتكلمون باسم البعث».
وفي هذه النقطة بالذات شن الكاتب حسن جمال هجوماً على رئيس الحكومة التركية، قائلا ان كل النهج البعثي الذي يتحدث عنه أردوغان هو من نسل «الاتحاد والترقي» بثالوثه انور - جمال - طلعت (علما ان حسن جمال هو حفيد «جمال» باشا المعروف بالسفاح). وقال ان «كل انقلابات الشرق الأوسط والعالم العربي هي من وحي انقلاب الاتحاديين على الباديشاه العثماني عشية الحرب العالمية الأولى. هذه الاتحادية هي نفسها التي يطلق عليها أردوغان اليوم البعثية. وهذه البعثية هي التي تجعل حزب العدالة والتنمية ينفر من كلمة كردي، ويتحسس من كلمة علوي، ويقشعر بدنه من كلمة أرمني».
وقال جمال «كلهم بعثيون، من حزب الشعب الجمهوري الى حزب الحركة القومية الى حزب العدالة والتنمية». وانتهى الى القول ان «شريان «الاتحادية في حياتنا السياسية قوي جدا. ولو لم يكن كذلك، فهل أمكن لأردوغان ان يعتمر القلبق؟ (القبعة التي كان يرتديها قادة الاتحاد والترقي)».
ورأى ديريا سازاق أن تركيا ابتعدت عن الاتحاد الأوروبي ولجأت الى «حلف سنّي» برعاية أميركية، وكانت الازمة مع العراق وسوريا وايران.
أما وزير خارجية تركيا السابق حمكت تشيتين فاعتبر ان سياسة الحكومة تجاه سوريا خاطئة، داعيا الحكومة الى التفاهم مع روسيا لإيجاد حل للأزمة.
ويقول النائب السابق للبرلمان التركي مراد سوكمين اوغلو، ابن محافظة هاتاي (لواء الاسكندرون) وهو ابن رئيس جمهورية هاتاي التي انضمت في عهده إلى تركيا، ان هاتاي منطقة مختلطة من المسلمين والمسيحيين والأرمن والعلويين، ويجب ألا يفسد هذا «الموزاييك».
وأضاف ان الكلام عن ان هاتاي هي «سوريا مصغرة» حقيقي، ولكنه يثير الألم، لأن سياسة أحمد داود أوغلو في إقامة منطقة عازلة قد نجحت في تحويل هاتاي نفسها الى منطقة عازلة. واعتبر أن على داود اوغلو أن يلغي من تفكيره هذا الموضوع، موضحا ان أية محاولة تركية لإقامة منطقة عازلة يعني سقوطها في الفخ ودخولها الفعلي في حرب.
ونقلت صحيفة «جمهورييت» عن سوكمين اوغلو قوله إن حكومة أردوغان أعطت أمراً للجيش التركي بعدم التدخل بشأن مخيم «ابايدين» الذي يضم ضباطا من الجيش السوري الحر. وأوضح ان على باب المخيم شرطة من الأتراك، لكن السيطرة في الداخل للعسكر السوري الهارب.
وأشار إلى أن «مسلحين من الشيشان إلى ليبيا يفدون إلى هاتاي، وليس من حدود الآن بين هاتاي وسوريا. يدخل المسلحون إلى سوريا ليلا ويقومون بعمليات ثم يعودون نهارا إلى هاتاي للتدرب والراحة». وذكر ان هاتاي تعج بعملاء الاستخبارات الأجنبية، معتبرا ان داود اوغلو قد حوّل هاتاي إلى هدف وملاذ.
وقد نشرت صحيفة «سوزجي» صوراً لعسكريين سوريين يتجولون بحرية في شوارع إنطاكية، ويتنقلون بثيابهم العسكرية بين إنطاكية وشانلي اورفة من دون أن يسألهم أي شرطي عن ذلك.
وتساءلت مهويش افين، في «ميللييت»، عما إذا كانت سياسة تركيا تجاه سوريا ستجعل الحرب أقرب من أي وقت مضى. وسألت «يجب ان نسأل أنفسنا هذه الأسئلة، ومن ثم نسألها لمن يقودون البلد: هل تريد ان تدخل الحرب؟ هل تريد ان ترى ابنك وأخاك وصديقك وقريبك يحاربون في سوريا؟ هل أنت مستعد لكي تستقبل الجنائز حاضناً التوابيت صارخا من أجل الوطن؟ هل تقول نعم لكوارث الحرب الاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية؟ برأيي جوابي للجميع ألف مرة لا».
وكانت قد عمت تظاهرات مناطق متعددة في تركيا في اسطنبول وأزمير وديار بكر وأنقرة وإزمير في اليوم العالمي للسلام، مطالبة الحكومة بتغيير سياستها تجاه سوريا، ومنددة بالتحالف القائم بين اردوغان وواشنطن في الشرق الأوسط.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد