تقرير أورشليم يبحث في (مذهبية المقاومة والمعركة المستمرة)
الجمل: اصدر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، تقرير أورشليم، الذي حمل عنوان (مذهبية المقاومة)، وقد أعده إيهود إيعاري، العضو المشارك بمعهد واشنطن، والمحرر المشارك في تقرير أورشليم الذي يصدره المعهد.
تقول مقدمة التقرير بأن المزاعم حول الزوال الحتمي للدولة اليهودية قد عادت مرة أخرى ضمن نمط وطراز جديد، برغم أنه قد مرت أكثر من 30 عاماً لم يعد يتطرق فيها لا الزعماء العرب ولا قادة جيوشهم لفكرة استئصال إسرائيل من خارطة الشرق الأوسط.. ولكن حالياً أصبح قادة حماس وحزب الله يتحدثون علناً وبابتهاج عن العدّ التنازلي الذي بدأ في ساعة الصهيونية باتجاه لحظتها الأخيرة.
ويشير تقرير أورشليم إلى أن هذا المزاج أصبح سائداً بين القطاعات العربية العامة، وعلى وجه الخصوص الرافضين بالأساس لفكرة السلام مع إسرائيل. ويرى التقرير أن السبب في تفشي هذا النوع من المزاج يرجع بشكل أساسي إلى مشاعر الإحساس بالقوة، التي ولدتها حرب الصيف الماضي بين إسرائيل وحزب الله، الأمر الذي ترتب عليه عودة فكرة إزالة إسرائيل بعد أن ظلت لفترة طويلة غير موجودة على طاولة الأجندة العربية.
يقوم كاتب التقرير، بعملية مقاربة لمصطلح (مقاومة)، ويقول: إن الكلمة الانكليزية (resistance) والتي معناها مقاومة أيضاً، لا تعكس المعنى الكامل لدلالة المصطلح العربي (مقاومة)، ويقترح الكاتب استخدام عبارة (مذهبية القتال والمعركة المستمرة) أو (الحرب المستمرة)، ويدلل الكاتب على صحة مقاربته قائلاً بأنها تتطابق تماماً مع السياق المفهومي الذي يستخدم فيه كل من حسن نصر الله زعيم حزب الله، وخالد مشعل زعيم حركة حماس الدلالة المفهومية لكلمة مقاومة. ويخلص كاتب التقرير في هذه النقطة إلى أن إسرائيل سوف تواجه في الأعوام القادمة، التحدي الذي سوف تفرضه هذه المذهبية. ويضيف قائلاً: إن هذا التحدي الجديد سوف يكون مختلفاً عن التحدي السابق الذي كانت تواجهه إسرائيل من جانب تحالف الجيوش العربية التقليدية، ويصف الكاتب هذا التهديد والتحدي الجديد بأنه سوف يكون أكثر تعقيداً وتطوراً عن سابقه بقدر كبير. ويضيف قائلاً: إن إسرائيل نجحت فيما مضى في العثور على الإجابة الناجحة لتحدي وتهديد تحالف الجيوش العربية التقليدية، كما هو واضح في الحروب العربية والتهديد الجديد، لم نجد بعد الصيغة الصحيحة الملائمة للتجاوب والتعامل مع المخاطر التي يتضمنها تحدي وتهديد المقاومة، وذلك على الأقل لأن السياسيين والجنرالات الإسرائيليين مازالوا حتى الآن يميلون إلى التقليل من أهمية ذلك.
يتضمن التقرير، محاولة قام بها الكاتب، تهدف إلى تسليط الضوء على النقاط الأساسية، التي تتضمنها مذهبية المقاومة، أو مذهبية (الحرب المستمرة) بحسب مقاربته.. ويمكن التعرض لهذه النقاط الأساسية على النحو الآتي:
• السلام ليس خياراً: وتقوم على مبدأ عدم الانزلاق في أي اعتراف بإسرائيل أول القبول بوجودها عن طريق اتفاقيات السلام. كذلك يتضمن هذا المبدأ أن تكون الاتفاقيات التي تتم حول المسائل الفرعية العسكرية كوقف إطلاق النار مثلاً، يجب أن تكون اتفاقيات قصيرة الأجل وتتضمن فترة زمنية محدودة، بحيث لا تتجاوز هذه الاتفاقيات الحدود القطعية الواضحة لمصطلح (هدنة)، ويرى الكاتب بأن حزب الله قد شدد على مصطلح (الهدنة) بالحديث عن إحياء اتفاقية عام 1949 بين إسرائيل ولبنان على أساس مبدأ (الهدنة)، وأيضاً تتحدث حركة حماس حالياً عن وقف إطلاق النار مع إسرائيل، وانسحاب إسرائيل إلى حدود عام 1967 فقط وحصراً على أساس اعتبارات دلالة مفهوم مصطلح (الهدنة).
• عدم ضرورة الانتظار إلى حين حدوث توازن القوى: كان الزعماء العرب في الماضي يعملون على تأجيل وإرجاء القتال مع إسرائيل إلى حين إكمال عملية بناء القوة اللازمة التي تحقق لهم قدرة التفوق في المعركة.. وعلى النقيض من ذلك، فإن مذهبية المعركة المستمرة التي يتضمنها مصطلح مقاومة، ترفض أي تأخير أو تأجيل في القتال إلا إذا كان هناك اتفاق هو (الهدنة)، إضافة إلى أنه عندما يكون توازن القوى ليس في مصلحة إسرائيل، فإنه يجب رفض الهدنة، ومواصلة المعركة.. كذلك، وعلى سبيل المثال، فقد لجأ كل من حماس وحزب الله إلى خطف الجنود الإسرائيليين من عرباتهم المدرعة، بشكل يعكس الأسلوب الموحد للمقاومة، وفقاً للتكتيك الذي يهدف إلى الحد من مزايا تفوق إسرائيل العسكرية، عن طريق تطبيق تكتيك مضاد يقوم على المفاجأة وسرعة الحركة والسيطرة على مجريات المعركة الكبيرة مع إسرائيل عن طريق إمساك زمام المبادرة والسيطرة باستخدام المعارك الصغيرة المحدودة، كعملية اختطاف الجنود مثلاً.. كذلك تلجأ حركات المقاومة إلى استخدام التمويه كوسيلة دفاعية رئيسية في القضاء على تفوق إسرائيل الجوي، والصواريخ المصنوعة محلياً بهدف تهديد قوة النيران الإسرائيلية المتفوقة.
• عدم القتال حول الأرض: ويهدف هذا المبدأ إلى إحداث عملية تآكل وانجراف منهجي في قوة إسرائيل، وبالتالي لا تسعى قوى المقاومة إلى الدفاع عن الأرض ضد تقدم القوات الإسرائيلية، كذلك لا تسعى هذه القوى أيضاً إلى احتلال الأراضي من القوات الإسرائيلية.. وكل ما تسعى إليه هو المزيد من سفك دماء الإسرائيليين، وليس الأرض.
• الجهاد ليس استراتيجية وطنية: وتتضمن قيام قوى المقاومة بإعادة النظر في مصطلح (حرب التحرير الشعبية) الذي كان سائداً خلال فترة الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، والحرب الجزائرية ضد الفرنسيين. وبعد إجراء إعادة النظر قامت قوى المقاومة بتقويم المصطلح عن طريق حقنه بجرعة أضافت إليه محتوى إسلامياً، بحيث أصبح المصطلح يشير إلى: القتال من أجل الله وليس من أجل المشاعر الوطنية.
• الدولة العربية ليست الوسيلة أو الأداة المناسبة: ومعنى هذا أن المقاومة ليست عملاً عسكرياً فقط، بل هي نظاماً بديلاً مكثفاً متماسكاً، وذلك على أساس اعتبارات أن الدولة العربية ككيان، تشكل في حد ذاتها جهازاً غير فعال وغير مناسب –على الأقل في الوقت الحالي- للانخراط في المعركة التاريخية ضد إسرائيل، وبالتالي فإن قوى المقاومة هي الأنسب والأكثر ملاءمة لهذه المعركة، ومن ثم يتوجب على هذه القوى أن تقوم إضافة إلى مهمة القتال، بمهام إضافية أخرى جنباً إلى جنب مع القتال، مثل إجراء عمليات الإصلاح الاجتماعي، عن طريق تقديم الخدمات التعليمية والصحية، والأنشطة التجارية والاستثمارية، ويدلل كاتب التقرير على ذلك بقيام كل من حزب الله وحركة حماس بتكوين (مجالس شورى) خاصة بهما، مهمتها الإشراف على كل شيء، من القتال والتجارة.. وحتى المسائل الشخصية مثل الزواج والطلاق.
ويخلص التقرير إلى أن حزب الله استطاع بتطبيق استراتيجية (مذهبية المعركة المستمرة) أن ينجح في إعادة تنظيم جنوب لبنان، ويحشد ويعبئ كل موارده الطبيعية والبشرية في مواجهة إسرائيل، وأيضاً تقوم حركة حماس حالياً ببناء قوة شبه عسكرية، على غرار نسق حزب الله في غزة والضفة الغربية.
وأخيراً يقول الكاتب: إن معركة إسرائيل القادمة في مواجهة هذه القوى قد أصبحت وشيكة الحدوث.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد