ثنائية المعلن وغير المعلن في علاقات الرياض- واشنطن
الجمل: التواجد العسكري- الاستخباري الأمريكي المكثف، وصفقات السلاح الأخيرة تؤكد بجلاء ووضوح على أن السعودية سوف تظل لفترة طويلة بنداً رئيساً ضمن جدول أعمال مجلس الأمن القومي الأمريكي.
• مجلس الأمن القومي الأمريكي وسر (جاذبية السعودية):
تتميز السعودية بمزايا لا نظير لها في العالم، أبرزها:
- وجود المخزونات النفطية الهائلة.
- القدرة على التأثير في البلدان العربية.
- القدرة على التأثير في البلدان الإسلامية.
- مجاورة البلدان الأكثر خطورة في الشرق الأوسط والعالم، وهي: سورية، إيران، والعراق، إضافة إلى دول الخليج الغنية بالنفط.
- عدم القدرة على الدفاع عن النفس.
وجود المزايا الإيجابية الأربعة الأولى، إلى جانب الميزة السلبية الخامسة، أدى إلى جعل السعودية لقمة سائغة سهلة الاصطياد والافتراس بواسطة صقور الإدارة الأمريكية وجماعة المحافظين الجدد.
• حقيقة النوايا الأمريكية إزاء السعودية وبلدان الخليج:
كتب المحلل الاستراتيجي والعقيد السابق في الجيش الأمريكي دانيال سميث تحليلاً نشره موقع (السياسة الخارجية تحت المجهر) الالكتروني، وأعادت نشره صحيفة انتي وار الأمريكية على موقعها الالكتروني، ويحمل عنوان التحليل تساؤلاً يقول: (لماذا العربية السعودية؟ ولماذا الآن).
يقول دانيال سميث بأن ما يدهشه ويثير شكوكه هو أن السعودية التي تم تخصيص ما قيمته 20 مليون دولار من العتاد والأسلحة الأمريكية المتطورة، إضافة إلى كونها ثاني أكبر متلق للأسلحة الأمريكية بعد إسرائيل في الشرق الأوسط، هي نفسها السعودية التي:
- جاء منها 15 من بين 19 عنصراً قاموا بتنفيذ هجمات الحادي عشر من أيلول.
- عارضت الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق، ولاحقاً وصف ملك السعودية الغزو الأمريكي بأنه (احتلال غير قانوني)!
- طلبت من الولايات المتحدة أن تقوم بنقل قواتها، وتبحث عن بلد آخر لوضع مكاتب ورئاسات القيادة الوسطى الأمريكية المتقدمة!
- تجاهلت فرض الرقابة على حدودها بحيث أصبح ب75% من المسلحين الأجانب يمرون عبرها إلى العراق بعدد يفوق أضعاف ذلك العدد الذي يمر عبر سورية!
- لم تصدر حكومة السعودية قراراً بمنع الشباب السعودي من الذهاب إلى العراق، وحالياً 40% من الأجانب الذين يقاتلون قوات أمريكا وقوات حكومة المالكي هم من السعوديين.
- ماتزال السعودية رافضة بشدة الاعتراف بإسرائيل!
- ماتزال السعودية تدعم وتؤيد حركة حماس.
• السعودية والكونغرس:
في الفترات السابقة كان المعارضون داخل الكونغرس لعمليات بيع الأسلحة للسعودية يركزون على ذريعة عدم قيام السعودية بتوقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل، وعلى احتمالات أن يتم استخدام الأسلحة الأمريكية ضد إسرائيل. أما الآن فيشدد أعضاء الكونغرس المعارضين على الزعم بأن السعودية لم تقدم حتى الآن الدعم والمساعدة الكافية من أجل تحقيق أهداف الولايات المتحدة في العراق، وفي الحرب العالمية ضد الإرهاب.
كذلك يرى بعض أعضاء الكونغرس بأن السعودية لم تبذل قصارى جهدها من أجل تقليل وتخفيض اسعار النفط، وتركت الاقتصاد الأمريكي يواجه مشكلة ارتفاع أسعار النفط العالمي.
أما الأكثر تشدداً داخل الإدارة الأمريكية فيقولون بأن السعوديين ظلوا على الدوام يعرقلون أهداف أمريكا في الشرق الأوسط، وبالذات رغبة الإدارة الأمريكية الحالية الهادفة لإقامة نظام ديمقراطي في العراق.
• ثنائية المعلن وغير المعلن في علاقات محور الرياض- واشنطن:
تقول معطيات خبرة علاقات محور الرياض- واشنطن، بأن الأمريكيين ظلوا يكيلون للسعودية الكثير من الاتهامات، ومطالبتها بالمزيد من التعاون، وفي الوقت نفسه يقومون بدعمها دعماً كاملاً، أما السعوديون، فقد ظلوا يقدمون لأمريكا كل شيء، وفي الوقت نفسه ينفون ذلك.
الشواهد والدلائل التاريخية على ثنائية المعلن وغير المعلن، كثيرة، ولا تنطبق على السعودية فقط، بل وأيضاً على بقية الدول النفطية الخليجية.
- خلال فترة حرب الخليج نفى السعوديون المعلومات القائلة بأنهم وافقوا لأمريكا على إقامة القواعد العسكرية والاستخبارية على أراضي المملكة، ولكن لاحقاً تبين أنهم قد وافقوا وأصبحت القواعد الأمريكية في السعودية أمراً واقعاً.
- خلال فترة احتلال وغزو العراق نفى السعوديون والخليجيون مشاركتهم في الجهود الحربية الأمريكية، ولكن لاحقاً تبين أن قوات ردع الجزيرة التابعة لدول مجلس التعاون الخليجي الذي يضم السعودية، قد شاركت في العملية.
- نفى السعوديون اتصالاتهم مع إسرائيل، ولكن لاحقاً تبين أن الاتصالات والتفاهمات السعودية- الإسرائيلية أصبحت أمراً واقعاً.
هناك منفعة متبادلة بين النظام السعودي والإدارة الأمريكية، وهي مصلحة تمتد جذورها إلى الصفقات والمصالح المالية والنفطية المشترطة التي ظلت تجمع رموز الإدارات الأمريكية مع السعوديين، وليس بخاف على أحد استثمارات عائلة بوش، والعمليات التجارية الضخمة التي كان ينفذها جورج دبليو بوش مع الشقيق الأكبر لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة.
ويقول بعض المراقبين بأن مضمون الشراكة يقوم على أساس اعتبارات اضطرار السعوديين إلى تغطية حالة الانكشاف التي يعاني منها الأمن السعودي، وقد استعانوا في بداية الأمر بأمريكا بشكل طوعي، ولكن لاحقاً أصبحوا مكرهين على التعامل مع أمريكا، التي وضعت قدراً كبيراً من عتادها العسكري وقواتها في السعودية وذلك على النحو الذي جعل من السعودية بلداً يقبع تحت الاحتلال الأمريكي غير المعلن.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد