ثوار 14 آذار: صُنع في سوريا
هادي رقص، والده دبك. والده نزف، هادي بصم. هادي بايع. هادي أيّد. هادي هتف. لا اسم يخطر على البال عند التفكير في «المنتجات السورية» في «ثورة الأرز» أكثر من النائب هادي فوزي حبيش. قصة هادي من قصة والده التي بدأت إثر رفض النائب السابق مخايل الضاهر التمديد عام 1995 للرئيس الياس الهراوي. حدّدت القيادة السورية انتخابات 1996 النيابية موعداً لتأنيب الضاهر. سرعان ما تبلّغت عكار «الرسالة» حين اصطحب اللواء غازي كنعان حبيش بسيارته لتعزية النائب السابق طلال المرعبي بوفاة والدته. لاحقاً، بعد طعن الضاهر في نيابة حبيش، جنّدت الاستخبارات السورية كل نفوذها لترجيح كفة حبيش وسحق الضاهر.
بعد عام واحد، إثر انتخابات 1998 البلدية، يروي أحد شباب القوات اللبنانية في القبيات أن حبيش احتجّ لدى الاستخبارات السورية على انحياز القوات للّائحة المناوئة لمن يدعمهم هو، فما كان من «السوريين» إلا أن أوقفوا مجموعة من شباب القوات ريثما يزور أهاليهم نائب البلدة معتذرين. أما الظهور التلفزيوني الأول لحبيش، النائب اليوم، فكان على هامش نقل المؤسسة اللبنانية للإرسال مباشرة احتفالات عائلة الرئيس إميل لحود في بعبدات يوم انتخاب الأخير رئيساً: كان حبيش هناك، ابتسامته ترقص. بعدها بأيام قليلة، أطلّ والده على «اللبنانية للإرسال»، أيضاً، يدبك هذه المرة مبايعاً الرئيس بشار الأسد في منطقة وادي خالد. ومن الأب إلى الابن: في ظل حضور الضاهر القوي في «ثورة الأرز»، لم تطأ قدما النائب هادي حبيش أرض «الانتفاضة الشعبية». يوم سقطت حكومة الرئيس عمر كرامي كان في مكتب الوزير سليمان فرنجية يحجز نمر سيارات. وعشية تأليف اللوائح، عام 2005، كان قد قدّم أوراق اعتماده في الرابية، مذكّراً الجنرال ميشال عون بوفاء والده له أيام الحكومة الانتقالية. قبل أن «تفكس» بين الضاهر وقريطم، فيدير حبيش ظهره إلى الرابية ويهرع إلى قريطم.
في كتلة المستقبل العكارية هناك أيضاً النائب رياض رحال. قبل قريطم، وقف هذا الطبيب اللامع طويلاً في مركز الاستخبارات السورية في عكار. كان الصديق الـ«إنتيم» لمسؤول الاستخبارات السورية العميد محمد مفلح (مسؤول محافظة حماة اليوم). في المناسبات، كرسي الحكيم لا تفارق كرسي العميد. لكن الطبيب المواظب على خسارة كل معاركه في بلدته، بقي «صديق العميد»، على رغم عجز مفلح عن «تحويله» نائباً نتيجة شغل عصام فارس وسليمان فرنجية، ممثلاً بكريم الراسي، لمقعدي عكار الأرثوذكسيّين. وبعد ترشحه عام 1996 على لائحة الرئيس عمر كرامي، ترشح رحال عام 2000، جنباً إلى جنب النائب السابق وجيه البعريني، على لائحة فارس التي كانت تعتبر لائحة الرئيس إميل لحود. يومها ــــ يروي تيار المردة ــــ وقع خلاف بين فرنجية ومسؤولي الاستخبارات السورية في لبنان نتيجة تمسّك فرنجية بترشيح الراسي مقابل إصرار الاستخبارات على ترشيح رحال. المهم أن رحال اليوم «مع الثورة». معها في لبنان وفي سوريا، لكنه سيفكّر ألف مرة قبل إدخال مصاب سوري إلى مشفاه الخاص، على حسابه.
في عكار، أيضاً، منسّق تيار المستقبل السابق حسين المصري كان ناشطاً جداً بين طلاب حزب البعث. أما نائب المستقبل السابق مصطفى هاشم فيُروى أنه أكثر من استهلك فرش مكتب محمد مفلح وأكثر من شرب قهوة هناك. وحتى أسابيع مضت، كان مفلح نفسه يشيد بـ«خط» هاشم، ويثني على براعته في الكتابة، ناصحاً الصحافيين بالاستفادة من خبراته الاستقصائية. أما «الصناعة» السورية الأهم في عكار على صعيد كتلة المستقبل طبعاً فهي النائب خالد ضاهر. من الاستخبارات السورية تعلم ضاهر كل هذا «الهد والأد»: بعد قبول طعن النائب مخايل الضاهر في نيابة فوزي حبيش وجمال إسماعيل، جرت انتخابات فرعية في الشمال على مقعدين عام 1997، نافس الضاهر حبيش على أحدهما وكان يفترض بمحمد يحيى أن ينافس جمال إسماعيل على الآخر، وإذ بخالد ضاهر «يظهر» فجأة في صناديق الاقتراع، حاصداً تأييد أكثر من 90 في المئة من أصوات المقترعين العلويين. يومها، بدا مرشح الجماعة الإسلامية محبوباً إلى حدّ العشق في صناديق الاقتراع المسيحية. ثمة من ينسى، لكن ثمة أيضاً من لا ينسى، أن ضاهر كان «يضيّف» يوماً القهوة في مكتب مفلح. وبين نواب عكار السابقين من روى ضاهر له مرة كيف كان مفلح يبهدله بعبارات قاسية، أقلها «سِد ...». وحين سأله زميله عن ردّ فعله، سكت. يسكت في السابق أما اليوم فحاشى.
من يبقى لتيار المستقبل في عكار إذا أُقصي من «صنعتهم» الاستخبارات السورية: حبيش ورحال وضاهر؟ يبقى: خضر حبيب وخالد زهرمان ونضال طعمة ومعين المرعبي. لم تسمع غالبية اللبنانيين بمعظم هؤلاء. نجوم المستقبل «صناعة» الاستخبارات السورية.
من عكار إلى زغرتا. بعد مباركة القيادة السورية «انتخاب» رينيه معوض رئيساً واستشهاده، عيّنت الاستخبارات السورية نايلة معوض عام 1991 نائبة. بفضل علاقتها بنائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام واللواء محمد ناصيف، حلّت معوض عام 1992 أولى في الشمال، ولم يسبقها عام 1996 إلا النائب بطرس حرب (اشبين الهراوي). هكذا تقدم حرب في عهد الاستخبارات السورية على النائب سليمان فرنجية، رجل السوريين الأول في لبنان كما تحب قوى 14 آذار أن تسمّيه، حتى في زغرتا، بينما تقدمت معوض على فرنجية في كل الصناديق العلوية.
لم تتردد «الست نايلة» يوماً، حتى الألفين، في دعوة العمداء السوريين إلى ذكرى اغتيال الرئيس معوض. وبعد تحالف فرنجية مع «أقوياء طرابلس» عام 2000، تحالفت مع كرامي، وأطلّت على جمهورها في نهاية اليوم الانتخابي معلنة بحسرة أن «الدنيا فيها ربح وخسارة». لكن سرعان ما أظهرت النتائج خسارة النائب اسطفان الدويهي وفوزها. يمكن فرنجية إحصاء أكثر من عشرين حادثة اشتكت خلالها معوض عليه للاستخبارات السورية، فيما لا تستطيع معوض، التي تعذّر الاتصال بها أكثر من مرة، ذكر مرة واحدة اشتكى فيها فرنجية للسوريين منها أو عليها. أما العميد رستم غزالة فكان، حتى أسابيع قليلة ماضية، يروي لزواره عن يوم اصطحبت «الست» ابنها «ميشو» معها لزيارته صباحاً، فسأل غزالة الشاب عمّا يرغب في تناوله، ليجيبه: «كورنفلاكس». فقال له العميد السوري: «شو كورنفلاكس مو كورنفلاكس، يا فول يا حمص حبيبي». الأكيد أن الناخب الزغرتاوي أثبت في دورتين متتاليتين، عامي 2005 و2009، أن الاستخبارات السورية فرضت عليه معوض ممثلة له في المجلس النيابي ثلاث دورات متتالية، وأنه لو عاد الأمر إليه لما أوصلها مرة إلى المجلس. زميل معوض في الثورة والنيابة السابقة جواد بولس لم يكن بعيداً هو الآخر. ففي سجلات تيار المردة المادية ترد في إحدى الخانات عبارة «مخصصات جواد بولس». أما ثالثهما في تمثيل زغرتا بعد «الانتفاضة»، النائب السابق سمير فرنجية، فكان «مبعوث البطريركية المارونية الدائم لمحاورة غازي كنعان».
في المنية، لطالما تباهى عضو كتلة المستقبل النائب قاسم عبد العزيز سابقاً بأنه أول من يحصل من السياسيين على أوامر مهمة تسمح لأنصاره بدخول سوريا عبر الخط العسكري. هو الذي كان يتحدث عن غازي كنعان بوصفه «المعلم». أما زميله الجديد كاظم الخير، فورث مقعده النيابي عن والده صالح الخير الذي ثبّته من كان يعدّ للشمال لوائحه في كرسيه ثلاث دورات متتالية أعوام 1992 و1996 و2000. وحين حسمت القيادة السورية قرارها بتبنّي لائحة الرئيس نجيب ميقاتي لا عمر كرامي شمالاً عام 2000، سارع الضباط المعنيون بتركيب اللوائح إلى استبدال المرشح محمود طبو بالخير. والخير الذي جاور ضباطاً سوريين في بنايته في الرملة البيضاء، كان يوافق كل من يشير إلى علاقة عائلية لزوجته السيدة إيمان سنجابة بالأمين العام المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي عبد الله الأحمر، مسهماً بذلك في انتشار شائعة كانت تكفي في تلك المرحلة لتعزيز نفوذه. ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أن اختيار تيار المستقبل للخير تزامن مع مرحلة التقرب الحريري من دمشق وتصالح سعد الحريري والرئيس السوري بشار الأسد.
في البقاع، «طفل السوريين المدلل» لم يكن إلا النائب روبير غانم الذي تعلم على يد غازي كنعان شخصياً كتابة الخط العربي. واحتراماً من «السوريين» لجهده، قُبل الطعن في نيابة هنري شديد ليحل مشرّع كتلة المستقبل محله. واللافت أن شديد يُعدّ اليوم «مرشح التبعية والوصاية»، بحسب تصنيف قوى 14 آذار للمواطنين، فيما يعتبر غانم «مرشح ثورة الأرز»، بما فيها من حرية وسيادة واستقلال. أما وزير المستقبل السابق محمد رحال فكان يقضي ساعتين بين طلاب الجامعات ومثلهما في مكتب العميد في الاستخبارات السورية علي دياب. هناك يسمع وهنا يكتب. ويروي حزب الاتحاد أن مسؤول منطقة البقاع الغربي في الاستخبارات السورية لم يستقبل مرة الوزير السابق عبد الرحيم مراد إلا وأوصاه في ختام الزيارة بالاهتمام جيداً برحال، لأنه «حرك ونشيط»، في ظل تأكيد أحد المتابعين عن كثب لخطوط التواصل بين الاستخبارات السورية واللبنانيين أن خط الاستخبارات ــــ عائلة رحال لم ينقطع بعد. أما عضو كتلة المستقبل النائب جمال الجراح، فشهير بعلاقته مع خدام، ويمكن عبد الرحيم مراد أن يورد في هذا السياق أكثر من خمسين مرة شكا فيها الجراح عليه للاستخبارات السورية، فيما يتحدّى مراد الجراح بأن يذكر مرة واحدة شكا مراد فيها للاستخبارات منه، مع العلم بأن الجراح «يكزدر» بين حين وآخر بسيارتَي خدام الـ«بي إم دبليو» و«المرسيدس».
ومن الغرب إلى الأوسط، أول مرة ترشح النائب إيلي ماروني إلى الانتخابات، كان غازي كنعان الداعم والمبارك لترشحه لا الرئيس أمين الجميّل. فقد وجد كنعان أن ترشّح ماروني هو الوسيلة الوحيدة لسحب الأصوات من الدكتور نبيه غانم الذي كان سيحلّ محل النائب خليل الهراوي لو بقيت الأمور الانتخابية على حالها. هكذا استخدم كنعان ماروني ليشتّت «الصوت المعارض» ويضمن فوز الهراوي. أما عضو كتلة القوات طوني أبو خاطر، فكان طبيب كل الضباط السوريين في البقاع، وكان حجر الزاوية في «خلية حمد ــــ فرع البقاع» التي أنشئت للرد على لقاء قرنة شهوان.
الكارثة أن «الثوار» ممن ما فتئوا يركبون على أكتاف الشعب يتحدثون بثقة غريبة بالنفس، فإما هم لا ينظرون في المرآة أو هم يعتقدون بأن هتاف «ثورة ثورة» ينسي المواطنين أصلهم وفصلهم، أو أن «شلش الحياء طق».
أحذية وفساتين
من المنية إلى البترون، تمر الطريق بطرابلس محمد كبارة الذي كان «ونّيشاً» في مرفأ طرابلس إلى أن أُعجب ضباط الاستخبارات به، والكورة. في الأخيرة كان نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري يؤدي دور رجل الاستخبارات السورية القوي، على طريقة النائب ميشال المر في المتن. رعت الاستخبارات وسهّلت وباركت إنشاء مكاري لزعامته في الكورة. المقرّبون منه يتذكرون «كرتونة» كان يحملها مرة في جيبه رسم عليها قدم عميد الاستخبارات السورية خليل الزعيبي الذي أوصى مكاري على حذاء «برلوتي» من فرنسا.
وحتى سنوات قليلة ماضية، كانت زوجة النائب بطرس حرب تتباهى باختيارها شخصياً فستان العرس لابنة رستم غزالة. حرب الذي خاضت الاستخبارات السورية أم المعارك عام 1996 ليتقدم «المعارض الشرس» لـ«الديمقراطية السورية الجوفاء» أوّل على جميع المرشحين. ويروي أحد صنّاع قرنة شهوان أن حلفاء حرب كان يتّهمونه بتسريب محاضر اجتماعات القرنة إلى الاستخبارات السورية عبر صديقه الياس المر الذي كان «وزير داخلية الوصاية». واجتماعات القرنة شاهدة على مشاحنات عنيفة بين حرب وسمير فرنجية في هذا الشأن. حرب الذي لم يتردد في الصعود إلى زحلة للقاء رستم غزالة في منزل النائب السابق إيلي سكاف عام 2005 تمهيداً لإعلان ترشحه إلى رئاسة الجمهورية، كاد أن يذهب سباحة إلى يخت عصام فارس للقاء وزير الخارجية السوري وليد المعلم.
غسان سعود
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد