جعجعة ديبلوماسيّة لا تنتج حلولاً.. هبَّة فلسطين مستمرة
تواصلت الهبَّة الشعبية الفلسطينية مع تصاعد جعجعة الحركة الديبلوماسيّة في الأمم المتحدة وفي أوروبا. انتهى لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بوزير الخارجية الأميركي جون كيري بالإيحاء بوجود تقدّم حذِر في اتجاه التوصّل إلى تفاهمات بشأن الوضع القائم في الحرم القدسي. وكعادته، وضع نتنياهو العصي في الدواليب من خلال مطالبة كل من الأردن والسلطة الفلسطينية، بإعلان أنَّ إسرائيل لم تغير الوضع القائم في الحرم القدسي. ولا تزال الهزات الارتدادية للعاصفة التي أثارها كلام نتنياهو حول دور مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، في حثّ الزعيم النازي، أدولف هتلر، على إبادة اليهود، تتكرر.
وفي تعليقه على لقاء نتنياهو ـ كيري، قال المتحدّث باسم الديبلوماسيّة الأميّركية جون كيربي، إنَّه «تم عرض عدد من الاقتراحات البناءة بينها إجراءات يمكن أن تتّخذها إسرائيل لتؤكّد مجدداً التزامها بالحفاظ على الوضع القائم» في الحرم القدسي.
مسؤول إسرائيلي رفيع المستوى، اعتبر أنَّ «الموضوع المتفجر الأساسي حالياً هو الحرم القدسي. وهو يحوّل المشكلة إلى مشكلة دينية أوسع بكثير تمسّ جماهير بكاملها، ولذلك فإنَّ جهوداً خاصة تُبذل على هذا الصعيد»، واضاف أنَّ «الوضوح هنا فائق الأهمية في ضوء الأكاذيب التي تُنشر. ينبغي تنفيذ خطوات لتوضيح أنَّ الوضع القائم بقي على حاله وأن شيئاً لم ولن يتغيّر، وقسمٌ من هذه الخطوات إعلاني. هناك قول نكرره بشأن التزامنا بالوضع القائم، ومهم أن يقول الجانب العربي صوته في هذا الشأن ويقول الحقيقة بأن إسرائيل لم تنتهك الوضع القائم».
وأوضح نتنياهو لوزير الخارجية الأميركي ووزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فدريكا موغيريني في لقائه معهما في العاصمة الألمانيّة، يوم أمس، أنَّه ينبغي على الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية أن تنشرا بلاغاً يوضح أنَّه لم يتمّ انتهاك الوضع القائم في الحرم، كجزء من الخطوات لتهدئة الوضع.
وأشارت صحف إسرائيلية إلى أنَّ نتنياهو بدأ منذ وصوله إلى العاصمة الألمانيّة حملة اتصالات هاتفية ولقاءات مع جهات دولية بشأن التصعيد مع الفلسطينيين.
وفي هذا السياق، اجتمع في فندق «شيراتون» في برلين مع كيري لمدة أربع ساعات. وبعدها التقى وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي التي تبذل بدورها مساعي لتهدئة الوضع، كما التقى بوزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير.
ومعروف أنَّ اجتماعاً سيعقد اليوم للرباعية الدولية التي تضم الاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة إلى جانب الأمم المتحدة، للبحث في الأزمة القائمة في الأراضي المحتلة.
وقال كيري، إثر الاجتماع بنتنياهو، «يمكنني أن أقول عن المشاورات إنَّها منحتني شيئاً من التفاؤل الحذر بإمكان طرح شيء على الطاولة خلال الأيام المقبلة» من أجل «تهدئة الوضع والمضي قدماً، في تخفيض حدّة التوتر، مشيراً إلى أنَّه سيعرف إنْ كانت هذه الخطوات ستنضج بعد اللقاء الذي سيجمعه مع كل من الملك الأردني عبد الله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمَّان.
وكانت أنباء قد تحدَّثت عن تقديم كيري صيغةً مكتوبة لتفاهمات تمّ التوصل إليها العام الماضي، بين الأردن وإسرائيل بشأن الوضع القائم في الحرم القدسي. وفي هذا الإطار، صرَّح مصدر إسرائيلي بأنَّه بعد لقاء كيري المرتقب مع الملك عبد الله الثاني وعباس، سيتضح ما إذا كانت هناك فرصة لعقد قمّة بينهم وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية في وقتٍ قريب. ورفض هذا المصدر الإسرائيلي تحديد ما إذا كان نتنياهو قد أبدى موافقة على تنفيذ خطوات لتهدئة الوضع، عدا إطلاق تصريحات.
في السياق، نقل موقع «والا» الإخباري الإسرائيلي عن مسؤولين فلسطينيين تهديدهم بوقف التنسيق الأمني إذا لم تقم إسرائيل بإعادة إدارة الحرم القدسي إلى الأوقاف الإسلامية، وفي حال لم تتّخذ سياسة حازمة ضدّ المستوطنين. ويطالب الفلسطينيون بالعودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبيل انتفاضة الأقصى في العام 2000، ويؤكدون أنَّ إعادة السيطرة للأوقاف، هي إحدى الخطوات التي يمكن أن تهدّئ الأوضاع.
وفي مستهل لقائه مع نتنياهو، طالب كيري «بوجوب تنفيذ خطوات تقرّبنا وتتجاوز الإدانات والبلاغة الخطابية»، من أجل إعادة الهدوء. وأضاف الوزير الأميركي أنَّ «وقف العنف والتحريض هو أمرٌ حاسم»، معرباً عن إيمانه أنَّ الملك الأردني والرئيس الفلسطيني يريدان وقف التصعيد.
من جانبها، أعلنت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي أنَّ اجتماع الرباعية في فيينا، اليوم، يهدف إلى إيصال رسالة إلى كل الأطراف مفادها أنَّ عليهم العمل على تهدئة الوضع.
وأشارت مصادر إسرائيلية إلى أنَّ نتنياهو طالب خلال لقاءاته مع كيري وموغيريني وشتاينماير، بأن يمارس هؤلاء الضغط على الرئيس الفلسطيني لوقف «التحريض» على إسرائيل. وقال إنَّه «ينبغي على عباس أن يكفّ عن نشر الأكاذيب حول أنَّ إسرائيل تريد تغيير الوضع القائم في الحرم أو المس بالمسجد الأقصى». وأعاد تأكيد التزام إسرائيل بالحفاظ على الوضع القائم هناك. ويوحي نتنياهو لمن يلتقيهم بأنَّ إسرائيل غير معنية بتدهور الأمور نحو حرب دينية، ولكن الفلسطينيين هم الذين يفتعلون الصدامات، فيما يشدد على أنَّ لإسرائيل علاقات واسعة حالياً مع دول عربية، ولكن ما يجري في الحرم يعرقل هذه العلاقات.
ومعروف أنَّ إسرائيل تشنّ حملة ديبلوماسية ودعائيّة دوليّة بغرض إقناع العالم بأنَّها لم تقم بأيّ تغيير في الوضع القائم في الحرم. ولكن هذه المساعي تصطدم بوقائع أهمها عديد الوزراء وأعضاء الكنيست من أنصار إعادة بناء الهيكل الذين يزورون الحرم، ومطالبتهم بالسماح بالصلاة علناً فيه. وعدا ذلك، هناك المحاولة الفعليّة من جانب الشرطة الإسرائيلية لتقسيم زمان الحرم بين المصلين المسلمين، وبين «الزوار» من غير المسلمين والذين بينهم المئات من اليهود الذين يأتون للصلاة. كما تمنع الشرطة الإسرائيلية تواجد حرس الحرم من الأوقاف الإسلامية، وتصادر منهم الحق في منع مصلين يهود من دخول الحرم.
وكشف استطلاع للرأي نشرته قناة الكنيست في التلفزيون الإسرائيلي، أنَّ عاصفة كلام نتنياهو عن دور المفتي في المحرقة النازية، زاد من غضب الإسرائيليين عليه. إذ أشارت نسبة 53 في المئة من المشاركين إلى أنّهم لا يتّفقون مع كلام نتنياهو، فيما وافقت نسبة 26 في المئة مع كلامه بعدما قام بتعديله في اجتماعه مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أمس الأول. ولكن صورة نتنياهو كانت أسوأ في الاستطلاع في ما يتعلّق بأدائه الأمني، إذ قالت نسبة 72 في المئة من المشاركين أنّهم غير راضين عن أداء رئيس الحكومة، وأبدت نسبة 27 في المئة رضاها.
وحذر البيت الأبيض نتنياهو من «الخطاب الاستفزازي» بعد أن زعم ان الحسيني حرض هتلر على ارتكاب «المحرقة اليهودية» في المانيا. وقال المتحدث باسمه اريك شولتز «لا اعتقد ان هناك اي شك في البيت الأبيض حول من هو المسؤول عن المحرقة التي أودت بحياة ستة ملايين يهودي. نحن هنا نواصل التأكيد بشكل علني وخاص على أهمية منع الخطاب والاتهامات والأفعال الاستفزازية من الجانبين، والتي يمكن ان تغذي العنف». وتابع «نحن نعتقد أن الخطاب الاستفزازي يجب أن يتوقف».
وفي تطور لافت، خالفت المحكمة الإسرائيلية العليا قرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بتسريع عمليات هدم بيوت منفّذي العمليات ضدّ إسرائيليين. وأمرت، في قرار احترازي، وقف عمليات هدم البيوت إلى أن تدرس هدم البيوت المقرَّر في نابلس وسلواد وسرده، وجميعها في مناطق السلطة الفلسطينية.
تجدر الإشارة إلى أنَّ الذعر الذي أصاب الإسرائيليين دفعهم ليل أمس الأول، إلى إطلاق النار على يهودي وأردوه قتيلاً بعدما صرخ أحد ركاب حافلة بأنه «مخرب». وأوضحت الشرطة أنَّ اليهودي كان ينزل من حافلة وتشاجر مع حارسين مسلحين كانا يصعدان الحافلة، وبحسب روايتهما، فإنَّ الراكب الذي طلبا منه إظهار أوراق هويته، حاول الاستحواذ على سلاح أحدهما الذي اشتبه في أنه «إرهابي»، فأطلق عليه أحد الحارسين النار وأرداه.
واستشهد فدائي فلسطيني، اسمه محمود خالد محمود غنيمات (20 عاماً)، برصاص شرطة الاحتلال بعدما نفَّذ عملية طعن في بيت شيمش غرب القدس المحتلة يوم أمس، بينما أصيب فلسطيني آخر كان معه بجروح خطيرة.
وكان الاحتلال قال إنَّ شابين من بلدة صوريف غرب الخليل، حاولا تنفيذ عمليّة طعن داخل بلدة بيت شيمش قبل إطلاق النار عليهما.
كذلك، أعلنت شرطة الاحتلال أنَّ فلسطينياً حاول طعن جندي إسرائيلي في حي في مدينة الخليل يحتله المستوطنون. وبحسب الشرطة، فإنَّ الشاب الفلسطيني لم ينجح في طعن الجندي وهرب بعدها.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد