جنيف: استدعاء لـ«الجهاديين» والحل البوسني ووفد "الإئتلاف" يدافع عن الوهابية السعودية
لا أحد ينتظر معجزات من المبعوث الأممي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي بعد أن أنهى يومه الرابع من محاولات التفاوض بين الوفدين: «الائتلافي» المعارض والحكومي السوري.
ومن امتحان الاستماع إلى قراءات الوفدين لبيان «جنيف 1»، والسنوات الضوئية التي تباعد بينهما، ينتقل الإبراهيمي إلى الاختبار الأصعب اليوم في الجولة الخامسة، للغوص أكثر فأكثر، في لجج البيان السويسري، والبحث إذا أمكن في نقاط البيان نفسه والتوسع في تفاصيله، رغم أنه من الصعب العثور على نقاط مشتركة بين القراءتين لمباشرة هذه الجولة الحاسمة، باعتراف الإبراهيمي نفسه.
وتبدو أيام جنيف مجرد حلقات تفاوض من أجل التفاوض، والإبقاء مهما كلف الثمن على الأنوار مشتعلة في غرفة المفاوضات في قصر الأمم المتحدة، ريثما تحدث المعجزة، ويأتي الاختراق المنتظر.
وتقول مصادر دولية إن الأمل الوحيد بالخروج بإعلان كاف الجمعة المقبل، لمواصلة المحاولة الإبراهيمية، والرجوع إلى جنيف بعد استراحة أسبوع أو عشرة أيام، هو استدعاء المزيد من التدخل الروسي والأميركي للضغط على الطرفين، وإنقاذ المسار السوري، الذي لا يزال بعيداً عن استحقاق التوصيف التفاوضي، في وضعه الراهن. وقال ديبلوماسي يرافق العملية السياسية في جنيف، إنه من دون المزيد من التدخل الروسي والأميركي، الذي سيطلبه الإبراهيمي فلن يكون ممكناً مواصلة اللقاءات.
ويقول ديبلوماسي عربي إن الأميركيين يتخبطون في قيادتهم لمفاوضي «الائتلاف» ويبدو أن السفير الأميركي روبرت فورد، الذي يدير دفة المفاوضات من فندق «الانتركونتينتال» مع فريق من 20 ديبلوماسياً وخبيراً أميركياً، يحاول بأي ثمن تغيير دفتها، ودفعها باتجاه التركيز على المرحلة الانتقالية للالتفاف على محاولة الوفد السوري إدخال النقاش في تفاصيل مبدئية، قد تطول أشهراً، وربما سنوات، من دون التوصل إلى نتائج ملموسة، مع الحرص على خروج إعلان يمنع أي انتخابات رئاسية في سوريا في مواعيدها، تفضي إلى ولاية جديدة للرئيس بشار الأسد.
ويدرس الأميركيون أكثر من عرض في المرحلة الانتقالية، لتفادي الاصطدام بالاعتراض الروسي على تغيير النظام، من بينها اقتراح مجلس رئاسي ثلاثي لإدارة المرحلة الانتقالية، على غرار المجلس الرئاسي المثلث الطوائف في البوسنة، الذي تشكل في نهاية الحرب البلقانية. وظهر في أحاديث «الائتلافيين»، بعد الأيام الأربعة في جنيف، ما يعكس مراجعة جارية، حول قرار المشاركة من دون بقية فصائل المعارضة في جنيف. وتحدثت سهير الاتاسي وانس العبدة عن احتمالات تغيير أعضاء الوفد المفاوض في الجولة المقبلة، وفتح أبوابه أمام الفصائل المعارضة الأخرى.
ويبدو التخبط أوسع في قيادة الأميركيين لـ«الائتلاف»، في استمرار رهان فورد على ضم نواة الجماعات «الجهادية» المقاتلة في سوريا الى جنيف، لتعزيز قدرة «الائتلاف» على التأثير في قيادة الأحداث، وتنفيذ التزاماته العسكرية على الأرض من وقف النار، وتنفيذ عملية تبادل للمعتقلين.
وسلّم الابراهيمي، ليلة امس، بأن المفاوضات لن تشهد وقفاً لإطلاق النار، في هذه المرحلة على الأقل. ويقول ديبلوماسي غربي يشرف هو الآخر، من فندق قريب من الأمم المتحدة على دعم «الائتلاف» وتوجيه النصائح، ان تركيا والسعودية تقومان باتصالات مع «الجبهة الإسلامية»، و«جيش المجاهدين»، و«أجناد الشام»، وقد توصلتا الى إقناعهم بالمشاركة في الجولة المقبلة في جنيف.
ونقل مصدر عن فورد قوله إنه تمكن من إقناع هذه الجماعات، التي تضم أكثر من 90 ألف مقاتل، بالمشاركة في المفاوضات، وانها وافقت مشترطة ألا تكون تحت مظلة «الائتلاف». كما نقل المصدر عن السفير الأميركي أن الإدارة الأميركية وافقت لقاء ذلك على استئناف تقديم «المساعدات غير الفتاكة»، بعد أن أوقفتها قبل شهر، اثر هجوم «الجبهة الإسلامية» على «هيئة الأركان» في باب الهوى، واستيلائها على مستودعات الأسلحة. وأكد المصدر أن هذه المساعدات قد استؤنفت بالفعل.
الوسيط العربي الدولي قد يكون وصل إلى منتهى الممكن، لإطلاق «جنيف 2» ووضعه على المسار السياسي وتصويبه باتجاه نحو نواة بيان الثلاثين من حزيران العام 2012: التوافق على هيئة حاكمة كاملة الصلاحيات بحسب التوصيف الدقيق لبيان «جنيف 1». والإبراهيمي نفسه ختم الجولة الرابعة من الاجتماعات بين الوفدين بعرض حصيلة واسعة من الإخفاقات عنوانها الأعرض استحالة وجود أرضية مشتركة بين القراءتين اللتين تقدم بها الوفدان لبيان «جنيف 1».
وفي مفاوضات تدور في ظل خلل عميق لميزان القوى، ترجح كفته بوضوح لمصلحة النظام، لم يكن مفاجئاً أن يتحدث الإبراهيمي عن المعجزات، والحاجة إليها لتعويض تباعد المواقف، واختلال ميزان القوى، وضعف المعارضة. وعدد عناوين الفشل والإحباط «وانه لا وقف لإطلاق النار، ولا حتى تخفيف في مستوى العنف الممارس في سوريا، كما أن القافلة الغذائية لم تدخل حمص». وحمّل المعارضة، من دون تسميتها، المسؤولية عن فشل عملية إخراج الأطفال والنساء من حمص القديمة و«لكن الأمور ليست بالسهولة التي نتصور، والحكومة مستعدة لذلك، وهناك قناصة وغير ذلك».
وقال مسؤول غربي، من المقيمين في فنادق جنيف لتقديم المشورة والدعم لوفد «الائتلاف»، إن الإخفاق في إخراج أطفال ونساء المدينة القديمة يعود خاصة الى رفض الحكومة السورية عرضاً، بمواكبة دولية لقوافل الخارجين من حصار المدينة، وهي المرة الأولى التي يكشف فيها عن وجود عرض من هذا النوع.
وكانت الجلسة الرابعة نفسها قد جرت في أجواء من التشنج بين «الائتلافيين» والوفد الحكومي. واضطر الإبراهيمي إلى رفع الجلسة لتخفيف الخسائر، وحصر الأضرار في العملية التفاوضية.
وكما كان منتظراً، قدم بشار الجعفري مطالعة مختصرة لبيان سياسي يختصر رؤية دمشق لبيان «جنيف 1» وفهمها له. وأخرج الوفد السوري الرسمي مجموعة من المبادئ طالباً التفاهم حولها باعتبارها أسس الدولة السورية، بهدف تأكيد «استمرارية الدولة السورية، وطابعها التعددي وسيادة القانون واستقلال القضاء، والتنوع الثقافي لمكوّنات المجتمع السوري». وطلب الجعفري، في بيان مختصر وسريع، «من الدول الامتناع عن التزويد بالسلاح والتدريب عليه، ونبذ كل أشكال التطرف والأفكار التكفيرية والوهابية».
ودار نقاش بين الجعفري والإبراهيمي الذي طلب فيه عدم التعرض للأديان، رافضاً تدوين الهجوم على الوهابية، فرد الجعفري بأن ذلك موقف حكومته، وليس موقف الإبراهيمي.
وردت مقاعد الوفد «الائتلافي» ، بالتركيز على اعتبار جنيف ناظماً لعملية انتقالية تقوم فيها دمشق بتسليم السلطة. وقال عضو «الائتلاف» المفاوض انس العبدة إن «الائتلاف» يملك قائمة بأسماء الكثيرين من العاملين حاليا في الحكومة السورية، ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء، ويمكن ترشيحهم إلى الهيئة الحاكمة الكاملة الصلاحيات، بمقتضى التوافق المشترك، خلال المرحلة الانتقالية، و«لكننا لن ننشر أسماءهم لأنهم يقيمون في الداخل السوري».
وأدى السجال حول تباعد القراءات إلى سجال بين الوفدين، طلب خلاله الإبراهيمي رفع الجلسة، والمفاوضات، التي استؤنفت عصرا، ولكن في غرف منفصلة، تجنبا للمزيد من التوتر.
وعاد الإبراهيمي، في مؤتمره الصحافي المسائي، لينفي ما صرح به احمد رمضان، لإحدى القنوات الفضائية، من أنه أنّب الجعفري على كلامه «المروع عن أحد الأديان». وقال الإبراهيمي «إن أحدا لم يتحدث بشكل مروع عن الأديان، ولم أؤنب أحداً، وأطلب من الأفراد الذين يتحدثون إلى الصحافة أن يتوخوا المسؤولية وان يحترموا السرية، وإذا لم يحترموا السرية فأطلب منهم عدم المبالغة».
محمد بلوط
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد