جوائز فمينا لأوبري وزوكي وبيرو.. وديسمبر لتوسان
تتابع أمس صدور نتائج جوائز الخريف الأدبية في العاصمة الفرنسية، حيث كنّا أشرنا في الأسبوع الماضي إلى جوائز «الأكاديمية الفرنسية» و«غونكور» و«رونودو»، وقد أغلق الباب على آخرها وهي جائزة «فمينا»، في فروعها الثلاثة، التي ذهبت، عن الرواية الفرنسية، للكاتبة غويناييل أوبري عن روايتها «شخص»، بينما كانت جائزة «فمينا» للرواية المترجمة إلى الفرنسية من نصيب الكاتب السويسري (يكتب بالألمانية) ماتياس زوكي عن روايته «موريس في العشيقة» (منشورات زويه في سويسرا)، أما آخر جوائز فمينا، للبحث، فقد ذهبت إلى ميشيل بيرو عن كتابها «قصة غرف» (لوسوي). هنا مقالة تعريفية بالفائزين.
تبدو سنة 2009، عام منشورات «غاليمار» بامتياز، فبعد أن احتفلت بداية الشهر الحالي بفوزها بجائزة «غونكور» (للمرّة السادسة والثلاثين في تاريخها، ما شكل رقما قياسيا لهذه الدار التي تعتبر اليوم من أكبر دور النشر في العالم) والتي منحت للكاتبة ماري نداي، عادت الدار، أمس، لتتوج مع جائزة «فمينا» للرواية الفرنسية (عبر «ميركور دو فرانس»، وهي منشورات فرعية، للدار الأم) إذ ذهبت الجائزة إلى غويناييل أوبري، في دورة الاقتراع الثانية بمعدل 7 أصوات مقابل أربعة لبريجيت جيرو عن روايتها «سنة غريبة» (منشورات «ستوك») وصوت واحد ليانيك هاينل عن روايته «يان كارسكي» (منشورات «غاليمار»، سلسلة لانفيني»).
غويناييل أمبري، روائية وفيلسوفة، من مواليد العام 1971. تلقت علومها في «الإيكول نورمال العليا» كما في «ترينيتي كوليدج» (كامبردج). حازت «الأغريغاسيون»، كما دكتوراه في الفلسفة، وهي اليوم تعمل في مجال الأبحاث. قبل أن تتفرغ للرواية، ساهمت في كتابة بعض الأبحاث الفلسفية، في كتب ضمت مجموعة من المؤلفين، إلا أن العام 1999، شهد ولادة روايتها الأولى «الشيطان مزيل البقع» (منشورات «أكت – سود»). ومنذ روايتها الأولى هذه – التي تعالج قصة ألم وعذاب فتاة شابة، تقع في غرام رجل ناضج – ظهرت أنها صاحبة أسلوب رفيع، مكثف، معتنى به.
في العام 2002، جاءت روايتها الثانية «المعزولة» (منشورات «ستوك») التي روت فيها قصة شابة تقع في غرام رجل ثائر بسبب أوضاع المشردين. رواية، تدخل عميقا في قلب مجتمع فرنسي آخر، يحيا على هامش مجتمع آخر. ليتبعها في العام 2003، كتاب «العزلة» (منشورات «ستوك» أيضا) الذي شكل نصا جميلا حول فكرتي الانغلاق والاغتصاب.
روايتان، على الرغم من كل النقد الإيجابي الذي عرفتاه، كانتا تمهدان لكتابها هذا، «شخص». سردية متفردة، مثيرة للعواطف والمشاعر عن أبيها فرانسوا – كزافييه أوبري، الذي كان أستاذا في جامعة السوربون، والاختصاصي في قضايا «اللامركزية»، والذي كان يعاني من مرض الارتياب والإحباط وهو المرض الذي أودى بحياته. تنطلق الكاتبة في روايتها هذه من يوميات كان والدها قد كتبها بعنوان «خروف أسود مكتئب» وتركها غير منشورة، لكنها تنطلق أيضا من ذكرياتها عنه لتحاول أن تخط هذه القصة المتشظيّة لهذا الأب الذي يعتقد أحيانا أنه قرصان ومهرج ومتشرد. عبر 26 فصلا، وكأنها 26 هوية مختلفة، زائلة، تنرسم أمامنا صورة هذا الأب أو بالأحرى صوره المعقدة، الغريبة عن نفسها، لكنها الصور الآسرة في نهاية المطاف. وعبرها تكتب أوبري هذا العالم المتداعي، لكن المليء بالحنان والعطف أيضا.
ماتياس زوكي
ولد ماتياس زوكي في مدينة بيرن العام 1954، وتابع دروسا في التمثيل في زوريخ قبل أن يذهب ليمثل في بوخوم ألمانيا. بدءا من العام 1980، أقام في برلين، ليبدأ من هناك الكتابة للمسرح، كما للسينما. كتب أيضا بعض الروايات، أولها في العام 1988، بعنوان «ماكس» التي حاز عنها جائزة روبير فالسر، أما الثانية، فبعنوان «سعادة عائمة» (2003)، والثالثة «موريس في العشيقة» (وكانت حازت جائزة «شيللر» قبل أن تحوز «فمينا» للرواية المترجمة إلى الفرنسية (جميع الروايات صادرة عن منشورات «زويه»). في روايته الثالثة هذه، يروي ماتياس زوكي قصة موريس، الذي يعمل «ككاتب عمومي» حيث يدير حانوتا صغيرا في أحد أحياء برلين الخربة والمهدمة. منذ طفولته، احتفظ موريس بهذه العادة: النظر إلى العالم كما لو أنه ينظر في «مشكاة» مليئة بالألوان والروائح والأصوات. تماما مثلما كان يستمع إلى صوت «الفيولونسيل»، كل يوم، من دون أن يعرف مصدره. وبعد عدة عمليات بحث، يتعرف إلى المصدر، إذ ينتهي به الأمر بلقاء العازفة، التي كانت فتاة شابة، والتي تعتبر آلتها بمثابة رؤية إيروسية. كتاب مليء أيضا بالرومنسية، ما يجعل الكتاب مليئا بالسحر.
آخر جوائز فمينا، كانت في فئة البحث، التي حازتها ميشيل بيرو عن كتابها «قصة غرف». والمؤلفة – حائزة الأغريغاسيون في التاريخ، تعمل كأستاذة في جامعة باريس السابعة (جامعة دوني ديدرو) وقد طورت عملها التاريخي، نحو اتجاهات ثلاثة: عالم العمال، الجنوحية والنظام الإصلاحي، وبخاصة تاريخ النساء، التي تعتبر بيرو واحدة من أبرز دارسات هذه القضية، التي تبدو حاضرة في كتابها الأخير «قصة غرف»، التي تدخل فيها إلى قلب المنازل، بدءا من عهد لويس السادس عشر وصولا على جان جينيه. غرف تلعب فيها أكثر لحظات الحياة حميمية.
جائزة ديسمبر
من جهة أخرى، وزعت الأسبوع الماضي جائزة «ديسمبر» للرواية وقد حازها الروائي جان فيليب توسان عن كتابه «الحقيقة عن ماري» (منشورات «مينوي») وتبلغ قيمتها 30 ألف يورو، وذلك في دورة الاقتراع الأولى، بمعدل 7 أصوات مقابل 3 لباتريك بيسون وصوتين لسيمون ليبراتي.
منذ العام 1989، سنة تأسيسها، أعلنت جائزة ديسمبر أنها تريد أن تكون جائزة مضادة لغونكور. بمعنى أنها وجدت أن غالبية الكتب التي تحوز غونكور تنتمي إلى الدور الكبيرة والشهيرة، لذلك حاولت أن تكافئ كتابا ينشرون في دور أخرى غير «غاليغراي سوي» (وهو اسم مركب من غاليمار وغراسيه ولوسوي، التي تعتبر الدور الكبيرة والتي تتقاسم الجوائز عادة). في البداية عرفت الجائزة باسم «جائزة نوفمبر» وقد أنشأها ميشال دونيري، لكنه انسحب من تمويلها العام 1998، حين أعطت اللجنة الجائزة لميشال اولبيك، ليخلفه في رئاستها بيير بيرجيه، الذي أبقى على لجنة الحكم، مغيرا الاسم إلى «جائزة ديسمبر».
جائزة هذا العام ذهبت إذاً لجان فيليب توسان، الذي خسر غونكور (أمام ماري نداي، بفارق أصوات قليلة)، وهو من مواليد بروكسيل العام 1957. درس العلوم السياسية، كما التاريخ، وقد درّس في الجزائر ما بين عامي 1982 و1984، قبل أن يتفرغ للكتابة. روايته الأولى، «صالة الحمام»، رفضتها كل دور النشر التي أرسلها إليها، وحده، جيروم لندن، صاحب منشورات مينوي، وافق على إصدارها، لتبدأ معها رحلة في الكتابة، جعلت منه واحدا من أبرز الروائيين المعاصرين. وفي خط مواز للكتابة، عمل توسان في السينما حيث كتب سيناريوهات العديد من الأفلام، وقد حاز جائزة «ميدسيس» العام 2005 عن روايته «الهرب»، التي تشكل، بمعنى ما، تكملة لرواية «ممارسة الحب» العام 2002.
هاتان الروايتان تجدان اليوم امتدادا لهما مع رواية «الحقيقة عن ماري» التي نعود لنجد فيها تلك المرأة، مصممة الأزياء، التي يدور حولها الراوي الذي أضاع بوصلته. حيث يروي فيها قصة هذا الحب، الذي يمتد أيضا على مدن عدة، لنسافر معهما في رحلتين: رحلة المدن، ورحلة هذا الحب ذي الرغبات الكبيرة والمتأرجح بين أوجه عدة، كأنها وجوه العارضات اللواتي يرتدين تلك التصاميم المتعددة.
اسكندر حبش
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد