جولة أوباما الأوروبية وخارطة التحالفات الجديدة
الجمل: تقول المعلومات والتقارير بأن الرئيس الأمريكي أوباما سيقوم بجولة أوروبية يزور خلالها العديد من البلدان الأوروبية وذلك للتفاهم حول ملفات علاقات عبر الأطلنطي وجدول أعمال هذه العلاقات خلال فترة ولاية الإدارة الأمريكية الجديدة. وتجدر الإشارة إلى أن جولة الرئيس أوباما تأتي بعد جولة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في القارة الأوروبية والتي كما تقولا المعلومات قد مهدت المسرح الأوروبي لزيارة الرئيس أوباما.
* توقعات الأوروبيين إزاء إدارة أوباما:
تشير استطلاعات الرأي العام الأوروبية الأخيرة إلى أن الرئيس أوباما يتمتع بقدر عالي من الشعبية في أوساط الرأي العام الأوروبي بعكس خلفه جورج بوش. وتقول المعلومات أن مراكز استطلاع الرأي العام ما تزال منشغلة بالمقارنات بين شخصية أوباما وشخصية جون كيندي وتحديداً خلال زيارته التي قام بها لأوروبا عام 1961.
* أجندة علاقات عبر الأطلنطي: التقارب أم التباعد:
ظلت إدارة بوش تشدد الضغوط على دول الاتحاد الأوروبي من أجل تنفيذ جملة من المسائل أبرزها:
• توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي شرقاً.
• توسيع عضوية حلف الناتو.
• نشر شبكة الدفاع الصاروخي الأمريكية .
• دعم الجهود الأمريكية إزاء استهداف إيران.
• دعم الجهود الأمريكية إزاء عزل سوريا.
• دعم حلفاء واشنطن في القوقاز والبلقان.
• دعم جهود الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان.
• دعم الجهود الأمريكية إزاء السلام في الشرق الأوسط.
• دعم الجهود الأمريكية إزاء حماية أمن إسرائيل.
• دعم الجهود الأمريكية إزاء تطويق روسيا.
على خلفية علاقات عبر الأطلنطي ظلت القوى الأوروبية الرئيسية الفاعلة داخل الاتحاد الأوروبي تلعب على رهان استراتيجية كسب الوقت ومسايرة التوجهات الأمريكية ولكن بما يؤدي إلى إبطاء زخم الاندفاع الأمريكي.
التفاعلات الدبلوماسية الأمريكية – الأوروبية أدت إلى انقسام أوروبا إلى معسكرين الأول يتمثل في معسكر الدول الأوروبية المساندة لواشنطن وتتمثل هذه الدول في الحكومات الأوروبية التي شهدت صعوداً لقوى يمين الوسط، أما المعسكر الثاني فيتمثل في الدول التي تسيطر على حكوماتها حركات اليمين أو يسار الوسط.
اللافت للنظر أن الدول الأوروبية الصغيرة كانت هي الأكثر ميلاً للوقوف دون قيد أو شرط إلى جانب واشنطن أما الدول الأوروبية الكبيرة مثل ألمانيا وفرنسا فقد كانت أقل ميلاً لمسايرة أمريكا، وكانت تحاول التعامل مع أمريكا كحليف استراتيجي مؤقت ريثما تظهر المرحلة المناسبة لانطلاقة مشروع الاستقلالية الأوروبية.
برغم دبلوماسية إدارة بوش المكثفة عبر نافذة علاقات عبر الأطلنطي فإن دلوماسية واشنطن لم تنجح في تحقيق ما هو مطلوب ويمكن استعراض ذلك على النحو الآتي:
• ملف توسيع عضوية الاتحاد الأوروبي شرقاً: نجحت المفوضيات الأوروبي في عرقلته وحتى الآن لم يتم ضم لا جورجيا ولا أوكرانيا إلى عضوية الاتحاد ولا حتى تركيا.
• ملف توسيع عضوية حلف الناتو: استطاعت الدول الأوروبية عرقلة توسيع الحلف شرقاً، عن طريق استخدام مفهوم شراكة الناتو على النحو الذي ربط حلفاء أمريكا بالحلف كمجرد شركاء في بعض الأنشطة المحددة، ولم يمنح أحد منهم العضوية الكاملة في الحلف.
• ملف شبكة الدفاع الصاروخي: نجحت المساعي الأوروبية الغربية في إبعاد الاتحاد الأوروبي عن خوض المواجهة مع واشنطن في مسألة الدفاع الصاروخي واكتفت الأطراف الأوروبية بتحويل هذا الملف لحلف الناتو باعتباره الكيان العسكري المسؤول عن الدفاع الأوروبي وقد ترتب على ذلك نقل المواجهة إلى داخل مجلس حلف الناتو بما أدى إلى موافقة الناتو المشروطة لواشنطن بضرورة أن تكون شبكة الدفاع الصاروخي تحت إشراف قيادة حلف الناتو وهو الأمر الذي رفضته واشنطن رفضاً قاطعاً.
• ملف استهداف إيران: نجحت الأطراف الأوروبية في إقناع أمريكا بالالتزام بنتائج الجهود الأوروبية – الأمريكية المشتركة إزاء أزمة الملف الإيراني وقد ترتب على ذلك إدخال واشنطن ضمن المسار الدبلوماسي الوقائي الذي ما زال مستمراً بدلاً عن المسار العسكري الخطير العواقب والتداعيات.
• ملف الجهود الأمريكية إزاء عزل سوريا: نجحت الأطراف الأوروبية في مسايرة أمريكا لفترة من الزمن، ولكن بسب جهود الدبلوماسية السورية، فقد أدركت أوروبا أنه من غير الممكن عزل سوريا، وانتهزت باريس أول فرصة لاختراق الجدار الدبلوماسي الأمريكي ثم تداعت بعد ذلك الاختراقات التي شملت زعماء الكونغرس الأمريكي أنفسهم.
• ملف دعم حلفاء واشنطن في القوقاز والبلقان: ظلت الأطراف الأوروبية تقف إلى جانب حلفاء واشنطن في القوقاز والبلقان ولكن بعد اندلاع الحرب الجورجية – الروسية، انتهز الرئيس ساركوزي فرصة رئاسته للاتحاد الأوروبي وعقد صفقة على خط موسكو – بروكسل أغضبت إدارة بوش، ولاحقاً فقد مهدت هذه الصفقة إلى صفقة أخرى أصبح بموجبها حلفاء واشنطن في القوقاز والبحر الأسود تحت رحمة موسكو، أما بالنسبة لمنطقة البلقان فإن ملف انفصال إقليم كوسوفو سيظل معلقاً لفترة طويلة قادمة، ومن المتوقع أن يتم إنهاء أزمة هذا الملف ضمن صفقة جديدة قادمة على خط موسكو – واشنطن - بروكسل.
• ملف حرب العراق وأفغانستان: تحفظت الأطراف الأوروبية في دعم الحرب الأمريكية في أفغانستان وفي العراق ولكن لاحقاً فقد سعت هذه الأطراف إلى دعم الحرب الأمريكية في أفغانستان على النحو الذي أدى إلى إبعاد تورط حلف الناتو في حرب العراق وحالياً برغم أن إدارة أوباما تسعى إلى تصعيد حرب أفغانستان والانسحاب من العراق فإن الأطراف الأوروبية ما تزال أكثر تحفظاً إزاء دعم حرب أفغانستان والآن تقول التسريبات أن الأوروبيين يحاولون إقناع الإدارة الأمريكية بضرورة أن يركز الدعم الأوروبي على دعم الاقتصاد الأفغاني وليس على الدعم العسكري للعمليات الحربية.
• دعم الجهود الأمريكية إزاء عملية سلام الشرق الأوسط هو الملف الذي لم تستطع دول الاتحاد الأوروبي تحقيق المزيد من الاختراقات الرئيسية فيه، ولكن ما هو واضح حتى الآن يتمثل في أن توجهات بلدان الاتحاد الأوروبي إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي أصبحت تسبب المزيد من القلق في أوساط الإسرائيليين وعلى وجه الخصوص الحراك الشعبي الأوروبي إزاء أزمة غزة وتزايد الرأي العام الأوروبي المعادي لإسرائيل.
• ملف دعم وحماية أمن إسرائيل لم يحظ من جانب الكثير من الأوروبيين سوى بالموافقة وحالياً لا يمكن القول أن القدرات العسكرية الأوروبية لعبت أو ستلعب الدور الذي تلعبه حالياً القدرات العسكرية الأمريكية في حماية أمن إسرائيل.
• ملف تطويق روسيا وهو الملف الذي بدأت الأطراف الأوروبية تعمل قولاً وفعلاً من أجل إفشاله عن طريق تزايد الروابط الأوروبية – الروسية في مجالات التجارة وتدفقات رأس المال المباشرة وغير المباشرة إضافة إلى تحدي الموقف الأمريكي وتوقيع اتفاقيات نقل الغاز والنفط في أوروبا الغربية.
جولة أوباما ستتضمن الكثير من الملفات الحساسة وعلى ما يبدو أن الصفقة ستدور حول أنابيب نقل النفط والغاز الروسي إضافة إلى صفقات القوقاز، وعلى ما يبدو فإن علاقات عبر الأطلنطي ستشهد خلال الفترة القادمة تقليل التشدد الأمريكي وتزايد في الاستقلالية الأوروبية وانفتاح التفاهم على خط واشنطن - بروكسل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد