جولة بوش في أجندة أنابوليس والعداء السافر لسورية
الجمل: تُجمع كل أبجديات المعرفة الإنسانية النظرية والعملية على مفهوم عام موحد لـ(مؤتمرات السلام)، يقوم على أساس اعتبارات أنها تعنى بجميع أطراف النزاع من أجل التفاهم والتفاوض وصولاً إلى الحل، وبالنسبة لمؤتمر أنابوليس الذي دعت له إدارة بوش، كان واضحاً إنه يهدف لتحقيق جملة من الأهداف والغايات ليس السلام واحداً منها..
* الوجه الآخر لمؤتمر أنابوليس:
السلام يقوم على التعاون مع الآخر والاعتراف به وبحقوقه، أما العداء فيقوم على الصراع مع الآخر وعدم الاعتراف به والسعي الدائم لإقصائه.
على خلفية توجهات الإدارة الأمريكية، التي سعت من أجل إقصاء سورية، عن مؤتمر أنابوليس، فإن المؤتمر يمثل في وجهه الآخر، وبشكل صريح ومكشوف العداء الواضح والسافر لسوريا عن طريق تعمد:
• تغييب مشكلة سوريا التي تمثل أحد المكونات الرئيسية لصراع الشرق الأوسط!!
• تغيب حضور سوريا عن المؤتمر، علماً بأن سوريا تمثل الكيان السياسي الجيوسياسي، والذي لا تستطيع أي حسابات إستراتيجية أن تتجاهل وزنه في المنطقة، إلا إذا نجح العلم الاستراتيجي في تجاوز أبجدياته وتخلى عن أن يكون علماً استراتيجياً!!.
• منع الآخرين من التطرق لمشكلة سوريا، علماً بأن مشكلة سوريا تتداخل مع كل المشاكل الأخرى، وهو أمر غير ممكن، إلا إذا نجحت فرضية تجاوز معطيات تاريخ وجغرافيا الشرق الأوسط!.
- الهدف "غير المعلن" الأول: تفادي المشاكل الجوهرية:
تمت معالجة أجندة مؤتمر أنابوليس، بما يؤدي إلى تفادي المشاكل الخلافية الجوهرية التي تشكل قوام مشكلة الشرق الأوسط، وقد رتب اللوبي الإسرائيلي، المسار الأمني الذي يجب أن تبحر فيه سفينة أنابوليس، على النحو الذي يجعلها تتفادى أنواء الصراع العربي- الإسرائيلي، وموجات شرق المتوسط التي تسبب الكثير من المضايقات للإسرائيليين، وكان أبرز ما تم تفاديه:
• عدم طرح مشكلة احتلال إسرائيل لأراضي هضبة الجولان السورية.
• عدم طرح مشكلة الفلسطينيين التي تتضمن عدد من المشاكل الفرعية:
- مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة
- مشكلة بناء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية.
- مشكلة وضع القدس.
- مشكلة إقامة الدولة الفلسطينية.
- مشكلة عدم وفاء الإسرائيليين بتنفيذ التزاماتهم بموجب الاتفاقيات التي سبق أن وقعوا عليها مع الفلسطينيين.
- مشكلة الحصار المفروض على الفلسطينيين.
• عدم الرد على مبادرة السلام العربية، وإسقاطها بما يؤدي إلى عدم الاعتراف بها ووضعها طي النسيان.
- الهدف "غير المعلن" الثاني:
لم تكتفِ "الأيادي الخفية" التي رتبت جدول أعمال المؤتمر بما يؤدي لتحقيق الهدف غير المعلن الأول المتعلق، برسم خارطة ملاحة سفينة أنابوليس بما يجعلها تتفادى المتاعب والمشاكل، وقد هدفت الخارطة في الوقت نفسه إلى "نقل ركاب سفينة أنابوليس من المعتدلين العرب" إلى المرفأ التي سبق أن تحدث عنه عرّاب المفاوضات الإسرائيلية والرئيس الإسرائيلي الحالي شيمون بيريز من خلال حواره مع حليفه ماكوفيسكي خبير اللوبي الإسرائيلي، حول رأي الإسرائيليين في مبادرة السلام العربية، والذي نشره الموقع الإلكتروني لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وقد أشار شيمون بيريز حينها إلى الآتي:
• عدم رغبة إسرائيل في التفاوض مع العرب حول حدود إسرائيل، إقامة الدولة الفلسطينية، الانسحاب من الجولان، إزالة المستوطنات، حق العودة للاجئين الفلسطينيين.
• رغبة إسرائيل في التفاوض مع العرب حول التطبيع والتعاون الاقتصادي، على أن يسبق ذلك تنفيذ العرب للشرط الإسرائيلي الوحيد المتعلق بالاعتراف المسبق بإسرائيل وحقها في البقاء والوجود كدولة يهودية
صحيح أن المبادرة العربية قد عرضت لإسرائيل «التطبيع» و«التعاون الاقتصادي» و«الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود»، ولكن مقابل: الانسحاب من الأراضي المحتلة، وإقامة الدولة الفلسطينية التي تكون عاصمتها القدس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين.
وما هو واضح من حوار شيمون بيريز أن إسرائيل تريد الحصول على المزايا التي طرحتها مبادرة السلام.. دون أن تقدم أي شيء.
وتأكيداً على الإدراك الإسرائيلي غير المسبوق للسلام مع العرب، والذي سبق أن وضع خبراء اللوبي الإسرائيلي (ريتشارد بيرل، ديفيد فورمزز، بودوريتز،...) عناصره الأساسية ضمن مفهوم السلام الإسرائيلي الجديد، القائم على استبدال مبدأ الأرض مقابل السلام بمبدأ السلام مقابل السلام، فقد سعت "الأيادي الخفية" إلى قيادة ركاب السفينة العرب مباشرة إلى مرفأ "السلام مقابل السلام"، والإنفراد بهم بحيث يتم وضعهم تحت تهديد القوات الأمريكية المتمركزة في العراق والخليج ومياه شرق المتوسط، ليتسنى للقرصان الإسرائيلي "أخذ توقيعاتهم المسبقة على أوراق الاتفاقيات المعدة سلفاً، بما يؤمن "تشليحهم" من كل ما يطالب به الإسرائيليين.
- الهدف "غير المعلن" الثالث:
ويتمثل في الدفع باتجاه تعميق حركة الفرز والاستقطاب السياسي، بما يؤدي إلى تعزيز قوة المعتدلين العرب، وإعطاءهم زخماً جديداً، يتيح توظيفهم في القيام بعمليات مختلفة بالوكالة عن إسرائيل، وذلك ضمن المسارات الآتية:
• المسار السياسي: ممارسة الضغوط على سوريا والفلسطينيين. وعزل إيران.
• المسار الاستخباري: الانخراط في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، ولكن بما يتيح المزايا لإسرائيل، وبكلمات أخرى، تقديم المعلومات الاستخبارية وتنفيذ العمليات السرية التي تطلبها أمريكا.. والتي في الوقت نفسه تم تحديدها سلفاً ومسبقاً بواسطة إسرائيل.
• المسار الاقتصادي: الانخراط في مشروع العقوبات والضغوط الاقتصادية الأمريكية ضد سوريا وإيران وحلفاءهما في المنطقة، وفي الوقت نفسه التقييد تماماً بمبدأ عدم تقديم أي معونات اقتصادية إلا بعد الحصول على الموافقة المسبقة بذلك من الإدارة الأمريكية.
وحالياً يمكن القول بأن جولة الرئيس بوش الأخيرة للمنطقة، تندرج ضمن أجندة أنابوليس، أو بالأحرى ضمن مراحل خارطة طريق أنابوليس التي وضعتها "الأيادي الخفية" التابعة لمعهد واشنطن، ومعهد المسعى الأمريكي، ومعهد هيدسن، ومعهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية المتطورة.. وهدف الزيارة، هو إعطاء الزخم لأجندة أنابوليس، ومحاولة الإسراع بقدر الإمكان في استعجال تنفيذ واستكمال مفاصل عملية الإفشال المبرمجة.. خاصة أن الإسرائيليين قد نجحوا في القيام ببعض الإجراءات الإستباقية التي هدفت إلى إغلاق المنافذ التي يمكن أن تؤدي إلى إنجاح المؤتمر.
تحاول إدارة بوش وإسرائيل خلق الانطباع العام بأن محطة السلام مع سوريا، هي الأخيرة، ويتوجب التوصل إلى حل الخلاف مع الفلسطينيين.. ثم بعد ذلك الالتفات إلى ملف السلام مع سوريا، ولكن ما لم يخطر على بال أحد منهم، أن سوريا هي المحطة الأولى.. وهي المرحلة الأولى الهامة التي لن يؤدي تجاوزها إلى خلق أي سلام داخل أو خارج إسرائيل، فالسلام وخرائط طرق السلام أياً كانت فهي تمر جميعها عبر الـ(مقسم) الموجود في دمشق فقط وليس غيرها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد