حتمية استمرار العداء بين إيران و أميركا
الجمل ـ * غاريث بورتير ـ ترجمة رنده القاسم:
مع بدء المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة و إيران ، انهمك المسؤولون السعوديون و الإسرائيليون في كتابات علنية حول إيمانهم بأن اتفاقية نووية كهذه تمثل تحولا استراتيجيا أساسيا في سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة على حساب تحالفاتها التقليدية مع إسرائيل و السعودية.
غير أن إدارة أوباما لا تملك نزعة نحو علاقات جديدة مع إيران أكثر مما كانت تملك الإدارات الأميركية السابقة. و السبب ببساطة هو أن إدارة الأمن القومي الأميركي ، و التي تملك سلطة منع أي مبادرة كهذه، تملك مصالح طويلة الأمد في استمرار سياسة التعامل مع إيران كعدو.
قام البعض في المعسكر الإسرائيلي بنسج نظريات محكمة حول مفاوضات إدارة أوباما مع إيران و ما تمثله من رؤية إستراتيجية للشراكة مع النظام الإيراني.
و بشكل مطابق تماما قام المسؤول السابق في إدارة بوش مايكل دوران في شباط بعرض رؤية مفادها أن الرئيس باراك أوباما بنى سياسته في الوصول إلى طهران على أساس أن طهران و واشنطن "حلفاء طبيعيون".
رد السعودية على المفاوضات كان أكثر تطرفا. فالأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، و الذي يتحدث في العلن بصراحة أكثر مما تفعل الشخصيات السعودية الأخرى، قال للحاضرين في Chatham House في لندن الشهر الماضي: "الأميركيون و الإيرانيون يتبادلون الغزل ، و الآن يبدو أن كل منهما تواق لتجاوز الغزل و الوصول إلى اكتمال العلاقة". و وراء هذه الاستعارة الجنسية يكمن خوف السعوديين من صفقة كبيرة تتخلى إيران بموجبها عن الأسلحة النووية مقابل إقرار الهيمنة الإيرانية على العراق و سورية و لبنان و الخليج.
غير أن الخيال السعودي و الإسرائيلي انحرف عن واقع سياسة إدارة أوباما الفعلية تجاه إيران. و بعيدا عن تغيير استراتيجي جوهري كما حدث أيام نيكسون، الأمر الذي يفترضه معسكر نيتينياهو و السعوديون، فان علاقات إدارة أوباما الدبلوماسية مع إيران حول برنامجها النووي تمثل ذروة سلسلة من تعديلات سياسية مرتجلة ضمن إطار الدبلوماسية القسرية تجاه إيران.
و رغم اعتناق أوباما لفكرة العلاقات الدبلوماسية مع إيران خلال حملته الانتخابية عام 2008، إلا أن سياسة أوباما الواقعية تجاه إيران ،مع دخوله البيت الأبيض، كانت مختلفة تماما. ففي الحقيقة، كان هدف أوباما خلال ولايته الأولى حث إيران على قبول إنهاء برنامجها .
و رغم أن أوباما في رسالته إلى القائد الأعلى علي خامئني كان عام 2009 كان يعرض "محادثات غير مشروطة" مع إيران، فانه كان يدفع نحو إستراتيجية ذات ضغوط مضاعفة على إيران للموافقة على ما تطلبه الولايات المتحدة.
إستراتيجية أوباما ذات الدبلوماسية الإكراهية كانت تتضمن خططا من أجل عقوبات اقتصادية أكثر اقتحامية و قسوة، و يوجد برنامج NSA سري لهجمات عبر الفضاء الافتراضي ضد وسائل التخصيب في Natanz و استغلال سياسي/دبلوماسي للتهديد بهجوم على معدات إيران النووية من قبل حكومة نيتينياهو في إسرائيل.
لم يبذل أوباما جهودا حقيقية للتفاوض مع إيران حتى عام 2012 ، عندما رأى أن العقوبات الجديدة التي كانت على وشك الدخول حيز التنفيذ ستجبر إيران على الموافقة على تعليق التخصيب لأجل غير مسمى. و تنازل عن هذا المطلب عام 2013 فقط لأن إيران زادت عدد النابذات في العملية من 4000 إلى 10000 و بدأت التخصيب إلى 20 بالمائة.
و علاوة على ذلك منذ بدء المفاوضات مع إيران، قام مسؤولون رفيعو المستوى في الإدارة الأميركية بإعادة التأكيد على سياسة معاملة إيران كدولة راعية للإرهاب و مثيرة للمشاكل و عامل زعزعة استقرار في الشرق الأوسط.
في مقابلة مع الراديو العام الوطني في السابع من نيسان قال الرئيس أوباما: " أقول بقوة أن خلافاتنا مع إيران لم تتغير حتى و لو تأكدنا من عدم امتلاكها لسلاح نووي، فهم لا يزالون يمولون حزب الله، و يدعمون الأسد ، و يرسلون جيوشا إلى الحوثيين في اليمن تعمل على زعزعة استقرار البلد".
و على المستوى الأعمق، يكمن العامل الأهم في تحديد سياسة الولايات المتحدة نحو إيران في الانتخابات المحلية و السياسات البيروقراطية، لا في رؤية أوباما الشخصية الجيوسياسية للشرق الأوسط. و من الواضح أن قوة اللوبي الإسرائيلي ستحد بصرامة من مرونة السياسة نحو إيران لسنوات كثيرة. و مصالح المؤسسات الأكثر نفوذا في إدارة الأمن القومي الأميركي لا تزال مرتبطة باستمرار سياسة معاملة إيران كعدو أول للولايات المتحدة.
منذ عام 2002 أنفقت وزارة الدفاع الأميركية حوالي مائة مليار دولار على نظام الدفاع الصاروخي و الذي يذهب مباشرة إلى مقاولي حلفائهم العسكريين. و هذا المنجم الثمين يعتمد بشكل كبير على فكرة أن إيران تنوي تهديد الولايات المتحدة و حلفاءها بالصورايخ الباليستيه.
و لكن يوجد هناك منجم أكبر بالنسبة لصناعة السلاح في الولايات المتحدة. إذ تقوم السعودية و أنظمة خليجية أخرى في الحلف المعادي لإيران بسكب الأموال الكثيرة في خزينة البنتاغون المخصصة لعقود الأسلحة. و في عام 2010 أعلن لأول مرة عن صفقة مع السعودية من أجل طائرات مقاتلة و تقنية دفاع صاروخي و كان من المتوقع أن تستقدم ما بين 100 و 150مليار دولار عبر عقود شراء و خدمة خلال عقدين.و هذا التسونامي من الأموال الخليجية يعتمد على تصنيف إيران كتهديد عسكري لكل المنطقة.
هذه المبيعات مكملة الآن لصحة المقاولين العسكريين الأميركيين الرائدين. فعلى سبيل المثال تعتمد Lockheed الآن على المبيعات الخارجية بمقدار 25-33 بالمائة من عائداتها،وفقا لما أورده مقال في Times.
إذن، مخاوف السعوديين و الإسرائيليين من تغير تحالفات أوباما لا تعكس الحقائق السياسية الأميركية المحلية الأساسية، و التي لا يبدو أنها ستتغير في المستقبل المنظور.
*باحث تاريخي و صحفي متخصص في سياسة الأمن القومي الأميركي . و مؤلف لخمسة كتب آخرها تحت عنوان : " الأزمة المصنعة: القصة غير المروية عن الذعر النووي الإيراني"
عن موقع Global Research
الجمل
إضافة تعليق جديد