حرب غزة في منظور الحركات الإسلامية
الجمل: أعلنت حركة طالبان الباكستانية عن تهديدها بإرسال المزيد من عناصرها الانتحارية لتنفيذ العمليات ضد الأهداف والمصالح الإسرائيلية ليس في شبه القارة الهندية فقط وإنما كذلك في سائر أنحاء العالم، للقصاص من الإسرائيليين بسبب جرائمهم ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.
* ماذا تقول آخر المعلومات الاستخبارية؟
عبّر الملا بيت الله محسود زعيم حركة طالبان الباكستانية عن غضبه الشديد إزاء قيام الإسرائيليين بعدوانهم الوحشي على قطاع غزة، وتوعّد باستهداف الإسرائيليين والمصالح الإسرائيلية في العالم، وأكد أن القصاص من الإسرائيليين هو حق مشروع وأنه سيلقنهم درساً تاريخياً حيث سيقوم الانتحاريون التابعون له "بشن هجمات القصاص بعون الله ضد إسرائيل في سائر أنحاء العالم".
تحدث الملا حكيم الله محسود الذي يعتبر اليد اليمنى لزعيم طالبان الباكستانية قائلاً ما معناه أن الحركة سبق أن أعدت قائمة اغتيالات مستهدفة لعدد من زعماء حزب عوامي الباكستاني وستنفذ عناصر الحركة العمليات الانتحارية وفق جدول الاغتيالات المستهدفة لعناصر حزب عوامي للقصاص من الحكومة الباكستانية وأمريكا طالما أن حزب عوامي هو حليف واشنطن – إسلام آباد في منطقة القبائل الباكستانية، وبعد ذلك ستعد الحركة جدول أعمال الضربات الممكن توجيهها إلى الأهداف الإسرائيلية. وتجدر الإشارة إلى أن الملا حكيم يتولى حالياً منصب القائد العسكري الإقليمي المسؤول عن عمليات الحركة في منطقة خيبر وكورام وأوركزاي وغيرها. وبمتابعة التقارير والمعلومات يتضح لنا أنه هو الذي أشرف على ضرب خطوط إمداد قوات الناتو والقوات الأمريكية في باكستان وتحديداً الهجمات القوية التي أدت إلى إغلاق ممر خيبر الاستراتيجي الذي يربط أفغانستان بباكستان.
* منظور توحيد مسرح العنف السياسي: العنف والعنف المضاد:
تشير معطيات علم الجغرافيا الإقليمية إلى أن منطقة الشرق الأوسط تختلف عن منطقة شبه القارة الهندية وبرغم أن هذه المعطيات تمثل حقيقة صحيحة وسارية على أساس اعتبارات الاختلافات العرقية واللغوية والسياسية بين المنطقتين، إلا أن منطق العنف والعنف المضاد الذي تزايدت فعالياته بسبب تداعيات الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب، إضافة إلى التماثلات الدينية بين شعوب الشرق الأوسط والقارة الهندية أصبحت تعمل باتجاه توحيد مسرحي العنف في الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية في مسرح واحد لجهة الآتي:
• أن العدو واحد ويتمثل في محور تل أبيب – واشنطن.
• أن المشاعر الرمزية السائدة في أوساط هذه الشعوب هي واحدة لجهة أنها تتعلق بإنهاء الاحتلال وتحرير المقدسات.
إضافة لذلك، فإن منظور توحيد المسرح بدأ خلال فترة الحرب الأفغانية السوفيتية التي سعت أمريكا وحلفائها إلى جعلها حرباً إسلامية – شيوعية، وقد نجحت في ذلك بدعم حلفائها في السعودية والخليج العربي وتأييد زعماء الحركات الأصولية الإسلامية المنتشرة في البلدان العربية والإسلامية الذين لم يترددوا في التسويق السياسي والنفسي لأسلمة الحرب الأفغانية – السوفيتية وإصدار الفتاوى التي تلزم المسلمين بالجهاد كـ"فرض عين" واجب على كل مسلم لنصرة المسلمين الأفغان.
لكن، بعد خروج القوات السوفيتية من أفغانستان وانهيار الاتحاد السوفيتي رفعت أمريكا يدها عن الجماعات الجهادية الإسلامية التي حشدتها في أفغانستان. واستدارت هذه الجماعات لمواجهة إسرائيل بسبب الانتهاكات الإسرائيلية وجرائم تل أبيب ضد الشعوب العربية والإسلامية ومقدساتها، وبسبب وقوف واشنطن المطلق بجانب تل أبيب فقد أصبحت أمريكا هدفاً أيضاً لبنادق هذه الجماعات.
كان واضحاً أن الروابط التي نشأت بين العناصر الأصولية الإسلامية والعربية مع العناصر الأصولية الأفغانية والباكستانية ستستمر بما أدى لاحقاً إلى اتساع نطاق التعاون بين هذه الجماعات وقياداتها:
• العناصر الجهادية التي قاتلت في أفغانستان ينتمي جزء كبير منها إلى البلدان العربية والإسلامية.
• العناصر الجهادية التي تقاتل حالياً في العراق سبق أن قاتل جزء كبير منها في أفغانستان.
الآن، وبكل تأكيد، فإن حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينيتين ستجدان كل الدعم والسند والمؤازرة بواسطة الحركات الإسلامية الأفغانية والباكستانية والهندية، لسبب بسيط لا يتمثل في مجرد العلاقات والروابط السابقة وإنما لقناعة هذه الحركات القائمة على المذهبية الإسلامية التي تؤكد بشدة على قاعدة "إنما المسلمون أخوة".
تشير الإحصائيات والمعلومات إلى أن توحيد المسرح بما يجمع بين منطقة شبه القارة الهندية ومنطقة الشرق الأوسط سيترتب عليه تجميع الحركات الأصولية ضمن واحد من أخطر الأحلاف العالمية وحالياً تشير أرقام الإحصائيات الصادرة اليوم إلى وجود الآتي:
• في الهند: توجد 148 حركة أصولية مسلحة (إسلامية – هندوسية – شيوعية ماوية).
• في باكستان: توجد 45 حركة أصولية إسلامية مسلحة.
• في أفغانستان: توجد 5 حركات أصولية إسلامية مسلحة.
إضافة لهذه الحركات توجد حركات وفصائل أصولية مسلحة في سيرلانكا وبوتان ونيبال وجزر المالديف، إضافة لذلك، فهناك حركات إسلامية أصولية مسلحة في دول آسيا الوسطى، وتقول المعلومات أن عددها حوالي الـ 90 حركة. ومن المعروف أن الحركات الأصولية الإسلامية الناشطة في شبه القارة الهندية شديدة الارتباط ببعضها البعض لعدة أسباب:
• الروابط الشخصية التي تجمع زعماءها الذين سبق أن حاربوا صفاً واحداً ضد القوات السوفيتية في المسرح الأفغاني.
• ارتباط جميع زعماء وقادة هذه الحركات بأسامة بن لادن إضافة إلى أن معظمهم تلقوا تدريبات بواسطة تنظيم القاعدة.
• معظم هذه التنظيمات يعمل كفرع محلي لتنظيم القاعدة.
إضافة لذلك، تقول التحليلات والتخمينات بأن مسرح شبه القارة الهندية قد بدأ يشهد المزيد من التطورات غير المسبوقة والتي يتمثل أبرزها في الآتي:
• ظهور بعض الروابط غير المتوقعة مثل قيام بعض الحركات الأصولية الإسلامية بالتحالف مع المليشيات الماوية في الحرب ضد الوجود الأمريكي في المنطقة، إضافة إلى ظهور بعض التحالفات الأخرى التي جمعت بين بعض الجماعات الأصولية الإسلامية السنية والجماعات الأصولية الهندوسية والبوذية في المواجهات الدائرة ضد قوات الأمن الهندية.
• نجاح الحركات الأصولية الباكستانية باختراق جهاز المخابرات الباكستانية والهندية، وقد أكدت المصادر الأمريكية ذلك بما أدى إلى دفع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي إلى التعامل مع المخابرات الباكستانية والهندية ضمن حدود معينة.
• تزايد ضعف الحكومات الهندية والباكستانية والأفغانية الذي أدى إلى تزايد تبعيتها للولايات المتحدة وهو ما أدى بدوره إلى زيادة سخط الجماعات الأصولية.
آخر إحصائيات عدد الحركات الأصولية البالغ عددها 233 حركة، لا يمثل سوى ما هو معروف وظاهر على السطح ولكن ما هو معروف يمكن أن يكون أكبر بكثير خاصة إذا علمنا أن عدد سكان الهند 1.1 مليار نسمة منهم 350 مليون مسلم سني وهو يفوق عدد سكان البلاد العربية (300 مليون)، بالإضافة إلى 90 مليون مسلم وهو عدد سكان باكستان، و50 مليوناً لأفغانستان.
العدوان الإسرائيلي المتزايد ضد الشعوب العربية والمقدسات الإسلامية إضافة إلى إصرار الولايات المتحدة على فرض سياساتها وتوجهاتها على المنطقة العربية وممارسة المزيد من التحيز إلى جانب إسرائيل هي جميعاً ستلعب دور "قوى الجذب المركزي" التي ستؤدي إلى استقطابات واسعة وتجميع كبير للحركات الأصولية ضمن كيان عنفي سياسي جامع، وستكون الولايات المتحدة ضحيته الأولى، وذلك لأن كل المعلومات تؤكد أن إسرائيل ليس لها مصالح في المنطقة مقارنة بالمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وشبه القارة الهندية حيث هي من الضخامة بما لا يمكن وصفه وبالتالي فإن رهان أمريكا على تقديم الدعم المفتوح لإسرائيل سيترتب عليه الرهان الأصولي الإسلامي المقابل الذي يفيد لجهة سعي الحركات الأصولية لتوحيد المسرح وحرق الأخضر واليابس.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد