حكم خشبي ومنفصل عن الواقع
الجمل- بشار بشير: أنا هنا لا أتوجه بالنصح و لا اذكِّر فالذي أتوجه له أثبت رجاحة عقل وبعد نظر و صحة رؤية ما يعفيني وغيري من الخوض في النصح والتذكير . لنسمي الوارد هنا رأي او إعلان لما يعتمل في صدري ولعله في صدور غيري أيضاً .
لن نلبث ( نحن في سورية ) أن نجد هذه الحرب قد أصبحت ورائنا مخلفة لنا أزمة يجب أن نعمل كثيراً للعبور منها على نحو يرضينا , من أبرز عناوين هذه الأزمة الإنتقال للعمل بمفاهيم وقوانين جديدة على سورية أغلب هذه المفاهيم و القوانين هي إنتاجات دولية مثل تعدد الأحزاب و حرية الرأي والإعلام و حق التظاهر و إلغاء محاكم أمن الدولة وغيرها , وأعني بإنتاجات دولية أنها جرت صياغتها على يد دول أخرى هي ما ندعوها الدول العظمى أو الدول الغربية وأرتضتها هذه الدول لنفسها ثم خلقت الظروف لكي تعممها على جميع دول العالم سواء أكانت هذه القوانين والمفاهيم تناسبها أم لا.
وهي سعت لتعميمها ليس حباً بالشعوب وبحرية الشعوب وبإزدهار الشعوب وإنما سعت لذلك ( وهذا لم يعد خافياً على أحد ) لأن هذه القوانين والمفاهيم الجيدة والبريئة ظاهرياً هي أحصنة طروادة أو فيروسات تزرعها تلك الدول فينا, والأمثلة على ما أقوله أكثر من أن تحصى فالدول التي امتثلت وتبنت هذه القوانين والمفاهيم أصبحت طوع بنان الدول العظمى دون أن تجني من الفوائد والأرباح ما يوازي ما خسرته من حرية قرارها و أستقلالية رأيها . أما الدول التي لم تمتثل فقد أحيطت بالمشاكل التي وصلت إلى حد الحروب لكي تخضع وتدخل "جنة " الدول العظمى مثلما حصل لإيران وسورية وكوبا وغيرهم. والغريب ( الذي لم يعد غريباً في الحقيقة ) أن حرص الدول العظمى على شعوب تلك البلدان وغيرتهم على هذه الشعوب ورغبتهم في إدخالها إلى "جنة" الحرية والديموقراطية الغربية قوية لدرجة أنهم مستعدين لقتل هذه الشعوب بالنار أوحتى جوعاً لإقناعهم أو لدفعهم لدخول "جنة " الغرب. وهكذا وجدنا وسنجد أنفسنا في سورية مضطرين حقناً لدمائنا أن نأخذ ببعض أو بكل هذه المفاهيم والقوانين وهي في الحقيقة ككل القوانين البشرية تسعى للعدل والحرية وإحقاق الحق و حفظ الحقوق نظرياً لكن المشكلة في التطبيق العملي وخاصة أن هذه القوانين والمفاهيم قد وضعت لتسمح بالكثير من العبث بالأفكار وبالأشخاص وبالمجتمعات أنا أعني هنا العبث الخارجي الذي لا تعنيه المصالح الوطنية وإنما تعنيه مصالحه التي تتناقض دائماً مع المصالح الوطنية .
و سرعان ما سنجد بناءً لتلك القوانين والمفاهيم في سورية اشخاصاً وأحزاباً و جهات ترى اولوياتها في أمور تناقض ما عشنا عمرنا لأجله وتناقض أولوياتنا الملحة وطنياً و مصيرياً. وبناءً على مانراه من المعارضات التي بدأت تتشكل الآن والتي ستغير جلدها في نهاية الحرب لكي تنسجم مع القوانين التي وضعت أو التي ستوضع ( في مجال الحريات والأحزاب والإعلام وماشابه ) دون أن تغير من أفكارها, سنصبح مجبرين بقوة القانون أن نقبل مثلاً رأي من يقول أن الأولوية الآن لرفع قيمة التبادل التجاري مع الدولة الصديقة أميركا ولو على حساب ميزانية الجيش , أو لعل البعض يكون أكثر مباشرة واكثر تمسكاً بحرية رأيه التي يكفلها القانون ويعتبر أن فؤاد السنيورة مثله الأعلى ويصر على تقبيل وعلى إقامة الولائم لوزيرة خارجية أميركا مباشرة بعد إعطائها الضوء الأخضر لإسرائيل بقصف الجيش السوري , فالحرية والديموقراطية لاحدود لهما و تضمنان تقديس وجهة نظر أي شخص ايأً كان .... طالما أنه مستزلم لأرباب قوانين الحرية والديموقراطية .
لا يوجد شعب أو بلد (وسورية في المقدمة من هؤلاء) لايقدس الحرية ولا يسعى للتقدم والإزدهار والإستقلال الدائم وجلَّ ما نريده أن نحقق ذلك في سورية بطريقتنا السورية لا عبر قوانين ومفاهيم مستوردة شاهدنا نتائجها أكثر من مرة عبر العديد من التجارب التي جرى بعضها في بيئات تشبهنا . وهكذا شاهدنا الخيانة تصبح وجهة نظر والشغب والقتل يصبح ثورة مجيدة و تعطيل المصالح يصبح صوناً لحقوق الأقليات وكل ذلك بحماية الدول الغربية حتى لو أقتضى ذلك قتل المخالفين لقوانينها وبحماية أجهزة إعلام الغرب حتى لو أقتضى ذلك تكفير المخالفين لمفاهيمها .
في سورية نحن نريد حقوقنا لا حقوق أميركا وفرنسا وإنكلترة نريد الحرية لا الإنفلات ونريد شكل الحكم الذي يناسبنا لا يهمنا إن ناسبهم أم لا . قدمنا خلال تاريخنا وخاصة خلال الأشهر السبع والعشرين الذين مضوا الكثير من التضحيات وإحتراماً لهذه التضحيات وإحتراماً لقدرتنا على تقديم المزيد منها يجب أن لا نجنح نحو التسويات السهلة والمخارج السريعة إن كانت لا توافق شكلنا ولا تناسب فكرنا . تحملنا عقودا من الحروب و الحصار والعداوة ومحاولات شيطنتنا دون أن نتنازل عن خمسة أمتار من الأرض ( أصر الرئيس حافظ الأسد أن يعود لصيد الأسماك في طبريا كما كان يفعل قبل إحتلالها دون أن يتنازل عن خمسة أمتار على شاطئها ) ونحن الآن أكثر قدرة على الإحتمال مقابل عدم التنازل عن مبادئنا وعن شكل مجتمعنا وطريقة حياتنا, هذه ليست دعوة لكي نبقى متقوقعين أو لكي نرفض الحرية أو نبتعد عن الديموقراطية , هذه تذكرة أن كل هذه المفاهيم لا تصلح لنا إن لم تكن صناعة محلية , هذا تنبيه لكي لا يجعلنا ألم هذه الحرب قابلين لأي حل يخلصنا مما نمر به مهما كان شكله.
إحتراماً لكل ما مرت به سورية وإحتراماً لحياتنا ولحياة أولادنا من بعدنا يجب أن نصوغ حلولنا وقوانيننا بأيدينا وبأكبر قدر ممكن من الشعور الوطني المسؤول ( أنا هنا لا استعير الخطاب البعثي ) بما يؤدي لحمايتنا وحماية وطننا دون أن نؤخذ بالبهرجات أو بالضغوط من أية جهة جاءت. فلنتجاهل أن إصرارنا على حقوقنا جعلنا (حسب رأيهم ) خشبيين أو متخشبين وأن إصرارنا على صوغ قوانيننا بنفسنا وكما يناسبنا جعلنا منفصلين عن الواقع وأن دفاعنا عن نفسنا ووطننا جعلنا متوحشين ( رغم وضوح أننا ندافع مقابل سلالات من القتلة الإسرائليين ومن قبائل اكلة لحوم البشر المعاصرين ) بإختصار سنبقى محل لوم وإتهام وسنبقى تحت الحصار وتحت مرمى النيران مهما فعلنا ولن ترضى عنا أميركا وفرنسا وبريطانيا و"إسرائيل" ولو أتبعنا ملتهم سيظلوا يكرهوننا فقط لأننا سوريين ( والتاريخ أثبت ذلك ) ولن يحتاجوا لأسباب أخرى . لذلك فلنصم أذاننا عن عوائهم فلا شيء سيوقفه و لنلتفت لتحقيق مصالحنا على طريقتنا فهذه هي الوطنية مهما قالوا عنها خشبية ومنفصلة عن الواقع .
إضافة تعليق جديد