حماس وفتح: اتفاق على الشراكة
بعد صراع طويل، لم يخلُ من معارك دموية، توصلت حركتا فتح وحماس إلى اتفاق مبدئي على إقامة شراكة سياسية بينهما لتنظيم الاختلاف وتقاسم الأدوار في الحلبة الفلسطينية. ويشمل الاتفاق، بخطوطه العامة، ليس فقط تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة الدكتور محمد شبير، وإنما كذلك الشروع بحوار وطني لإعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية. ومن المقرر أن يتم في وقت قريب استئناف الحوار الفلسطيني في القاهرة حيث يتم الإعلان في جلسته الأولى عن تشكيل حكومة الوحدة.
وعلمت السفير أن الاجتماعين الأخيرين في غزة، بين رئيس الحكومة السابق أحمد قريع ممثلا لفتح والحالي اسماعيل هنية، إضافة إلى الجهود التي تبذل في الخارج، قادت إلى اتفاق مبدئي يقضي بإقرار ما يسمى المحددات السياسية التي تقوم أولا وقبل كل شيء على مبدأ الشراكة في كل شيء. والمقصود هنا الشراكة في السلطة ومنظمة التحرير على حد سواء.
وتستند الشراكة في السلطة الى قاعدة تشكيل الحكومة على أساس برنامج سياسي تشكل وثيقة الوفاق الوطني مرجعيته الأساسية. ويضاف إلى ذلك الاستناد في خطوطها العامة إلى رسالة التكليف التي تشترط سلفا قبولها من جانب رئيس الحكومة المرشح. وعلمت السفير أنه لا تزال هناك العديد من الخلافات بين فتح وحماس حول نصوص رسالة التكليف التي سيوجهها الرئيس محمود عباس للرئيس المرشح.
ولا تتوقف الشراكة عند تقاسم المناصب الوزارية، بل تتعداها إلى تقاسم مناصب كانت تعتبر حتى الآن من صلاحيات الرئيس الفلسطيني وبينها مناصب المحافظين الذين يتولون رسميا الإشراف على محافظات الوطن. وهناك نقاشات متواصلة حول الأجهزة الأمنية وخصوصا تشريع ما بات يعرف بالقوة التنفيذية وتحديد دورها.
ودخلت الاتصالات بين حماس وفتح مرحلة الحديث عن الحصص الوزارية. وتختلف الآراء في هذا الشأن، بين مصادر السفير، حول ما تطالب به حماس. ففي حين تقول بعض المصادر إن حماس طالبت ب12 وزيرا، يشكلون نصف أعضاء مجلس الوزراء على أن يكون لفتح ستة، قالت مصادر أخرى إن حماس تطالب بثمانية وزراء في مقابل خمسة لفتح وواحد لكل فصيل آخر. وبالإجمال فإن موضوع الوزراء لا يزال في طور النقاش الأولي. غير أن حماس أبدت رغبتها في الحصول على أربع وزارات خدماتية هي الصحة، التربية والتعليم، الأوقاف والداخلية.
ويبدو أنه لا يزال هناك خلاف في المبدأ حول طبيعة الأشخاص الذين سيتولون المناصب الوزارية. ففي الوقت الذي يوحي فيه عباس بأن التفاهم يقضي بعدم توزير شخصيات قيادية فاقعة في الفصائل، بما في ذلك حماس، سمعت جهات فلسطينية من رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل أن التفاهم كان فقط على شخص رئيس الوزراء، وأن وزراء حكومة الوحدة سوف يكونون من الفصائل ومن شخصيات وطنية تتسم بالنزاهة.
أما الشراكة في المنظمة، فإنها تتمثل في إعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني بعد الشروع قريبا في حوار وطني على أعلى مستوى يعقد في القاهرة. وتقضي الشراكة بأن يتم تمثيل المنظمات الجديدة، حماس والجهاد الإسلامي (وهناك من يعتبر أن المبادرة الوطنية برئاسة الدكتور مصطفى البرغوثي منظمة جديدة) في المجلس الوطني الفلسطيني الجديد.
وطالبت حماس بعقد المجلس الوطني الجديد في كانون الثاني المقبل، في حين أبدى عباس استعداده لعقد هذا المجلس في شباط. ويدل هذا الحديث على أن جلسات الحوار الوطني في مقر الجامعة العربية في القاهرة، بحضور مندوبين عرب وأوروبيين، ستعقد في وقت قريب.
ولا تكتفي الشراكة في المنظمة بالتمثيل في المجلس الوطني ومتفرعاته، وإنما تمتد إلى الأجهزة التنفيذية للمنظمة وخصوصا في دائرتي الشؤون الخارجية والشؤون العسكرية، حيث تريد حماس لها ولحلفائها تمثيلا في السلك الدبلوماسي وفي القيادة العسكرية.
وتظهر المعلومات المتوفرة لالسفير أن ممثلي حماس وفتح الذين أجروا الحوارات مؤخرا، عمدوا إلى تحديد مبادئ عامة للتحرك المقبل في الساحة الفلسطينية، بينها: الشراكة في كل شيء، السعي لإشاعة الهدوء واستعادة الاستقرار السياسي، اعتبار وثيقة الوفاق الوطني مرجعية لحل الخلافات في الموقف السياسي، وضمان الاستقرار الأمني. كذلك تم التوافق على إبعاد الفئوية والجهوية والحزبية عن مبادئ التوظيف في الخدمة العامة.
وأشارت مصادر فلسطينية على اتصال بحماس، إلى أن الصيغة التي عادت الحركة وقبلت بها ليست ما كانت تتمناه ولكنها الصيغة المثلى في الواقع القائم. واعترفت هذه المصادر بأن جانبا من التراجع في موقف حماس نبع من ازدياد تدهور الوضع الفلسطيني العام، ما كان يهدد بالوصول إلى وضع أسوأ.
وقالت هذه المصادر إن حماس سعت أيضا، من خلال مفاوضاتها مع فتح، الى تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب العملية على صعيد الوظائف والمكانة العامة. وأشارت إلى أن هنية ظل يشدد طوال الاتصالات على أن حماس تريد ضمانات بأن ما تتنازل عنه سوف يقود إلى إنهاء الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني.
وعلمت السفير أن عباس قال، تحت إلحاح هنية، إنه اتصل بمساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ولش وطلب رأيه في الخطوات الفلسطينية الجارية. وأشار عباس، وفق مصادر فلسطينية، إلى أنه فهم من ولش أن الاتفاق المبدئي الفلسطيني حول حكومة الوحدة الوطنية يمكن أن يكون مقبولا.
وأشارت مصادر في الرئاسة الفلسطينية إلى أن أحد جوانب القبول الأميركي برئيس الحكومة المقترح محمد شبير، يتجلي في كثرة الأسئلة التي باتوا يطرحونها عنه والتي تشير إلى اهتمام بترشيحه. غير أن هنية طلب من عباس موقفا أميركيا مكتوبا. وشدد عباس على أن الأوروبيين متشجعون للخطوات الفلسطينية، إضافة إلى أن الدول العربية تبارك كل اتفاق فلسطيني.
تجدر الإشارة إلى أن قطر كانت قد عرضت استضافة الحوار الوطني الفلسطيني والإعلان من الدوحة عن تشكيل الحكومة الفلسطينية. غير أن بعض الجهات الفلسطينية، برغم شكرها للدور القطري، رفضت الفكرة خشية إثارة كل من السعودية ومصر.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد