حملة الذرائع النووية ضد سورية وتداعياتها على النظام النووي العالمي
الجمل: يتكون النظام الدولي من كيانات وقواعد بحيث تمثل الكيانات الوحدات الموكلة للنظام الدولي وتمثل القواعد القيم والمعايير التي تضبط العلاقات والقيم بذاتها وفقاً لها حركة المعاملات الدولية، وتأسيساً على ذلك يبرز –على خلفية حملة بناء الذرائع الزاعمة بوجود برنامج نووي سوري- السؤال الرئيسي الآتي: هل من الممكن إعداد نظام نووي عالمي يكون عادلاً بالقدر الذي يضبط الحقوق والواجبات بما لا يهدد الأمن والسلام العالمي؟
* ملامح النظام النووي العالمي الحالي:
أسفرت جهود المجتمع الدولي خلال الفترة الممتدة من انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945م وحتى الآن في التوصل إلى توافق حول ضرورة حماية الأمن والسلم الدوليين، وتقدمت الجهود باتجاه حظر انتشار الأسلحة النووية المهددة بالدمار الشامل للعالم، وضمن هذا السياق جاءت المقدمات الآتية:
• التوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية كأساس قيمي لمنع انتشار التسلح النووي.
• إنشاء الوكالة الدولية للطاقة الذرية للقيام بدور المراقب الحارس لتطبيق بنود اتفاقية حظر الانتشار.
خلال فترة الحرب الباردة ظل النظام النووي العالمي يعمل على أساس الخضوع لاعتبارات القيم المؤسسية، التي ركزت على جهد وكالة الطاقة الذرية ومجلس الأمن الدولي الذي كان متوازناً خلال فترة نظام القطبية الثنائية، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الاشتراكية انهارت معادلة توازن القوى العالمي بما أدى إلى صعود الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى تمارس النفوذ على النظام الدولي، وفق ما يمكن أن نطلق عليه تسمية "نظام القطبية الواحدة".
لم تتصرف الولايات المتحدة بعدالة وتمادت في استخدام أسلوب تطبيق المعايير المزدوجة بما يؤدي إل تعظيم فرص أمريكا وحلفائها بأكبر ما يمكن ويقلل من مخاطر هذه الأطراف إلى أقل ما يمكن، هي معادلة كان من نتائجها أن قلّت فرص خصوم أمريكا وحلفائها إلى أقل ما يمكن وزادت مخاطر هؤلاء الخصوم إلى أكبر ما يمكن. وكان من تداعيات هذه المعادلة الجديدة الآتي:
• تم غزو واحتلال العراق بناء على معلومات استخبارية مغلوطة كما اعترف الذين قاموا بإعدادها، وقد أثر ذلك سلباً على النظام النووي العالمي وفقاً للآتي:
- إضعاف موقف وكالة الطاقة الذرية التي رفضت مزاعم المعلومات الاستخبارية المغلوطة.
- إضعاف موقف مجلس الأمن الدولي الذي رفض قرار تنفيذ الغزو العسكري.
- إضعاف مصداقية اتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.
• جاءت أزمة البرنامج النووي الإيراني على النحو الذي وضع المجتمع الدولي أمام مغالطة كبرى تتمثل في التضارب التعاكس بين منظور وكالة الطاقة الذرية الدولية الذي يطالب بالتعامل مع إيران على أساس حقها المشروع في استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية – المدنية، ومنظور الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الذي يطالب المجتمع الدولي بالتدخل لمنع إيران من حقا المشروع في استخدام الطاقة النووية.
• برزت الانتهاكات الصريحة لاتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل بواسطة إسرائيل – باكستان – الهند، بسبب تحالف هذه الأطراف مع الولايات المتحدة فقد ساهمت هذه الأخيرة في الدفع باتجاه عدم قيام المجتمع الدولي بالتعرض لهذه البلدان الثلاثة والتعامل مع امتلاكها للقدرات النووية والرؤوس الحربية غير التقليدية على غرار الاعتراف بالأمر الواقع.
• برزت أزمة البرنامج النووي الكوري الشمالي وما ترتب عليها من اتفاق اللجنة السداسية الذي كشفت تداعياته عمق أزمة النظام الدولي العالمي الراهن وعلى وجه الخصوص محاولات محور واشنطن – تل أبيب عقد صفقة مع كوريا الشمالية تحصل بموجبها بيونغ يانغ على المعونات والمساعدات الأمريكية مقابل الإدلاء بمعلومات استخبارية كاذبة تفيد لجهة إمدادها لسوريا وإيران بالمواد النووية.
التطورات المشار إليها حدثت جميعها في فترة انتهاء الحرب الباردة وصعود الولايات المتحدة إلى قمة النظام الدولي وتشير التحليلات إلى أن تداعيات هذه التطورات أدت إلى اختلال معايير النظام النووي العالمي وتقارير وكالة الطاقة الذرية ضمن أغراض استخبارية أخرى تهدف إلى تنفيذ المزيد من المشروعات والأجندة السرية لاستخدام محتوى مضمون قواعد النظام النووي العالمي في استهداف خصوم أمريكا وإسرائيل من جهة وتوفير الغطاء لحفائهما من الجهة الأخرى.
* سوريا وديناميكيات الصراع في النظام النووي العالمي:
استطاعت وكالة الطاقة الذرية الدولية استخدام بنود محتوى اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية لجهة وضع الترتيبات العملية التي تؤمن القيام بضبط التسلح النووي، واستناداً إلى ذلك وضعت الوكالة العديد مما أطلقت عليه تسمية "الأوراق البيضاء" التي تهدف إلى تنظيم وتعميم ترتيبات المعاملات وفقاً لقواعد النظام النووي العالمي المتعارف عليها في اتفاقية حظر انتشار أسلحة الدمار الشامل.
تضمنت الورقة البيضاء الصادرة في شباط 2008م الماضي الترتيبات النووية الآتية:
• توليد الطاقة النووية للأغراض السلمية والمدنية.
• المسائل المتعلقة بالمفاعلات النووية:
- ضوابط السلامة.
- احترازات الأمن.
- التخلص من النفايات النووية.
• بناء المفاعلات الجديدة:
- وضع التصميمات.
- تخمين جدوى التصميمات الجديدة.
• خصائص التوليد النووي الثلاثي:
- تقليل النفايات الإشعاعية.
- احترازات السلامة السلبية.
- التوليد بالحد الأقصى الذي يقلل النفايات إلى الحد الأدنى.
• تطوير الجيل الرابع من المفاعلات النووية:
- مفاعلات التبريد بالغاز الحراري.
- مفاعلات التبريد بالصوديوم.
- مفاعلات التبريد بالغاز سريع الحركة.
إزاء محتوى مضمون الورقة البيضاء التي أصدرتها وكالة الطاقة الذرية الدولية تبرز العديد من التساؤلات، حول مدى قيام سوريا باستخدام حقها المشروع في استخدام الطاقة النووية السلمية للأغراض المدنية؟
لقد أعطت اتفاقية حظر انتشار السلاح النووي الحق الكامل لدول العالم في استخدام الطاقة النووية للأغراض السمية والمدنية وحظرت على كل دول العالم –ما عدا الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن- استخدام الطاقة النووية للأغراض العسكرية. بكلمات أخرى، فإن إشكالية النظام النووي العالمي واضحة وجلية للعيان، إذا قامت سويا بمجرد المطالبة بممارسة حقها المشع في استخدام الطاقة النووية السلمية، وبإشراف وكالة الطاقة الذرية الدولية فإن الإجابة ستكون جاهزة: ممنوع على سوريا مجرد الحديث عن حقها في استخدام الطاقة النووية ناهيك عن المطالبة بالسماح لسوريا باستيراد التكنولوجيا النووية والمواد النووية، حتى إن كان ذلك بإشراف وكالة الطاقة الذرية الدولية المفتشين الدوليين الذين أشرف على تعيينهم في الوكالة جون بولتون السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة والمسؤول السابق عن شؤون ضبط التسلح بالخارجية الأمريكية.
حتى الآن، لم تجد حملة بناء المزاعم والذرائع ضد سوريا حقها من البحث والدراسة وعلى وجه الخصوص لأنها ستقود إلى المزيد من التداعيات الهيكلية – البنائية، والوظيفية – السلوكية، في النظام النووي العالمي، هذا ويمكن استخلاص أبرز النتائج المتوقعة على النحو الآتي:
• سيترتب على هذه الأزمة نشوء التطابق الكلي بين نظام الأمن الدولي ونظام الأمن النووي الدولي ونظام الأمن العسكري الدولي نظام نقل التكنولوجيا الدولي.
• سيترتب على هذه الأزمة نشوء الصراع بين مرجعية وكالة الطاقة الذرية العالمية كمصدر للمعلومات المتعلقة بالأنشطة النووية السلمية أو المحظورة ومرجعية وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ووكالة الأمن القومي الأمريكي والموساد الإسرائيلي كمصدر للمعلومات.
• سيترتب على هذه الأزمة أزمة داخل مجلس الأمن الدولي حول أيهما يمكن تصديقه تقارير وكالة الطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة، أم تقارير أجهزة المخابرات التابعة للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي؟
• سيترتب على هذه الأزمة المزيد من السلوكيات التي تهدد مبدأ توازن الحقوق الدولية المنصوص عليه في القانون الدولي وبكلمات أخرى ستظهر أمريكا ضمن سلوكيات تهدف إلى تحريم ما منحه القانون الدولي لسوريا وهو أمر يؤدي إلى تقويض مرجعية الشرعية الدولية بأكملها، طالما أن المرجعية أصبحت واشنطن وليس بنود القانون الدولي.
إن متابعة التطورات الجارية والماضية في ملف البرنامج النووي السوري المزعوم بدءاً من مقال جون بولتون الذي لمح فيه إلى حق إسرائيل في القيام بعمل عسكري استباقي ضد البرنامج النووي السوري –المقال نشرته صحيفة وول ستريت جورنال قبل حدوث الغارة بأكثر من عشرة أيام- الذي استبق فيه بولتون غارة الطائرات الإسرائيلية ومروراً بوقائع الغارة وتداعياتها والخلافات التي دارت في البيت الأبيض بين جناح تشيني المطالب بضرورة قيام البيت الأبيض باعتماد المعلومات الإسرائيلية ضد سوريا في مواجهة الجناح المطالب باعتماد المعلومات الاستخبارية الأمريكية وصولاً إلى التضاربات والتعاكسات المتزايدة في مضمون تصريحات خبراء وكالة الطاقة الذرية، والتسريبات الدبلوماسية التي تعمدت تهيئة المسرح لاستهداف سوريا، تشير جميعها إلى أن النظام النووي العالمي سيصبح في مواجهة أزمة حقيقية إن حاول محور واشنطن – تل أبيب استخدام ملف البرنامج النووي ضد دمشق، هذا ومن أبرز التداعيات التي ستترتب على أزمة النظام النووي العالمي ما يتمثل في احتمالات لجوء بلدان العالم الثالث إلى المطالبة بإرساء نظام نووي عادل يكفل الحقوق النووية السلمية – المدنية وعلى هذه الخلفية مثل هذه المطالبة يكون من الصعب جداً إن لم يكن من المستحيل على واشنطن القيام بدور الشرطي النووي العالمي في ظل تمرد موسكو وبكين على الهيمنة الأمريكية وهو تمرد ربما تلحق به باريس وعندها سيجد محور واشنطن – تل أبيب نفسه مكتوف الأيدي عن القيام بهذا الدور الذي حاولت إسرائيل القيام به ضد سوريا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد