حميرة: الآراء الواردة في المسلسل لا تعبر عن رأي التلفزيون السوري

26-09-2007

حميرة: الآراء الواردة في المسلسل لا تعبر عن رأي التلفزيون السوري

بعدما خرج الكاتب والصحافي السوري فؤاد حميرة سالماً من معركته مع التلفزيون السوري، السنة الماضية، حول مسلسل «غزلان في غابة الذئاب»، إذ اتهم، آنذاك، بـ «الخيانة الوطنية» لما «اقترفت يداه من ذنوب» بحق بعض المسؤولين المتنفذين، عاد هذه السنة ليخوض معركة أخرى بعد أن رفضت لجنة الرقابة في التلفزة السورية عرض عمليه الجديدين «الحصرم الشامي» الذي أخرجه سيف الدين سبيعي، و «ممرات ضيقة» للمخرج محمد الشيخ نجيب، بحجة أن الأول «يسيء إلى تاريخ دمشق»، و «يثير حفيظة المن مسلسل «الحصرم الشامي».دمشقيين»، بينما الثاني «مملوء بالقسوة، ولا يتناسب مع قدسية شهر رمضان».

يتناول «الحصرم الشامي» يوميات مدينة دمشق في أواسط القرن الثامن عشر، ويتكئ سيناريو العمل الذي أنجزه حميرة على كتاب «حوادث دمشق اليومية» لأحمد البديري الحلاق، الذي قام بتدوين ما يراه من حوادث ووقائع، على نحو مبسط، عبر مشاهداته اليومية كحلاق. وقد عاشت دمشق، آنذاك، سنوات مريرة، تمثلت في غلاء الأسعار، وفساد السلطة، وتفشي المجاعة، واضطراب أحوال البلاد، ما دفع أهالي المدينة إلى الاحتجاج والقيام بإضرابات دفاعاً عن حقوقهم وكرامتهم.

أما مسلسل «ممرات ضيقة»، فيخوض، بدوره، في قضايا معاصرة شائكة، ومسكوت عنها، إذ يتحدث عن الظروف القاسية التي تجبر المرأة على ارتكاب المخالفات التي تقودها إلى السجن، وهو يكشف الكثير من الثغرات في القوانين السائدة، المجحفة بحق المرأة، ويدعو، في الآن ذاته، إلى تأمين حياة كريمة للرجل كي يعيش مع أسرته بأمان من دون أن تضطره الظروف المادية إلى السفر للعمل، وترك المرأة عرضة للمضايقات والظروف القاسية والمضنية التي تدفعها إلى الانحراف.

يقول حميرة مدافعاً عن مضامين مسلسليه: «كل جديد يتعرض للمحاربة، وبالتالي حين أكتب سيناريو ذا نفس جديد، فإن ذلك سيجعل لي أعداءً كثراً، فضلاً عن مزاجية الرقيب ومواقفه الشخصية وأمراضه النفسية، وإلا فكيف نفسر اتصال أحد أعضاء لجنة الرقابة، وهو ميلاد مقداد، بالشركة المنتجة لتنبيهها الى أنها تتعامل مع «كاتب مشبوه له صلات بجهات خارجية، علماً أنني لا أعرف، حتى اللحظة، عناوين السفارات الأجنبية في دمشق»، مؤكداً أن «النجاح له أعداء في كل مكان».

لا ينكر حميرة على التلفزيون السوري حقه في رفض أو إجازة عرض أي عمل وفقاً لنهجه السياسي، ولكن «من حقنا، ككتاب سيناريو، أن نطالب التلفزيون بتوخي الحذر والدقة لدى اختيار الرقباء، فلا يمكن رقيباً جاهلاً أن يقوِّم عملاً درامياً في شكل موضوعي، خصوصاً إذا كان هذا العمل يناقش قضايا طارئة على ذهن الرقيب». وبعدما أشاد حميرة بإدارة التلفزة السورية، متمثلة بالكاتبة والصحافية ديانا جبور، أعرب عن اعتقاده بان «قرار المنع صدر من وراء الكواليس»، معفياً بذلك جبور من قرار منع عرض المسلسلين.

وتساءل حميرة باستغراب: «من أية زاوية رأى الرقيب مسلسل «الحصرم الشامي» حتى يخرج برأي يقول إن المسلسل «يسيء إلى سمعة الدمشقيين؟». المسلسل يذهب خلاف ذلك تماماً، وهو بمثابة تحية صادقة لأهل هذه المدينة وتاريخها العريق، وذلك بإجماع كل من عمل في المسلسل الذي يقول ببساطة: على رغم أن دمشق تعرضت خلال تاريخها لكوارث ومحن ومصائب لا يمكن مدينة أن تتحملها، إلا أنها بقيت صامدة، وهذا دليل عشق الدمشقيين لمدينتهم، فأين الإساءة، إذاً؟

مخرج العمل، سيف الدين سبيعي، وهو من عائلة دمشقية عريقة، يتفق مع هذا الرأي، ويرى أن لجنة الرقابة «تعاطت مع المسلسل بعين الوصاية، معلنة الخوف على مشاعر المشاهد وخصوصاً مشاعر الدمشقيين، وهذه النظرة شوهت الصدقية التاريخية». ويؤكد سبيعي أن مسلسل «الحصرم الشامي» «يكاد يكون العمل التاريخي الوحيد الذي يسلط الضوء على تاريخ دمـشق فـي منـتـصف القـرن الثـامـن عشر استناداً إلى مصادر ومراجع موثقة». ويضيف: «كنت حريصاً على استشارة والدي رفيق سبيعي (يجسد أحد الأدوار الرئيسة في المسلسل) الذي أكد، كدمشقي عريق يعشق مدينته، صحة الوقائع والأحداث الواردة في السيناريو».

ويضيف المخرج: «كان من الأفضل للجنة الرقابة أن تسمح بعرض العمل، وترى ردود أفعال الجمهور، وأنا على ثقة من أن الجمهور، وخصوصاً الدمشقي، كان سيرسل بطاقات شكر لصنّاع العمل لما بذلوه من جهود في توثيق مرحلة حاسمة من تاريخ مدينة دمشق، درامياً». وتساءل سبيعي أخيراً: «هل لجنة الرقابة (وأشكك إن كان بين أعضائها دمشقي واحد‍‍‍‍‍‍) أكثر حرصاً على تاريخ دمشق من الدمشقيين أنفسهم الذين عملوا في هذا المسلسل؟».
الممثل نضال نجم يعتقد، بدوره، أن «الحصرم الشامي» و «ممرات ضيقة» يجسدان نموذجين للتطور الدرامي السوري «الذي نتطلع إليه، فهما يتوافران على الطرح الجريء والجاد»، موضحاً أن «أي عمل درامي ليس ملكاً للرقباء بل هو ملك للمشاهد»، معرباً عن اعتقاده بأن «قرار الرفض المتسرع سيعاد النظر فيه بعد رمضان»، كما أعرب عن أمله في أن «تسخِّر الرقابة معارفها وخبراتها، لمنع الأعمال الهابطة فنياً، والتي تفتقر إلى أبسط الشروط الجمالية والبصرية، بدلاً من منع أعمال جريئة وجديدة».

ناصر جليلي، الذي عمل مهندساً للديكور في «الحصرم الشامي» يشدد، بدوره، على الجانب التوثيقي الذي اتكأ عليه العمل، ويلاحظ ان «أس المشكلة يكمن في ذهنية الرقيب، وكذلك ذهنية الجمهور، التي اعتادت على رؤية مجموعة من المسلسلات النمطية التي تناولت تاريخ دمشق، وهي مسلسلات تفتقر إلى الحس التاريخي، وتبدو كأنها من إنتاج «حركة طالبان» ضمن المشهد الدرامي السوري. وحين يتجرأ أحد الكتاب على خلخلة هذه النمطية، وتلك الثوابت، لا بد من أن تواجهه أصوات تطالب بالمنع، وتعلن فرمانات تقضي بمعاقبة الكاتب الذي «غرّد خارج السرب». إننا نخشى أن يكون لدى الرقباء الأوصياء على الفن اعتقاد بأن الدراما فن سهل يعتمد على التسلية المجانية، وليس له الحق في خوض قضايا شائكة، وأعتقد أن إحدى سلبيات الدراما السورية غياب النص الجريء، لذلك لا بد من نصوص مثل «الحصرم الشامي» و «ممرات ضيقة» لئلا تقع الدراما في شرك التكرار».

ويتدخل حميرة ليختتم بالقول: «نحن لدينا مشكلة في تناول التاريخ. الدراما السورية تفتش في ثنايا التاريخ للعثور على حكاية نظيفة ومعقّمة تقدمها للمشاهد، وهذا تزوير للتاريخ الحافل بقصص وحكايا غير تلك الحكايا السياحية المزيفة. التاريخ الذي نراه على الشاشة هو تاريخ الأقوياء فقط، وكأن الناس البسطاء لم يكن لهم أي حضور، ناهيك عن الأخطاء الجسيمة التي تعانيها المسلسلات التاريخية سواء تعلق الأمر بالحوار أو بالديكور أو بالإكسسوارات المستخدمة... ثم إن ادعاء الحرص على التراث غالباً ما يكون انتقائياً، فكيف لنا أن نتقبل أغنية هابطة من الدرجة العاشرة تبث بعد مسلسل عن خالد ابن الوليد؟»‍‍‍.

واقترح حميرة، بنوع من التهكم، على التلفزة السورية أن تعرض الأعمال التي لا تتوافق وسياستها الإعلامية، وتكتب في مستهل كل حلقة «الآراء الواردة في هذا المسلسل لا تعبر بالضرورة عن رأي التلفزيون السوري» على غرار ما هو قائم في بعض صفحات الرأي في الصحافة المكتوبة، وهي بذلك تعفي نفسها من تبني الآراء الواردة في العمل، وتترك التقويم للمشاهد، فهو الوحيد القادر على الفرز بين الغث والسمين لا الرقيب، الخائف الذي يعتاش من مهنة غدت مضحكة في عالم اليوم، حيث لا شيء يحد من تدفق المعلومة.

إبراهيم حاج عبدي

المصدر: الحياة

فؤاد حميرة يحتج على منع مسلسله ومديرة التلفزيون ترد عليه

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...