خارطة الاحتجاجات العربية ومستقبل الأنظمة الملكية والأميرية
الجمل: اتسعت حركة الاحتجاجات الشعبية الشرق أوسطية الغاضبة ونلاحظ أن التقارير والتحليلات السياسية ركزت على تطورات الأحداث والوقائع الجارية المرتبطة بهذه الاحتجاجات، وأغفلت كشف الارتباطات النوعية وطبيعة الأطر السياسية الكلية التي شكلت مجرى سياق الاحتجاجات: فما هي طبيعة هذه الاحتجاجات؟ وما هو الجهد الرئيسي الذي يشكل قوام حركتها وإلى أين تتجه؟
* خارطة الاحتجاجات السياسية الشرق أوسطية: توصيف المعلومات الجارية
شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال الشهرين الماضيين المزيد من الاحتجاجات الشعبية السياسية الغاضبة، وفي هذا الخصوص نشير إلى مكونات هذه الخريطة على النحو الآتي:
• النطاق الجغرافي: تونس، مصر، ليبيا، اليمن، مملكة البحرين، سلطنة عُمان، العراق، السعودية، الجزائر، المملكة المغربية، جيبوتي، الصومال وإيران.
• قضايا الاحتجاجات: الأوضاع الاقتصادية، الحقوق السياسية، الفساد.
• آليات الاحتجاج: المظاهرات، الاعتصامات، المواجهات المسلحة.
هذا، وتشير المعطيات الجارية إلى احتمالات أن تتزايد حدة الاحتجاجات الليبية إلى مستوى الحرب الأهلية إضافة إلى تزايد حدة الاحتجاجات البحرينية إلى مستوى العصيان المدني الشامل، وبالنسبة لسلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية إلى مستوى المسيرات الحاشدة الكبيرة الحجم، وبالنسبة لليمن، فإن احتمالات التصعيد المزدوج الذي يصل إلى الجمع بين الحرب الأهلية والعصيان المدني الشامل أصبح هو السيناريو الأكثر احتمالاً.
وإضافة لذلك، تشير المعطيات إلى احتمالات أن تشهد الساحة السياسية العراقية موجة احتجاجات شعبية غاضبة جديدة بعد أن خفتت حدة الموجة الأولى، وإضافة لذلك تقول المعلومات بأن الكويت وقطر و الإمارات العربية المتحدة أصبحت أكثر تحسباً لاحتمالات تزايد قوة الغضب الشعبي، وفي هذا الخصوص سعت الكويت إلى اتخاذ المزيد من الإجراءات الوقائية لجهة إقامة الحواجز اللازمة لصد انتقال عدوى حركة الاحتجاجات الشرق أوسطية، وعلى وجه الخصوص الاحتجاجات البحرينية والعمانية والسعودية طالما أن الأوضاع والظروف السياسية الكويتية تتشابه إلى حد التطابق مع الأوضاع السياسية السعودية والبحرينية والعمانية.
* الجهد الرئيسي في حركة الاحتجاجات: تحليل القواسم المشتركة
على أساس اعتبارات تحليل الشعارات المطلبية التي رفعتها جماهير المتظاهرين يمكن التوصل إلى تحديد محفزات هذه الاحتجاجات ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• المحفزات الاقتصادية: شكلت القوام الأساسي الذي أشعل وقود الاحتجاجات التونسية والمصرية.
• المحفزات السياسية التي شكلت القوام الأساسي الذي أشعل وقود الاحتجاجات البحرينية والسعودية والعمانية والليبية والأردنية والمغربية.
هذا، ونلاحظ بالنسبة للمحفزات الاقتصادية-السياسية أنه في البلدان التي شكّل فيها العامل الاقتصادي المحفز الأساسي، نلاحظ أن العامل السياسي كان مصاحباً له كعامل ثانوي، وفي هذه البلدان التي شكل فيها العامل السياسي المحفز الرئيسي، فإن العامل الاقتصادي كان ظهوره ضعيفاً.
إضافة لذلك، نلاحظ أنه بالنسبة للاحتجاجات السياسية الشعبية التونسية والمصرية، فإنها لم تتوقف بالرغم من الإطاحة برأس النظام في كل من تونس ومصر، حيث استمرت حركية الاحتجاجات من أجل المطالبة باستكمال المطالب، وذلك لإدراك المحتجين بأن مطلب القضاء على النظام هو الأساس، وبالتالي، فمن غير المقنع الاكتفاء بالقضاء على رأس النظام، وترك النظام باقياً كما هو.
* استهداف الأنظمة الملكية: التطور النوعي الجديد
تطورت حركة الاحتجاجات السياسية الشعبية الشرق أوسطية باتجاه التمركز الجهودي في المناطق الآتية:
- دول منطقة مجلس التعاون الخليجي، وتحديداً في البحرين وسلطنة عمان والسعودية إضافة إلى احتمالات باندلاع وشيك للاحتجاجات في كل من الكويت والإمارات وقطر، وجميع هذه الدول تتميز بنظام الحكم القائم على مبدأ "الملكية المطلقة".
- الدول الشرق أوسطية ذات الطبيعة السلطوية المطلقة وتحديداً المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية إضافة إلى ليبيا.
ونلاحظ في هذه الدول التسع، أن ستاً منها تشهد حالياً حركة احتجاجات (البحرين، سلطنة عمان، السعودية، الأردن، المغرب إضافة إلى ليبيا)، وأن ثلاثاً منها واقعة تحت تهديد انتقال عدوى الاحتجاجات وهي: قطر، الكويت والإمارات العربية المتحدة، هذا، وبتحليل العامل الرئيسي الدافع لتصاعد الاحتجاجات في هذه الدول ذات الطابع الملكي نلاحظ الآتي:
• تركز الاحتجاجات على المطالبة بضرورة إجراء الإصلاحات السياسية الهيكلية والتي تتضمن الانتقال من صيغة الحكم الملكي المطلق إلى الحكم الملكي الدستوري.
• تأثير العامل الاقتصادي ضعيف في إشعال نيران هذه الاحتجاجات.
• الدعم الخارجي-الدولي ضعيف لجهة مساندة المحتجين.
تأسيساً على المعطيات الجارية وطبيعتها الوصفية والتحليلية السياسية يبدو بكل وضوح أن الجماهير الشعبية في المملكة السعودية والمملكة البحرينية وسلطنة عمان والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية أصبح أكثر اهتماماً بضرورة التحول من نظام الحكم الملكي المطلق إلى نظام الحكم الملكي الدستوري، ومن الواضح أيضاً أن الملوك والأسر الحاكمة في هذه البلدان سوف تستمر في إبداء كافة مظاهر عدم الاستعداد بقول المطالب الشعبية، وبالمقابل، من المتوقع أن تستمر هذه الاحتجاجات.
* الأنظمة الملكية العربية: سيناريو العنف والعنف المضاد
تشير الوقائع والأحداث الجارية إلى احتمالات كبيرة لجهة تصاعد حركة الاحتجاجات السياسية الشعبية المطالبة بالإصلاحات السياسية في النظم الملكية العربية، بما يتيح التحول من نموذج الملكية المطلقة إلى نموذج الملكية الدستورية، ويبدو هذا الأمر واضحاً من خلال الهتافات القائلة أحياناً بأن الشعب يريد "إصلاح" النظام، وفي أحيان أخرى بأن الشعب يريد "تغيير" النظام، إضافة إلى تصريحات قادة الاحتجاجات والتي ظلت تركز جميعها على ضرورة إجراء الإصلاحات السياسية باتجاه اعتماد الآتي:
- نموذج الملكية الدستورية، أي المقيدة دستورياً، وهو الخيار الذي يمكن عقد الصفقة على أساس قبول الملوك والأسر الحاكمة العمل بمبدأ اقتسام السلطات بحيث يتولى الشعب حكم نفسه، ويتولى الملك مهمة القيام بالأعباء والمهام السيادية الرمزية.
- نموذج نظام الحكم الجمهوري، أي القضاء بشكل نهائي على النظام الملكي، والتحول لنظام الحكم الجمهوري على غرار ما حدث سابقاً في العراق، وما حدث في مصر، وما حدث في اليمن والتي تحولت جميعها من نظام الحكم الملكي إلى نظام الحكم الجمهوري.
الظهور المتزايد للنخب الملكية الحاكمة في البلدان العربية الملكية إزاء عدم الرغبة أو القبول بإجراء أي تعديلات أو التخلي عن مبدأ الصلاحيات المطلقة سوف يؤدي بالضرورة إلى تعقيد الأوضاع.
وحالياً تسعى النخب الملكية العربية الحاكمة إلى انتهاج المزيد من المعالجات الخاطفة، والتي يتمثل أبرزها في الآتي:
• استخدام الآليات الاقتصادية: يبدو استخدام هذه الآليات واضحاً من خلال مخطط دول مجلس التعاون الخليجي الساعي لتقديم ما أطلق عليه الخبراء "مشروع مارشال الخليجي" الساعي لاحتواء أزمة الاحتجاجات السياسية البحرينية عن طريق تقديم الدعم المالي والاقتصادي، بما يؤدي إلى استرضاء المحتجين ودفعهم لخيار التهدئة بدلاً من خيار التصعيد.
• استخدام الآليات القمعية: يبدو استخدام هذه الآليات واضحاً في تعامل السلطات الملكية السعودية والعمانية التي لجأت لضرب المتظاهرين والمحتجين إضافة إلى تنفيذ المزيد من عمليات الاعتقال الوقائي للناشطين في حركات الاحتجاج السياسي.
• استخدام الآليات الإعلامية: يبدو استخدام هذه الآليات واضحاً من خلال دفع القنوات القضائية الخليجية (قناة العربية وقناة الجزيرة) وقنوات الدول الحليفة للأنظمة الملكية الخليجية (بي بي سي، سي إن إن، فوكس نيوز، سي إن بي سي، دويتشه فيلله، الحرة) لجهة القيام بالتركيز على تضخيم مفاعيل حركة الاحتجاجات السياسية الليبية بما يؤدي إلى إغفال الرأي العام عن التطورات الجارية في حركة الاحتجاجات السياسية السعودية والخليجية والأردنية والمغربية.
إذاً، سوف يؤدي استمرار الاحتجاجات السياسية الشعبية الغاضبة في الممالك الأردنية والمغربية والسعودية والبحرينية وسلطنة عمان إلى حدوث التطورات النوعية الآتية:
• اتساع نطاق الاحتجاجات بما يشمل انتقال العدوى إلى كل من قطر والكويت والإمارات العربية المتحدة.
• اتساع شدة الاستقطابات بما يشمل تزايد حجم الكتل الشعبية الاحتجاجية.
• تزايد حدة التمسك بالمطالبات الاحتجاجية من أجل التحول باتجاه اعتماد مبدأ الملكية الدستورية.
عملاً بالمبدأ القائل بأنه عندما تتصلب المواقف فإن التصعيد يؤدي إلى المزيد من التصعيدات والأفعال تؤدي إلى المزيد من ردود الأفعال. وتأسيساً على ذلك، سوف تشهد الأنظمة الملكية العربية الحاكمة سقوط المزيد من ضحايا عمليات العنف السياسي، وبكلمات أخرى، إن لم تستجب الأنظمة الملكية العربية إلى مطلب التحول من مبدأ الملكية المطلقة إلى مبدأ الملكية الدستورية، فإن الطوفان قادم، بما يمكن أن يؤدي إلى نشوء جمهوريات الأردن، السعودية، المغرب، البحرين، عمان، قطر، الكويت والإمارات بدلاً من الملكيات القائمة فيها حالياً. فأيهما أفضل بالنسبة لهذه الملكية: سيناريو "ثورة الملكية الدستورية البريطانية" الذي أدى لقيام الملكية الدستورية المقيدة، أم سيناريو "الثورة الفرنسية" الذي أنهى الملكية وأقام الجمهورية؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد