خارطة طريق الحدث السوري: من الاحتجاج السياسي إلى العنف السياسي
الجمل: تحدثت التقارير الواردة صباح اليوم عن هجوم بالقذائف الصاروخية ضد القوات السورية في مدينة حمص، إضافة إلى تنفيذ عملية استهدفت قطارا قادما من حلب في طريقه إلى العاصمة السورية دمشق، وتأسيساً على هذه الوقائع التي جرت خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية في مدينة حمص، تبرز المزيد من التساؤلات الحرجة: ما هي طبيعة هذه العمليات، وما هي دلالتها لجهة مستقبل فعاليات الحدث الاحتجاجي السوري، وهل أصبحت الساحة السورية على عتبة مرحلة جديدة من المواجهات والصراعات ذات الطبيعة النوعية الجديدة؟
* خارطة طريق الحدث السوري: من الاحتجاج السياسي إلى العنف السياسي
بدأت حركة الاحتجاجات السياسية السورية قبل حوالي أربعة أشهر تقريباً، وخلال هذه الفترة يمكن الإشارة إلى تطوراتها على النحو الآتي:
• المرحلة الأولى: أخذت طابع الاحتجاجات المحدودة النطاق ـ الصغيرة الحجم، وتحديداً في العاصمة السورية دمشق عندما حاولت بعض المجموعات القيام بإنفاذ بعض السيناريوهات الاحتجاجية، ولكن سرعان ما انتهت هذه المرحلة، بسبب عدم استجابة الرأي العام وعدم القدرة على كسب المزيد من الأطراف.
• المرحلة الثانية: أخذت طابع الاحتجاجات المحدودة النطاق ـ الصغيرة الحجم، وتحديداً في مدينة درعا الجنوبية، ومدينة القامشلي الشمالية، وفي هذا الخصوص، يمكن الإشارة إلى أن الاحتجاجات في المدينتين كانت تتم في يوم الجمعة، وتحديداً بعد صلاة ظهر الجمعة، وبالانطلاق من المساجد والجوامع، مع ملاحظة اختلاف طبيعة القوام السكاني المشارك، ففي مدينة درعا تغلب على المشاركين صفة الانتماء الإسلامي ـ السني، إضافة إلى الارتباط بحركة الإخوان المسلمين. وفي مدينة القامشلي تغلب على المشاركين صفة الهوية الكردية، إضافة إلى الارتباط بالحركات السياسية الكردية المحلية.
• المرحلة الثالثة: أخذت طابع الاحتجاجات التضامنية مع احتجاجات منطقة درعا، وبرزت هذه الاحتجاجات التضامنية في بعض مناطق ريف دمشق: دوما ـ التل ـ المعضمية ـ الزبداني.
• المرحلة الرابعة: أخذت طابع الاستقطاب الجهوي، وفي هذا الخصوص، برزت احتجاجات: حمص ـ بانياس ـ تل كلخ ـ إضافة إلى القامشلي ودرعا ومناطق ريف دمشق.
• المرحلة الخامسة: أخذت طابع بؤر العنف، وفي هذا الخصوص برزت مناطق جسر الشغور ـ حمص ـ معرة النعمان ـ تل كلخ ـ بانياس.
• المرحلة السادسة: أخذت طابع بؤر العنف المرتفعة الشدة، وفي هذا الخصوص يمكن الإشارة إلى منطقة حمص ومنطقة حماة ودير الزور مع الإشارة إلى أنه برغم طابع الصغير المحدود للاحتجاجات، فقد أصبحت الاحتجاجات في هذه المناطق الثلاثة كبيرة نسبياً.
نلاحظ أن هذه المراحل الستة، برغم أنها منفصلة على أساس الاعتبارات الشكلية العامة، فإنها شديدة الارتباط على أساس الاعتبارات التحليلية، وبكلمات أخرى، فمن الواضح جداً، أن كل واحدة من هذه المراحل، تقدم المساندة والدعم لجهة تعزيز المرحلة الأخرى، وبالتالي، ينطوي المشهد الكلي على حلقة مترابطة السلاسل والمكونات، وفي هذا الخصوص تشير المعطيات إلى أن نفس العناصر التي تمارس العنف في منطقة ما هي نفس العناصر التي تنتقل إلى منطقة أخرى تمارس الاحتجاج.
* طاقة تصعيدات العنف السياسي الجديدة: الخصائص والمحفزات
تشير المعطيات إلى أن عمليات العنف السياسي الجارية قد اكتسبت محفزاتها بفعل تأثير العديد من العوامل، والتي يمكن تقسيمها إلى نوعين:
• مجموعة العوامل الداخلية: تتضمن تزايد الانتقادات العامة والخاصة، إضافة إلى تزايد عمليات الاستقطاب السياسي المذهبي، وتحديداً على الخطوط والخلفيات الدينية بما أدى إلى صعود حركيات جماعة الإخوان المسلمين في العديد من المناطق، وعلى وجه الخصوص في المناطق الريفية وبعض المدن ذات التمركز الإسلامي السني الكبير مثل حماة ودرعا وحمص.
• مجموعة العوامل الخارجية: تتضمن تزايد الأطراف والقوى الدولية والإقليمية ذات المصلحة ليس في استهداف دمشق وحسب، وإنما في إضعاف سوريا، ومن أبرز هذه القوى أطراف مربع واشنطن ـ تل أبيب ـ باريس ـ لندن، إضافة إلى القوى الإقليمية الراغبة في فرض النفوذ والهيمنة على مصائر الشرق الأوسط، ومن أبرزها أنقرا ـ الرياض ـ إضافة إلى بعض العواصم الأخرى المتعاونة معها.
وتأسيساً على فعاليات عمل هذه العوامل الداخلية والخارجية، يمكن الإشارة إلى أن نموذج التصعيد السوري، أصبح أكثر انسجاماً، مع منظومة العوامل التصعيدية والتي تتضمن الخصائص الآتية:
• الخاصية الأولى: الانتقال من أساليب المواجهة المنخفضة الشدة (المواكب الاحتجاجية العادية) إلى أساليب المواجهة المرتفعة الشدة (استخدام الأسلحة المتطورة في جسر الشغور والقذائف الصاروخية في حمص إضافة إلى استهداف قطار حلب).
• الخاصية الثانية: توسيع حجم ونطاق المواجهة، وذلك عن طريق زيادة القضايا الخلافية إضافة إلى رفع سقف المطالب، وتوسيع دائرة انتشار المواجهة، بحيث تقوم مجموعة مسلحة بعملية في المنطقة (أ)، ثم تنتقل إلى المنطقة (ب)، ثم إلى المنطقة (ج).. وهكذا.
• الخاصية الثالثة: التحول من طرح القضايا ذات الطبيعة المحددة إلى طرح القضايا ذات الطبيعة غير المحددة ونلاحظ هنا، في منطقة حمص، أن الاحتجاجات قد بدأت بالمطالبة بإقالة المحافظ وهي تطرح كل يوم مطلباً جديداً يتميز بعدم التحديد.
• الخاصية الرابعة: التدمير والتقويض المنهجي للعلاقة بين أطراف الصراع، ونلاحظ هنا أن بعض الأطراف النافذة قد سعت باتجاه إعاقة وتقويض كل مساعي وجهود الحوار والتفاهم، إضافة إلى القضاء على لجنة الحوار الوطني قبل انطلاقها.
• الخاصية الخامسة: رفع سقف المطالب أكثر فأكثر: ونلاحظ هنا، أن العديد من الجماعات الصغيرة، أصبحت أكثر اهتماماً بالدخول في وسط المظاهرات والقيام برفع شعارات تعبر عن مطالب مرتفعة السقف، مثل إسقاط النظام وتغيير النظام، وما شابه ذلك. علماً أن نفس هذه المظاهرات ونفس هذه العناصر لم تكن تطرح مثل هذه الشعارات في البداية..
• الخاصية السادسة: اللجوء لاستخدام التنميط السلبي: ونلاحظ هنا بروز العديد من نماذج تصعيد روح ومشاعر العداء الطائفي والديني. ولم يعد خافياً على أحد قيام البعض بالسعي لإثارة هذه النعرات ليس على مستوى الهتافات وحسب. وإنما عملياً وعن طريق عمليات القتل الانتقائي المنهجي التي حدثت في منطقة "جبل الزاوية".
• الخاصية السابعة: التحول من أسلوب مطالبة الآخر إلى أسلوب إيذاء واستئصال الآخر، ونلاحظ هنا أن الاحتجاجات في بداياتها كانت تطرح المطالب، والآن، وعلى خلفية أحداث الأمس في منطقة حمص، وما سبقها في منطقة جسر الشغور، يبدو الانتقال باتجاه إيذاء واستئصال الآخر واضحاً للعيان.
إذاً، لقد سعت بعض أطراف المعارضة السورية ـ ولا نقول جميعها ـ إلى اعتماد المزيد من الاستراتيجيات والتكتيكات التي تدفع باتجاه إعادة هيكلة، وإعادة تأطير الخلافات السورية ـ السورية، وفي هذا الخصوص، فإن استمرار هذا السيناريو، سوف لن يؤدي سوى إلى الآتي:
• هدف إشعال الخلافات والمواجهات بما يدخل سوريا في نفق الحرب الأهلية المدمرة.
• هدف إضعاف سوريا بالقضاء على قدراتها، عن طريق تدمير البنيات التحتية الوطنية، فاليوم خطوط السكة الحديدية، وغداً شبكات نقل الكهرباء. وبعد غد الجسور والموانئ، والمطارات، وهلم جراً.
وما هو أكثر خطورة، يمكن أن يتمثل في أن هدف إشعال الخلافات والمواجهات سوف لن يكون بمعزل عن هدف إضعاف سوريا بالقضاء على قدراتها، وبالتالي، فإن الذي ينخرط في تحقيق أحد الهدفين عليه أن يفهم بأن عمله سوف يستصحب معه بالضرورة الهدف الآخر: نقول هذا، ونتمنى أن يجلس الجميع على طاولة الحوار، وعندها سوف يكون "لكل حادثة" حديث.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
أغاية الدين!!!!!!!
ونسيت كمان استهداف خطوط النفط
دي دي تي
لا يستطيع!!
اسرائيل إلى زوال
إضافة تعليق جديد