خطط استيطانية تعرقل مهمة كيري وعباس يوقع طلبات انضمام إلى منظمات دولية
في اللحظة الأخيرة، وعندما بدا أن مفاوضات التسوية تتجه إلى التمديد فجرت إسرائيل المساعي الأميركية بإعلانها عن عطاءات لإنشاء 700 وحدة استيطانية. وجاء الرد الفلسطيني سريعاً بإعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قيامه بالتوقيع على طلبات انضمام السلطة الفلسطينية إلى 15 منظمة دولية والاستعداد للانضمام إلى 63 منظمة دولية. وأمام هذا التطور، لم يجد وزير الخارجية الأميركي جون كيري بداً من إلغاء زيارته المقررة اليوم إلى رام الله للاجتماع بالرئيس عباس لإتمام إنجاز صفقة تمديد المفاوضات.
وبرر الرئيس عباس قراره، أمس، قائلاً «نحن لا نرغب في الصدام مع الإدارة الأميركية، لكن لم يبق أمامنا مفر. لقد بذل كيري جهوداً جبارة والتقينا معه 39 مرة منذ بدء المفاوضات (في نهاية شهر تموز الماضي)، ونحن لا نعمل ضد أحد، ولكن لم يبق لنا أي خيار آخر». وأضاف أنه «من حقنا التوجه إلى مؤسسات الأمم المتحدة، وأجلنا ذلك لتسعة شهور ولم نقبل التنازل عن هذا الحق». وشددت مصادر فلسطينية أخرى على أن إسرائيل تعمل من أجل إفشال كيري، حيث أن الإدارة الأميركية يجب أن تشعر بالإهانة من القرار الإسرائيلي. وكان الرئيس الفلسطيني تعهد بألا يسعى للانضمام إلى هيئات دولية خلال المفاوضات.
وحتى الآن ليس معروفاً إن كانت خطوة الإعلان عن إنشاء الوحدات الاستيطانية جزءاً من خطة لإفشال المفاوضات يقف خلفها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو نفسه أم جهات معارضة له. وكان الإعلان عن عطاء لإنشاء هذه الوحدات في مستوطنة جيلو الواقعة على أراضي بيت جالا في الضفة الغربية نوعاً من الاختبار، ربما، لمدى احتمال الفلسطينيين فكرة التمييز بين الاستيطان في القدس الكبرى والاستيطان في باقي أرجاء الضفة الغربية. ومعروف أن وزير الإسكان الإسرائيلي أوري أرييل المنتمي لـ«البيت اليهودي» يعلن طوال الوقت معارضته للمفاوضات فضلاً عن كونه أحد كبار قادة المستوطنين.
ومع ذلك، فإنّ مسؤولين إسرائيليين استغربوا إقدام الرئيس عباس على التوقيع على طلب انضمام فلسطين إلى 15 منظمة دولية معتبرين ذلك عملاً من طرف واحد. وكان عباس قد هدد في اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله بهذه الخطوة في حال لم تفرج إسرائيل عن الدفعة الرابعة من معتقلي ما قبل أوسلو. ولكن كما هو واضح تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمراء الفلسطينية وأعلنت عن مشاريع استيطان جديدة في حمى محاولات البحث الأميركية عن مخرج. ويتركز الطلب الفلسطيني أساساً على التوقيع على معاهدة جنيف ومنظمات عدة ذات طابع إنساني وعدلي. وكانت هذه النقطة أشد ما يقلق إسرائيل وهو إجراء محاكمات دولية لسياستها وقادتها، خصوصاً في المحكمة الجنائية الدولية.
وبرغم إعلان مسؤولين أميركيين إلغاء كيري لزيارته وربما اعتباره ما جرى نوعاً من الصفعة لجهوده إلا أنه يصعب اعتبار ما تم حتى الآن إعلان فشل لخطة التسوية التي كاد يبرمها. فالرئيس عباس نفسه أعلن أن طلبات الانضمام للمحافل الدولية لا تعني مقاطعة الفلسطينيين للمفاوضات قبل 29 نيسان، حيث ستستمر هذه المفاوضات. ومن الجائز أن إسرائيل سوف تفسر خطوتها الاستيطانية بأنها ليست لإفشال المفاوضات ما سيسمح للجهود الأميركية بالتواصل في الأيام المقبلة. وتنظر أميركا إلى أن الخطوة الإسرائيلية والرد الفلسطيني لا يزالان في دائرة الخطوات الإعلانية وليست الفعلية. وفي نظرها يمكن وقف المشروع الاستيطاني أو القول إنّ تنفيذه ليس وشيكاً وكذا أن الفلسطينيين هددوا باللجوء للمنظمات الدولية، لكنهم لم يتقدموا بعد بهذه الطلبات.
وإزاء هذه التطورات، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد اجتماع مع نظرائه في دول حلف شمال الأطلسي في بروكسل مساء أمس، «نحض الطرفين على ضبط النفس». ولدى سؤاله عن الزيارة، قال «لست واثقاً بعد لأن هناك اموراً لا نزال ننظر فيها على المستوى اللوجستي وفي إطار ما هو ممكن».
وما بدا أنه يشكّل صفعة للمفاوضات سبقه يوم أمس بدء ظهور معالم الصفقة التي كان وزير الخارجية الأميركي قد نجح في بلورتها مع الإسرائيليين والفلسطينيين لتمديد المفاوضات. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية قد لجأ إلى الدعوة لعقد اجتماع عاجل للحكومة لإقرار الصفقة في ظل تهديدات من أعضاء حزب «البيت اليهودي» بالانسحاب من الائتلاف والحكومة. وبدا أنّ الصفقة تشمل، في بعض عناصرها غير المرضية لجميع الأطراف، الإفراج عن الجاسوس الأميركي جونثان بولارد وتجميد جزئي للاستيطان والإفراج عن الدفعة الرابعة من معتقلي ما قبل أوسلو.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم إنّ الاجتماع المطول الذي عقد صباح أمس بين جون كيري ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قاد إلى بلورة معظم تفاصيل صفقة تمديد المفاوضات مع الفلسطينيين. وأشار هؤلاء إلى أنّ الأميركيين يسعون لنيل موافقة الفلسطينيين على الصفقة بعدما تبين أنّ الطرفين ليسا بعيدين جداً في هذا المجال. واعترف مسؤول إسرائيلي بأن الصفقة تتضمن البنود التالية:
1- يوافق الفلسطينيون على تمديد المفاوضات حتى العام 2015، ويمتنعون في هذه الفترة عن أية خطوات من طرف واحد في الأمم المتحدة.
2 تفرج أميركا عن الجاسوس جونثان بولارد قبل ليلة عيد الفصح.
3- تفرج إسرائيل عن الدفعة الرابعة من معتقلي ما قبل أوسلو وبينهم 14 من معتقلي مناطق 48.
4- تفرج إسرائيل عن 400 معتقل فلسطيني آخر «غير ملطخة أياديهم بالدماء»، ممن تبقى لهم شهور في السجن على أن تقرر إسرائيل بنفسها القائمة وتشمل نساء وقصّراً.
5- تجمد إسرائيل معظم البناء الاستيطاني، عدا في القدس الشرقية، وتكبح نشر العطاءات الحكومية وتسويق الأراضي للمقاولين.
وكان كيري قد عقد اجتماعات مطولة لساعات عدة طوال ليل أمس الأول مع رئيس الحكومة الإسرائيلية وتواصل مع الطاقم الفلسطيني برئاسة صائب عريقات من دون تحقيق اختراق. وفقط صباح أمس وبعد اجتماع مطول آخر بين كيري ونتنياهو تم التوصل إلى معالم الصفقة التي تتضمن، كما سلف، «تجميداً هادئاً» وجزئياً للاستيطان. وهذا كان يعني أنّ الحكومة الإسرائيلية ذاتها لن تعلن تجميداً للاستيطان أو كبحاً له وإنما وزير الدفاع موشي يعلون، الذي يعتبر «صاحب السيادة» في الأراضي المحتلة، هو من سيعيق نشر عطاءات أو توزيع أراضٍ للاستيطان خلال فترة معينة. ولذلك تمّ تجنب الحديث عن تجميد الاستيطان في القدس الشرقية التي تم ضمها رسمياً العام 1967 ولا تخضع لإمرة وزارة الدفاع.
وبغية تمكين نتنياهو من عرض إنجاز في هذه الصفقة «تبرعت» الإدارة الأميركية بالاستعداد للإفراج عن جونثان بولارد الذي طالما رفضت إطلاق سراحه. ويعتقد أن هذه «التضحية» الأميركية جاءت لدفع نتنياهو لإبراز إنجاز أمام شركائه في اليمين المتشدد داخل حزب «الليكود» و«البيت اليهودي» و«إسرائيل بيتنا». ويرى مراقبون أن الموقف الأميركي شكل «تنازلاً» كبيراً من جانب إدارة أوباما التي ستبدأ في القول إنّ بولارد على وشك انتهاء فترة سجنه في العام المقبل.
عموماً، كان الرئيس عباس بعد الاجتماع الأول للقيادة الفلسطينية في رام الله قد أبدى تشدداً أساسه عدم الاستعداد للنظر في أية اقتراحات قبل ضمان الإفراج عن معتقلي ما قبل أوسلو بوصفهم جزءاً من التزامات سابقة. ويبدو أن جون كيري وجد وسيلة لتسوية هذه المسألة عبر دمجها في إطار أوسع ينطوي أيضاً على تجميد جزئي للاستيطان. وهذا ما قاد لاحقاً إلى تقديم إسرائيل «تنازل» إضافي بالاستعداد لترتيب أوضاع حوالي 5 آلاف عائلة قدمت منذ سنوات طلبات جمع شمل في الضفة والقطاع فضلاً عن الاستعداد لفتح معابر الضفة مع الأردن 24 ساعة يومياً وتسهيل تنقل السكان.
وكانت مواقع إخبارية إسرائيلية أشارت، أمس، إلى أن سكرتارية الحكومة تدرس أمر تبكير عقد اجتماع الحكومة قبل يوم الجمعة، بدلاً من يوم الأحد المقبل، لإقرار الصفقة. وقالت إنّ وزراء الحكومة محتارون وأن نتنياهو يريد حسماً سريعاً للموقف ولذلك جرى إطلاع الوزراء على النية لعقد الاجتماع قبل نهاية الأسبوع. وكان معظم وزراء اليمين المتطرف قد آثروا أمس عدم تأكيد صورة تصويتهم على الصفقة عند عرضها على الحكومة.
حلمي موسى
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد