خلافات موسكو – واشنطن: المقدمات والنتائج المتوقعة

18-12-2008

خلافات موسكو – واشنطن: المقدمات والنتائج المتوقعة

الجمل: عندما تتصاعد الخلافات ويصل الصراع إلى نقطة عدم القابلية للحل بالوسائل الدبلوماسية يتم اللجوء إلى الوسائل العسكرية والتي في نهاية الأمر تؤدي إلى تغيير التوازنات القائمة بحيث يصبح الحل الدبلوماسي ممكناً وعلى هذه الخلفية تصاعدت خلافات موسكو – واشنطن وبسبب ازدواج الضغوط الداخلية مع الضغوط الخارجية فقد انهارت الكتلة الاشتراكية وانفرط قوام الدولة المسماة: اتحاد الجمهوريات السوفيتية، فما الذي حدث بعد ذلك وما الذي يحدث الآن وما الذي سيحدث غداً؟
* القوام الروسي الدولاتي: الشكل والمحتوى:
تفكك الاتحاد السوفيتي وتحوله إلى دولة تمثلها روسيا الحالية والتجمعات السياسية المحيطة به، يمكن توصيف ذلك على النحو الآتي:
• روسيا: تمثل المجال الحيوي المركزي وتتضمن الجزء الأكبر من رقعة الأراضي السوفيتية.
• مجموعة دول البلطيق: وتتضمن ثلاث دول متجاورة تطل على بحر البلطيق الذي يطل على أقصى شمال غرب روسيا وشمال شرق القارة الأوروبية وهذه الدول هي: ليتوانيا – لاتفيا – إستونيا.
• مجموعة دول القوقاز: وتتضمن ثلاث دول تقع في الجزء الجنوبي الغربي من رقعة الاتحاد السوفيتي السابق الأولى جورجيا وتطل على البحر الأسود والثانية أذربيجان وتطل على بحر قزوين أما الثالثة فهي أرمينيا وهي دولة حبيسة تطل على إيران وأذربيجان وجورجيا وتركيا.
• مجموعة دول آسيا الوسطى: وتتضمن خمسة دول متجاورة اثنتان منها تطل على بحر قزوين وهما كازاخستان تركمانستان والثلاثة المتبقية هي عبارة عن دول حبيسة: أوزبكستان، طاجيكستان، تركمانستان.
ظلت هذه المجموعات الثلاثة تمثل طوال فترة الاتحاد السوفيتي السابق مصدراً للضغوط الخارجية التي أدت بالتلازم مع الضغوط الخارجية إلى الإسهام في انهيار الاتحاد السوفيتي، وبعد أن استقلت دول هذه المجموعات مكونة ما عرف بالجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي فإنها أصبحت:
• من جهة مصدر خطر على روسيا لجهة علاقات التعاون الوثيقة مع الولايات المتحدة وبلدان الاتحاد الأوروبي.
• من جهة مصدر أمن يدعم استقرار روسيا لجهة علاقات التعاون الوثيقة التي ظلت تجمعها مع روسيا إضافة إلى إمكانية قيامها بدور حاجز الصد الخارجي في وجه الصدمات الخارجية.
خلال الفترة التي امتدت من لحظة انتهاء الحرب الباردة وحتى الآن ظلت هذه المناطق الثلاثة ساحة للصراع الدبلوماسي – الأمني – السياسي – الاقتصادي بين موسكو من جهة وواشنطن وحلفائها من جهة أخرى، وبسبب تزايد التوتر على خط موسكو – واشنطن اندلعت المواجهة العسكرية – الجورجية – الروسية التي خاضت فيها جورجيا حرب الوكالة باعتبارها البروكسي الأمريكي – الإسرائيلي في منطقة القوقاز.
* الأمن السياسي الروسي: أبرز الإشكاليات والتحديات:
على أساس اعتبارات الوضع القائم أو ما يعرف بالأمر الواقع الموضوعي الحالي فإن معادلة الأمن السياسي الروسي تتضمن:
أولاً: المهددات الداخلية: وتتمثل في:
• المشاكل الاقتصادية: الناتجة عن طبيعة الانتقال من الاقتصاد المخطط المركزي الاشتراكي إلى اقتصاد السوق الرأسمالي، ومن أبرزها نجد مشاكل التضخم والبطالة والتمويل والمشاكل النقدية المتعلقة بأسعار الصرف والفائدة.. إضافة إلى مشاكل الإنتاج الزراعي والصناعي والتجارة الخدمات في ظل الخصخصة التي تشهد الكثير من التحولات غير المكتملة.
• المشاكل الاجتماعية:/ الناتجة عن ملفات الأقليات التي ما زالت موجودة ضمن الاتحاد الفيدرالي الروسي وعلى وجه الخصوص في القوقاز الشمالي الواقعة في الأراضي الروسية بين بحر قزوين والبحر الأسود وتتمثل في داغستان – أنفوشيا – كاباردينو – بلغاريا – شركسيا – أداجيا – الشيشان – أنفوشيا. هذا، وتوجد الكثير من المشاكل الأخرى كالهجرة والفساد..
• المشاكل السياسية: الناتجة عن الطبيعة الانتقالية السياسية وخصائصها لأن الانتقال من النظام الشيوعي إلى النظام التعددي أدى إلى تنافر الطموحات الخاصة بالكتل السياسية التي تشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وحالياً تتمثل هذه الكتل في:
- التيار القومي – الاجتماعي: يمثل غلاة القوميين الروس ويتبنى التوجهات الإثنو-ثقافية الروسية التقليدية المحافظة.
- التيار الليبرالي الرأسمالي: يمثل القوى الموالية للنموذج الغربي الذي تعمل حالياً باتجاه إشعال نموذج الثورات الملونة في روسيا.
- التيار القومي – الليبرالي: ويتمثل في القوى التي تؤيد الجمع بين مزايا التوجهات الليبرالية التحررية ومزايا التوجهات القومية – الاجتماعية المحافظة، وهو التيار الذي يقوده رئيس الوزراء فلاديمير بوتين والرئيس الحالي ميدفيديف.
- التيار الشيوعي: ويتمثل في القوى السياسية التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القوى الشيوعية المحافظة التي تتبنى شعار العودة إلى نموذج الاتحاد السوفيتي، والقوى الشيوعية الروسية التي تتبنى شعار اهتمام الحزب بالمشاكل الروسية طالما أن لا مجال لعودة التاريخ إلى الوراء، والقوى الاشتراكية التي تتبنى أجندة يسار الوسط.
هذا، وتتصارع حالياً هذه التيارات والقوى السياسية برغم أن صراعها يتم ضمن إطار الشرعية الدستورية والتعدد الروسي فإن عناصر الخطر تتمثل في النزعات المتطرفة التي تعمل على تصعيد التوتر والخلافات في أوساط الرأي العام الروسي إضافة إلى ارتباطها بالقوى الغربية التي بعد أن نجحت في تفكيك الاتحاد السوفيتي فإنها تسعى حالياً لإنجاز الجولة الثانية المتعلقة بمخطط تفكيك روسيا إلى كيانات صغيرة يسهل السيطرة عليها.
ثانياً: التأثيرات الخارجية: وتتضمن:
• مهددات اقتصادية: تتمثل في استخدام واشنطن ودول غرب أوربا تدفقات رأس المال الأجنبي المباشرة وغير المباشرة كوسيلة لفرض السيطرة والتبعية على الاقتصاد الروسي بما يؤدي إلى إلحاقه بالاقتصاد الأمريكي الأوروبي وفقاً لبنود التبادل غير المتكافئ ويدخل روسيا في علاقات اقتصادية وتجارية غير متوازنة.
• مهددات أمنية: تتمثل في الاستهدافات التي يتعرض لها الأمن القومي الروسي عن طريق أنشطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والموساد الإسرائيلي والأجهزة البريطانية والفرنسية وغيرها من الشبكات السرية وقد حقق الموساد الإسرائيلي نجاحاً كبيراً عن طريق تجنيد اليهود الروس الموجودين في روسيا وأيضاً اليهود الروس المهاجرين إلى إسرائيل ثم القيام بإعادة تصديرهم إلى روسيا بعد تزويدهم بالمال والعلم والقدرات.
• مهددات عسكرية: تتمثل في تحركات حلف الناتو في المناطق المتاخمة لروسيا الغربية والجنوبية الغربية إضافة إلى القواعد الأمريكية المنتشرة في البلدان المجاورة لروسيا إضافة إلى الغواصات النووية الأمريكية المتمركزة في مناطق المحيط المتجمد الشمالي ومناطق شمال غرب المحيط الباسيفيكي.
• مهددات سياسية: تتمثل في الأحلاف السياسية والكيانات الإقليمية والدولية التي نجحت الولايات المتحدة في إقامتها وعلى وجه الخصوص:
- الروابط الأمريكية – الجورجية.
- الروابط الأمريكية مع دول شرق أوروبا السابقة: بولندا، بلغاريا، بلغاريا، تشيكيا، هنغاريا.
- الروابط الأمريكية مع أوزبكستان تركمانستان.
- روابط حلف الناتو مع دول البلطيق الثلاثة: أستونيا، ليتوانيا، لاتفيا.
على خلفية هذا الوضع الأمني السياسي المعقد وجدت روسيا نفسها مطالبة بالعمل للتقدم من أجل ملء فراغ القوى الاستراتيجية الذي نشأ بفعل تراجع القوة السوفيتية كما وجدت روسيا نفسها مطالبة بخوض المنافسة مع الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على أسواق الاتحاد الأوروبي التي أصبحت السيطرة عليها الوسيلة الوحيدة التي ستحسم الصراع الجيوبوليتيكي على خط واشنطن – موسكو. بكلمات أخرى، إذا نجحت موسكو في الانفراد بتزويد اقتصاديات الاتحاد الأوروبي بمصادر الطاقة فإن تدفقات المال ستتوجه إلى البنوك الروسية بدلاً عن البنوك الأمريكية إضافة إلى أن دول الاتحاد الأوروبي ستعمل على استكمال أجندة الأمن الأوروبي بعيداً عن أجندة الأمن الأمريكي وسيكون هذا الأمران كفيلين بإفقاد الولايات المتحدة الأمريكية 50% من قوتها المالية والعسكرية!

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...