دبلوماسية دمشق – الاتحاد الأوروبي ومخاوف اللوبي الإسرائيلي
الجمل: عملت دبلوماسية محور واشنطن – تل أبيب طوال الأعوام الماضية وعلى وجه الخصوص خلال الفترة التي أعقبت غزو واحتلال العراق من أجل تقويض علاقات سوريا مع الاتحاد الأوروبي وعلى هذه الخلفية ظلت واشنطن تستخدم نافذة علاقات عبر الأطلنطي في الضغط باتجاه إبعاد الاتحاد الأوروبي عن سوريا.
* دبلوماسية دمشق – الاتحاد الأوروبي: مخاوف اللوبي الإسرائيلي:
نشر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ورقة الرصد السياسي رقم 1439 تحت عنوان «الاتحاد الأوروبي وسوريا يتحركان بتقارب»، وقد أعدها اليهودي الأمريكي ديفيد شينكر الخبير في شؤون سوريا ولبنان. وقد أشارت الورقة إلى الآتي:
• في يوم 14 كانون الأول 2008م (غداً) سيقوم الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوة جديدة في اتفاقيته التي سبق أن وقعها مع سوريا عام 2004م.
• تعطيل اتفاق سوريا – الاتحاد الأوروبي كان بسبب منظور الموقف الأوروبي القائل بأن الوقت لم يكن مناسباً لتوقيع الاتفاقية وإجازتها والمصادقة عليها.
• تعود خلفيات الموقف السلبي الأوروبي السابق إزاء سوريا إلى تداعيات ملف الأزمة اللبنانية والعلاقات مع إيران وتداعيات ملف الأزمة العراقية.
• نجحت سوريا في تحسين صورتها أمام الأوروبيين.
• إذا تم التوقيع على هذه الاتفاقية فإن سوريا ستكون قد حصلت على المزيد من المكاسب الدبلوماسية دون تحمل أي أعباء مقابلة.
* خلفيات اتفاق سوريا – الاتحاد الأوروبي:
ظل الصراع العربي – الإسرائيلي وتداعياته يشكل السبب الأكثر تأثيراً في مسار العلاقات السورية – الأمريكية إضافة إلى تداعيات الموقف الأوروبي الداعم لإسرائيل والموقع الأوروبي المستجيب للضغوط الأمريكية، لكن برغم ذلك، بدأت العلاقات السورية – الأوروبية في اكتساب المزيد من القدرة على التحرك على خلفية المحطات الآتية:
• عملية برشلونة 1995م.
• منتدى الحوار والتعاون الذي ضم دول الاتحاد الأوروبي مع اثنتي عشرة دولة من دول الجوار المتوسطي.
• بحلول العام 2006م وقعت إحدى عشرة دولة متوسطية (ليست سوريا بينها) اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي.
وتشير التحليلات إلى أن عدم توقيع سوريا الاتفاقية كان بسبب ضغوط محور واشنطن – تل أبيب على الاتحاد الأوروبي الذي استجاب لهذه الضغوط رافعاً نفس الشروط التي ترفعها واشنطن التي تحمل طابعاً داخلياً يهدف إلى اختراق السيادة الوطنية السورية وهي بالحقيقة تهدف إلى الضغط على سوريا لتقديم المزيد من التنازلات لإسرائيل.
* العلاقات السورية – الأوروبية: تأثير قانون محاسبة سوريا:
وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش في كانون الأول 2003م على قانون محاسبة سوريا وهو الأمر التنفيذي الذي تحول بموجبه قرار الكونغرس إلى قانون ملزم للإدارة الأمريكية وقد ترتب على ذلك:
• كثفت الإدارة الأمريكية سلسلة عقوباتها ضد سوريا.
• كثف المسؤولون الأمريكيون تصريحاتهم المعادية لسوريا.
• كثفت الإدارة الأمريكية اتصالاتها مع دول الاتحاد الأوروبي لحثها وإقناعها لتبني المواقف الأمريكية ضد سوريا.
أدى قانون محاسبة سوريا من جهة إلى قيام واشنطن بإبعاد نفسها عن دمشق، وفي الوقت نفسه إلى إرباك الأطراف الأوروبية الغربية على النحو الذي ترتب عليه قيام بعض الأطراف الأوروبية بتقليص علاقاتها مع دمشق.
* العلاقات السورية – الأوروبية: تأثير القرار 1559:
خلال الفترة التي سبقت صدور القرار الدولي 1559 كانت دمشق تواجه ضغوطاً مكثفة من عدة اتجاهات:
• ضغوط أمريكية مباشرة.
• ضغوط أوروبية بسبب الضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
• ضغوط مؤسسات دولية بسبب النفوذ الأمريكية على المنظمات والهيئات الدولية.
وكأنما كان الهدف من هذه الضغوط تمهيد المسرح الدولي لتطور جديد وبالفعل جاء هذا التطور الجديد آخذاً شكل القرار 1559 الذي أصدره مجلس الأمن الدولي على خلفية التفاهم الأمريكي – الفرنسي الذي شكل حيثيات القرار وكان هدف القرار هو إضعاف الساحة اللبنانية عن طريق:
• إخراج القوات السورية من لبنان مما يؤدي إلى انكشاف الأمن العسكري اللبناني.
• تجريد المقاومة اللبنانية وحزب الله من السلاح.
• إفساح المجال أمام صعود القوى السياسية اللبنانية ذات القابلية لتوقيع اتفاقية سلام لبنانية – إسرائيلية.
• بناء سيناريو ظاهرة فراغ الأمن السياسي في الساحة اللبنانية بما يسمح باستخدامها كقاعدة لاستهداف سوريا.
ولم تكد تمض ثلاثة أشهر على القرار حتى جاءت حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري مما أدى إلى إعطاء ظاهرة فراغ الأمن السياسي اللبناني زخماً كبيراً وعلى وجه الخصوص لجهة الآتي:
• إشعال سيناريو العداء لسوريا.
• إشعال سيناريو بناء حملة الذرائع ضد سوريا.
• إشعال سيناريو الاغتيالات السياسية في لبنان.
• إشعال سيناريو الحملة السياسية ضد المقاومة اللبنانية وحزب الله.
خلال كل هذه الوقائع كانت سلبية مواقف الاتحاد الأوروبي إزاء سوريا تكتسب ديناميكية أكبر فأكبر ووصل تدهور العلاقات إلى ما يشبه القطيعة مع دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية كفرنسا وبريطانيا وبقدر أقل ألمانيا. وقد أدت عملية اغتيال الحريري إلى إكمال تنفيذ سيناريو إخراج القوات السورية من لبنان وهو السيناريو الذي وضع القرار 1559 ملامحه النظرية العامة.
* العلاقات السورية – الأوروبية: تداعيات ملف التحقيق الدولي وحرب صيف العام 2006م:
خلال هذه الفترة يمكن القول بأن محور تل أبيب – واشنطن قد نجح بقدر كبير في فرض سيطرته على توجهات الأوروبيين إزاء سوريا وكان من أبرز ملامح هذه الفترة:
• كلما انتقدت واشنطن دمشق بعدم التعاون مع التحقيق الدولي كلما انتقدت دول الاتحاد الأوروبي دمشق مستخدمة نفس الذرائع والأساليب.
• كلما انتقدت واشنطن دمشق بدعم الإرهاب وتوفير الغطاء السياسي والأمني واللوجستي لحزب الله كلما انتقدت دول الاتحاد الأوروبي دمشق مستخدمة نفس الأساليب والذرائع.
وصلت العلاقات السورية – الأوروبية إلى مراحل التدهور الشديد ليس بتأثير محور واشنطن – تل أبيب وإنما بسبب قيام حلفاء أمريكا وإسرائيل اللبنانيين باستخدام صعودهم السياسي على خلفية ظاهرة فراغ الأمن السياسي في لبنان لجهة القيام تسويق الاتهامات المعادية لسوريا وشهدت خطوط باريس – بيروت تحركات موازية كثيرة تمت على خطوط بيروت – تل أبيب وبيروت – واشنطن.
* دبلوماسية دمشق و"اختراق بروكسل" الجديد:
نجحت الدبلوماسية السورية في التعامل بمرونة عالية مع الضغوط الدبلوماسية الأمريكية التي نجحت في إغلاق المنافذ الآتية أمام دبلوماسية سوريا:
• نافذة الاتحاد الأوروبي من خلال علاقات عبر المتوسط.
• جزئياً: نافذة العلاقات العربية من خلال توظيف تحالف المعتدلين العرب.
خلال هذه الفترة تمددت دبلوماسية سوريا شرقاً بشكل حقق المفاجأة لأن محور تل أبيب – واشنطن كان يعتقد أن تجمع المعتدلين العرب وبلدان الاتحاد الأوروبي كافية لتحقيق الحصار الدبلوماسي ضد سوريا وعزلها عن العالم.
تقدمت دبلوماسية سوريا في مناطق الشرق الأدنى وتركيا والقوقاز والدائرة الروسية إضافة إلى الدائرة العربية نفسها التي لم ينجح المعتدلون العرب في السيطرة الكاملة عليها.
وكان واضحاً أن سقوط المرشح الجمهوري ماكين وفوز المرشح الديمقراطي أوباما سيترتب عليه خروج الإدارة الجمهورية من البيت الأبيض ودخول الإدارة الديمقراطية في عملية صنع واتخاذ القرار الأمريكي.
كان رهان الدبلوماسية السورية إزاء لحظة الانتخابات الأمريكية باعتبارها نقطة الانقلاب التي ستحدث في توازنات القوى الدبلوماسية الإقليمية والدولية بما يمتد بتأثيراته إلى تغيير خطوط خارطة الصراع الدبلوماسي الإقليمي والدولي الذي تخوضه دمشق.
* الموقف الجديد: لماذا؟
تقول التسريبات بأن الموقف الأوروبي الجديد يرتبط بقدر كبير بجملة من العوامل والمؤثرات الجديدة التي من أبرزها:
• تغيير الإدراك الأوروبي الغربي إزاء سوريا، فالأوروبيون وعلى خلفية انكشاف الملفات الخفية التي انطوت عليها أحداث الأزمة اللبنانية وأصبحوا أكثر إدراكاً لطبيعة الأيادي الخفية ومعطيات نظرية المؤامرة التي حاولت استخدام الأزمة اللبنانية لجهة استهداف دمشق.
• تغير الإدراك الأوروبي – الغربي إزاء واشنطن فالأوروبيون الغربيون لم يعودوا ينظرون إلى واشنطن باعتبارها الحليف المخلص الحامي لأوروبا من الخطر الشيوعي خلال فترة الحرب الباردة وإنما تشكلت نظرة أوروبية غربية جديدة مفادها أن واشنطن ستشكل مصدر الخطر القادم ضد أوروبا خاصة وأن قيام واشنطن باستخدام الاقتصاد الأوروبي كساحة لتصدير ضغوط الأزمات الأمريكية وجعل الأوروبيين يتحملون تكاليف الأزمات الأمريكية الاقتصادية والعسكرية.
إضافة لذلك ، فإن الكثير من الخبراء الأوروبيين يرى بأن مستقبل النظام الدولي القادم سيكون ضمن وعلى غرار أحد السيناريوهات الآتية:
• سيناريو صراع بين أربعة قوى هي: الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا، الصين، وهو السيناريو الأفضل بالنسبة للأوروبيين.
• سيناريو هيمنة أمريكا: ويتضمن صعود واشنطن إلى مكانة القطب الواحد المهيمن وهو أمر لن يتحقق إلا إذا وقفت الدول الأوروبية إلى جانب أمريكا. وهو ما سيترتب عليه تبعية أوروبا لأمريكا وتخلي الاتحاد الأوروبي عن طموحاته بالوصول إلى مصاف الدول العظمى.
وتأسيساً على ذلك، فإن انفتاح علاقات الاتحاد الأوروبي على سوريا سيتيح للأوروبيين المزايا الاستراتيجية الآتية:
• حرمان واشنطن من فرض نفوذها على منطقة شرق المتوسط.
• الاستفادة من مزايا نافذة الفرصة التي ستتيحها العلاقات مع سوريا وبالذات لجهة المعاملات التجارية والاقتصادية.
• تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي في القيام بضبط استقرار منطقة شرق المتوسط.
• تعزيز قدرة الاتحاد الأوروبي في القيام بدور أفضل إزاء حل أزمات الصراع العربي – الإسرائيلي.
هذا، وبرغم خطوات الاتحاد الأوروبي الجديدة فإن خبراء إسرائيليين ما زالوا أكثر تفاؤلاً بإمكانية بناء المزيد من حملات الذرائع ضد سوريا بما يكفي لإبعاد دول الاتحاد الأوروبي عن دمشق وهي المحاولة التي من الصعب نجاحها في ظل الظروف الإقليمية والدولية التي لم تترتب على صعود إدارة ديمقراطية جديدة في أمريكا، وإنما ترتبت على تبلور إدراك أوروبي غربي جديد بضرورة عدم مسايرة الضغوط الأمريكية وأن تتبنى أوروبا أجندتها الخاصة باستقلالية تامة بدلاً عن الأجندة الأمريكية التي ظلت واشنطن تمررها عبر نافذة الأطلنطي، وبهذا الخصوص يمكن الافتراض أن مسيرة العلاقات الأوروبية – السورية هي محطة جديدة في مسيرة الاستقلال الأوروبي عن واشنطن.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد