دمشق المضمرة في خطاب نتينياهو المعلن
الجمل: منحت معطيات حقائق التاريخ والجغرافيا سوريا مكانة مركزية في منطقة شرق المتوسط، وعلى هذه الخلفية تمثل سوريا الطرف المركزي في الصراع العربي – الإسرائيلي ومن ثم وبالضرورة فإن جيوبوليتيك المنطقة يحتم أن الحقيقة أو بالأحرى النتيجة البديهية القائلة بأن السلام لابد أن يمر عبر دمشق طالما أن الحرب تمر عبرها وبكلمات أخرى فإن الشرط الموضوعي لمصداقية الحرب أو السلام في شرق المتوسط هو إشراك دمشق.
* سوريا: سر الحقيقة غير المعلنة؟
شهدت جامعة بار عيلان الإسرائيلية مساء الأمس قيام رئيس الوزراء وزعيم حزب الليكود بنيامين نتينياهو بإلقاء خطابه الحاسم الذي حدد فيه خيارات إسرائيل إزاء عملية الشرق الأوسط.
تطرقت التحليلات السياسية إلى الأبعاد المعلنة التي وردت تفاصيلها في خطاب نتينياهو، وكالعادة فإن المحللين السياسيين العرب لم يحاولوا البحث لجهة الكشف عن الأبعاد غير المعلنة في هذا الخطاب، وبكلمات أخرى لقد تجاهل الزعيم الليكودي بنيامين نتينياهو أي إشارة للسلام مع سوريا، وهو تجاهل لا يمكن القول بأنه كان من قبيل النسيان أو عدم الاهتمام، وإنما كان مقصوداً تم الترتيب له مسبقاً بواسطة الخبراء الإسرائيليين وخبراء اللوبي الإسرائيلي المرتبطين بالليكود.
لقد كان خطاب نتينياهو على الصعيد المعلن متجاهلاً لسوريا ولكنه على الصعيد غير المعلن كان خطاباً حول سوريا بامتياز، ولكي نمضي قدماً في توضيح ذلك نشير إلى التساؤلات الآتية:
• عندما فاز نتينياهو في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أعلن عن رفضه للمفاوضات وحل الدولتين مع الفلسطينيين وفي الوقت نفسه أعلن عن إمكانية المفاوضات مع سوريا والسؤال هو: لماذا تحدث بالأمس عن المفاوضات مع الفلسطينيين ولم يتحدث عن المفاوضات مع وسوريا؟
• كان نتينياهو أكثر تأييداً لصيغة "السلام مقابل السلام" كأساس للمفاوضات بدلاً عن صيغة "الأرض مقابل السلام" ولكنه بالأمس لمح إلى صيغة جديدة قام من خلالها بدمج الصيغتين ضمن صيغة واحدة هي "الأرض بعد السلام"، فما الذي يعني ذلك بالنسبة لسوريا؟ خاصة أن مساعي الوساطة الأمريكية ما تزال قائمة؟
• اهتم نتينياهو بالرد على أداء إدارة أوباما الدبلوماسي الخطابي الذي برز من خلال تصريحات الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون إزاء مطالبة إسرائيل بإجراء مفاوضات السلام والالتزام بحل الدولتين، ولكن نتينياهو لم يهتم بالرد على أداء الإدارة الأمريكية السلوكي العملي والذي تضمن إرسال المبعوثين وحضور زعماء الكونغرس الأمريكي إلى سوريا، فلماذا الاهتمام بالجانب الخطابي وتجاهل الجانب العملي؟
• خاطب نتينياهو الزعماء العرب قائلاً بأنه مستعد للذهاب إلى العواصم العربية بما في ذلك دمشق ملمحاً إلى أنه يضعها على رأس قائمته فهل معنى ذلك أن نتينياهو يسعى إلى اعتماد دبلوماسية المسار الأول بدلاً عن دبلوماسيات المسار الثاني والثالث التي كانت تتم عبر الوسطاء الأمريكيين وغيرهم مع دمشق؟
• سعى نتينياهو لتقديم مغالطة جديدة إزاء العلاقة بين السلام والأرض عندما قال بأن الاحتلال ليس هو سبب العداء والكراهية وعدم السلام وذلك لأن جيران إسرائيل كانوا دائماً معادين لإسرائيل قبل أن تقوم باحتلال الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة فهل سعى نتينياهو للتأكيد على أن انسحاب إسرائيل وإنهاء الاحتلال لن يجلب السلام لإسرائيل طالما أنه بالأساس غير موجود؟
• تطرف نتينياهو لمفهوم "توسيع دائرة السلام" ولم يحدد السلام، فما الذي يقصده نتينياهو من مطالبته بتوسيع الدائرة ورفضه القيام بتحديد ما الذي يوجد داخل الدائرة؟
هذه هي التساؤلات الرئيسية وكثيرة هي التساؤلات الفرعية الأخرى التي يمكن استنباطها واشتقاقها من هذه التساؤلات ومن أبرز التفسيرات التي يمكن الاستناد إليها عند البحث في خلفيات هذه التساؤلات يوجد نموذج واضح سبق أن تطرق إليه السفير روبرت بيلاترو والذي أكد فيه أن تاريخ المفاوضات السورية – الإسرائيلية ظل دائماً حافلاً بالحضور القوي للدور المركزي الأمريكي، فخلال الفترة من عام 1973 إلى 1975 نجحت دبلوماسية هنري كيسنجر المكوكية في التوصل إلى اتفاق فك الارتباط بين سوريا وإسرائيل وحالياً تستطيع واشنطن القيام بمثل هذه الدبلوماسية المكوكية وتأسيساً على ذلك نتساءل حول هل المقصود –وغير المعلن- من تصريح نتينياهو باستعداده لزيارة العواصم العربية هو انفراد إسرائيل باتصالات الدبلوماسية الوقائية مع سوريا والعرب بما يقطع الطريق أمام دبلوماسية الإدارة الأمريكية الوقائية الشرق أوسطية بهدف عدم السماح بصعود أي دبلوماسية أمريكية تفادياً لحدوث أي توترات جديدة على خط واشنطن – تل أبيب؟ وبكلمات أخرى لقد طرح نتينياهو رغبته في توسيع دائرة السلام والقيام بالتواصل المباشر مع العواصم العربية وهذا يضع الكرة أمام العرب لأن القبول بالتواصل المباشر مع العواصم العربية معناه ليس تغييب واشنطن وحسب وإنما مساعدة إسرائيل في تفادي الضغوط الأمريكية وعندها على العرب أن يحسبوا جيداً مدى قدرتهم على القيام بالضغط على نتينياهو.
* خيار سوريا: حسابات الغائب – الحاضر في خطاب نتينياهو؟
لم يكن من قبيل الصدفة أن قام معهد دراسات الأمن القومي أول أمس السبت –عشية خطاب نتينياهو- بإجراء استطلاع لتوجهات الرأي العام الإسرائيلي حول جملة من المواضيع والقضايا التي كان من أبرزها مستقبل مرتفعات الجولان وما هو لافت للنظر أن الذي استعرض نتائج الاستطلاع هو الخبير الإسرائيلي الذائع الصيت إيهود بن مائير.
أكد تحليل بن مائير لبيانات الاستطلاع حول مستقبل الجولان على النقاط الآتية:
• 3% من الإسرائيليين يؤيدون انسحاب إسرائيل من الجولان بشكل كامل.
• 6% من الإسرائيليين يؤيدون انسحاب إسرائيل من الجولان بشرط أن يكون خط الحدود الفاصل بين سوريا وإسرائيل بعيداً عن شاطئ بحيرة طبرية.
• 11% من الإسرائيليين يؤيدون انسحاب إسرائيل من جزء من الجولان.
• 20% من الإسرائيليين يؤيدون انسحاب إسرائيل من الجولان بشرط أن تظل المستوطنات الإسرائيلية.
• 60% من الإسرائيليين يعارضون انسحاب إسرائيل من الجولان.
ما هو مهم ولافت للنظر أن نسبة الإسرائيليين المعارضين للانسحاب من الجولان قد انخفضت حوالي 10% بعد أن كانت بحسب الاستطلاعات السابقة في حدود 70%، إضافة إلى بروز تنوع في توجهات المؤيدين للانسحاب من الجولان بما يشير إلى أن الرأي العام الإسرائيلي بدأ يشهد مرحلة انتقالية باتجاه عدم ضرورة استمرار الوجود الإسرائيلي في الجولان. وبكلمات أخرى، فإن تزايد الضغوط والمخاوف هي السبب الرئيسي في انخفاض نسبة الإسرائيليين الرافضين للانسحاب من الجولان.
التدقيق في تطور توجهات الرأي العام الإسرائيلي إزاء خيار مفاوضات السلام مع سوريا كان في أسوأ حالاته خلال عام 2006 وتحديداً عندما اندلعت الحرب بين إسرائيل وحزب الله وكان السبب الرئيسي يتمثل في موقف إدارة بوش الرافض للتفاهم والتفاوض مع دمشق ونلاحظ أن الموقف السلبي بدأ يتآكل تدريجياً.
وعلى ما يبدو فإن إدراك الرأي العام الإسرائيلي بأن مخاطر التصعيد ضد سوريا أكبر من مخاطر التهدئة معها هو إدراك سيلعب تزايده دوراً حاسماً في دفع تل أبيب إلى البحث عن المخرج خاصة وأن النخبة السياسية الإسرائيلية سبق لها أن جربت كل الطرق الخاطئة ولم تحصل على شيء، فهل سيسعى نتينياهو إلى تجريب المزيد من الطرق الخاطئة بدلاً عن الطريق الحقيقي الصحيح القائل بأن لا سلام في الشرق الأوسط بدون السلام مع سوريا وهو السلام الذي سوف لن يتحقق مطلقاً بدون إرجاع الجولان لسوريا؟
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد