دور دول جوار العراق في ظل إدارة أوباما والموقف من دمشق
الجمل: سعت إدارة بوش الجمهورية إلى استحداث شتى الوسائل التي تتيح لها القدرة على القيام بتثبيت العراق والسيطرة عليه ومن بين هذه الوسائل والأدوات كان أن لجأت إلى استخدام الترتيبات الإقليمية بما يضمن تجميع دول الجوار العراقي والضغط عليهم من أجل تقديم الدعم والمساعدة لأمريكا في العراق.
الآن، تغيرت الإدارة الأمريكية الجمهورية وجاءت بدلاً عنها إدارة أوباما الديمقراطية والتي أكدت على خيار الانسحاب من العراق وحالياُ تبرز على خلفية ذلك العديد من الأسئلة المحرجة التي يمكن أن تندرج ضمنها العديد من التساؤلات المتعلقة بدور دول الجوار الإقليمي العراقي: ما هو دور هذه الدول في عملية الانسحاب الأمريكي من العراق؟ ما هو إدراك دول الجوار العراقي لهذه العملية وهل تؤيدها جميع هذه الدول أم أن بعضها يرى خلاف ذلك؟
* دول الجوار الإقليمي وإشكالية مقاربة الوجود الأمريكي في العراق:
عندما أقدمت القوات الأمريكية في مطلع عام 2003 على غزو العراق لم يكن خافياً على أحد أن مواقف دول الجوار الإقليمي العراقي كانت على النحو الآتي:
• المعارضون لغزو العراق: سوريا وتركيا.
• الداعمون لغزو العراق: الكويت، السعودية، الأردن.
• "الصامتون": إيران!.
بعد إكمال الغزو برزت صيغة جديدة لتوازنات القوى في العراق والبيئة الإقليمية المحيطة به، وقد ترتب على هذه الصيغة الجديدة بروز معادلة جديدة لحسابات الفرص والمخاطر وكان من أبرز خطوطها العامة:
• سعي واشنطن لاستخدام معطيات تزايد المقاومة العراقية في حملة بناء الذرائع ضد سوريا.
• سعي طهران إلى استخدام المليشيات الشيعية لردع واشنطن من مغبة التمادي في محاولة استهداف إيران.
• سعي الرياض والكويت إلى توظيف الصراع العراقي – العراقي لجهة بناء الذرائع ضد إيران وتبرير استمرار الوجود الأمريكي في المنطقة لحماية الأقليات العراقية من خطر الإبادة والجماعية.
• سعت دمشق إلى رفض غزو العراق ورفض الوجود الأمريكي والأجنبي فيه إضافة إلى التأكيد المستمر بأنه لا استقرار دون إنهاء حالة الاحتلال والسيطرة الأجنبية على العراق.
• سعت عمان إلى استخدام سياسة المعايير المزدوجة لجهة الحرص على الحفاظ على علاقاتها مع العراقيين من خلال التأكيد على أهمية استقرار العراق ولجهة الحفاظ على علاقاتها مع الأمريكيين من خلال تقديم الدعم للأمريكيين وعلى وجه الخصوص في المجالات السرية والمخابراتية التي كان من أبرز ثمراتها عملية تصفية أبو مصعب الزرقاوي.
برغم وضوح توصيات تقرير لجنة بيكر – هاملتون إزاء مستقبل العراق والتفاهم مع دول الجوار الإقليمي العراقي فقد سعت إدارة بوش إلى الالتفاف على هذه التوصيات عن طريق اعتماد تقرير معهد المسعى الأمريكي الذي أعده الخبير فريدريك كاغان للرهان على التصعيد العسكري كوسيلة أساسية لاستقرار العراق.
* إدارة أوباما: هل من دور ممكن لدول الجوار الإقليمي العراقي؟
برغم تأكيد الإدارة الأمريكية الجديدة على ضرورة الخروج من العراق فإن ملف الانسحاب ما زال ينطوي على قدر كبير من الغموض وعدم الوضوح، وحتى الآن ما تزال دول الجوار الإقليمي العراقي تنظر بكثير من الشكوك واللايقين إزاء مصداقية إدارة أوباما في تنفيذ مخطط الانسحاب الكامل من العراق بمصداقية وشفافية.
نشرت مراكز الدراسات الأمريكية العديد من البحوث والتقارير والأوراق البحثية التي حاولت مقاربة إدارة الأزمة العراقية من خلال الترتيبات الإقليمية وما يجدر الإشارة إليه أن كل هذه الدراسات كانت تركز على التمسك بمذهبية تتضمن الثوابت الإدراكية الآتية:
• ضرورة إبعاد سوريا عن العراق باعتبارها المسؤولة عن زعزعة استقراره.
• يجب التعاون مع السعودية والكويت في تحقيق استقرار العراق ولكن مع التركيز على ضرورة أن ينحصر الدور السعودي والكويتي في تقديم الأموال اللازمة لتحقيق استقرار العراق.
• يجب التعاون مع الأردن في ملفات مكافحة الإرهاب وتحديداً في العمليات السرية والاستخبارية المتعلقة بمكافحة الحركات المسلحة وفي العراق.
• يجب أن يتم التعاون مع أنقرة من خلال التركيز على التفاهم الأمريكي – التركي ولكن بحذر بحيث لا يؤدي التعاون مع تركيا إلى الإضرار بمصالح حلفاء واشنطن من المسيطرين على إقليم كردستان.
• يجب استخدام الترغيب والترهيب مع إيران بما يتيح وضع طهران أمام خيار تعاون المليشيات العراقية مع سلطات الاحتلال أو خيار استهداف إيران.
على خلفية التطورات الجارية في واشنطن أصبح المشهد العراقي في واشنطن يتضمن المزيد من المقاربات الثنائية ما بين إدارة أمريكية تقول وتزعم بأنها ستنسحب من العراق وتتعاون مع دول الجوار الإقليمي العراقي ومراكز دراسات ما تزال أكثر تأكيداً على ضرورة الآتي:
• أن يكون انسحاب القوات الأمريكية على غرار إعادة انتشار هذه القوات بحيث تنسحب القوات من المدن والمناطق المأهولة وتتوجه إلى القواعد العسكرية الأمريكية التي نصت الاتفاقية الأمنية على إقامتها.
• عدم التعامل مع سوريا بخصوص العراق.
• السعي لعقد صفقة مع إيران.
وتأسيساً على ذلك يمكن الإشارة إلى أن ملف الانسحاب من العراق ما يزال موضوعاً للخلاف والجدل في أوساط الإدارة الأمريكية (الكونغرس والبيت الأبيض والبنتاغون) تسعى إلى التمسك بالوجود في العراق وأفغانستان ولكن بحيث يتم تجميد الصراع العراقي وتسخين الصراع الأفغاني أما وزارة الخارجية الأمريكية فتسعى إلى عقد الصفقات الإقليمية التي يمكن أن تجعل من استمرار الوجود الأمريكي في العراق أمراً ممكناً.
* دمشق وإشكالية توازن القوى في الجوار الإقليمي العراقي:
يعتمد منظور توازن القوى التقليدي على تصنيف دول الجوار العراقي على أساس اعتبارات أن الدول الأقوى هي تركيا وإيران وبالتالي فإن دورهما في الترتيبات الإقليمية يأتي في المقدمة. ولكن ما أغفلته هذه النظرة التقليدية يتمثل في أنها لم تسعى إلى ترتيب توازن القوى من خلال الإجابة على السؤال القائل: من هو الطرف الأكثر تأثيراً على العراق؟ وهو السؤال الذي يفضي بنا إلى الإجابة الحاسمة القائلة بأنها سوريا من خلال الشواهد الآتية:
• التاريخ القديم والوسيط والحديث يقول بأن امتداد سوريا والعراق يتمثل شراكة جيو-سياسية واحدة.
• تتطابق الخصائص الإثنو-ثقافية بين سوريا والعراق بينما تختلف هذه الخصائص تماماً مع كل من إيران وتركيا.
• التطور السياسي المعاصر في العراق يتطابق مع التطور السياسي المعاصر في سوريا وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بالتأكيد المستمر على الخيار القومي العربي.
تضمن التعامل التركي – العراقي المزيد من استخدام آليات القوة الخشنة من خلال العمليات العسكرية التركية في الشمال العراقي وتميز التعامل الإيراني – العراقي بالمزيد من استعمال القوة الخشنة وعلى وجه الخصوص في فترات الحرب العراقية – الإيرانية، أما التعامل السوري – العراقي فيتضمن قدراً كبيراً من القوة الناعمة التي تتضمن أولاً وقبل كل شيء وحدة السياق الحضاري السوري – العراقي.
سيظل مفهوم القوة الناعمة السورية غائباً لفترة طويلة عن وعي وإدراك ليس الإدارة الأمريكية فحسب وإنما كذلك مراكز الدراسات الاستراتيجية الأمريكية التي ما تزال لا تنظر للساحة العراقية إلا من خلال تباينات وانقسامات المسرح العراقي إلى شيعة في الجنوب وسنة في الوسط وأكراد في الشمال، وهو التقسيم الذي سيفقد معناه تماماً في حالة إسقاط القوة الناعمة السورية على الخارطة السياسية العراقية لأن ناتج المعادلة في هذه الحالة لن يكون هو القسمة الثلاثية وإنما هو الوطنية العراقية الواحدة.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد