دولة الاستبداد أم دولة الارهاب التكفيري، ايهما نختار؟
يطرح العديد من المثقفين والكتبة في عالمنا العربي الجانب المبدأي في مسألة موقفهم من الدولة السورية في مواجهتها للإرهاب. فهم ليسوا مع الدولة السورية ويدينون استبدادها المؤسس على تاريخ الانقلابات والمؤامرات الداخلية والخارجية. استبداد كان درة تاج الانظمة القومية وتبرير الحاكم لإستبداده " أنه لا صوت يعلو على صوت المعركة مع الصهاينة ، وإن
التراخي والسير بالديمقراطية طريقان يعبر منهما الى قلب البلاد ،مشروع التفتيت الطائفي والاثني والانحلال المتخفي بثوب الحريات والديمقراطية والعمل الحزبي" .
واقع سورية لا يمكن الهروب منه بطرح خيار ثالث هو ادانة الطرفين(الدولة كما الارهاب).
وبعض المثقفين العرب يطرحون فكرة خيار " المعارضة الديمقراطية" وهو طرح مثالي في وضعنا الحالي وهو وهم لا وجود له في سورية ولا يوجد ما يوحي بأن اي معارضة ديمقراطية حرة لا يستعبدها الخليج والاميركي والاوروبي بالمال والحماية لها وجود او من الدعم الشعبي نصيب.
الخيار في سورية محصور بين دولة الاستبداد وبين الارهاب. ليس في الامر ترف التلهي باناقة السمعة الثقافية للاشخاص المعنيين، فهم اما مع الارهاب او ضده، وادانة الطرفين تعني انهم يحاربون مع الارهاب. العبرة في النتائج لا في النوايا، والموقف السلبي حاليا من دولة الاستبداد بالمطلق تعطي الارهابيين تبريرات هم بحاجة اليها لينالوا رضى تيارات شعبية لا تتأثر بالدعاية المذهبية.
الاستبداد هو واقع كما الارهاب، ولا بد من اتخاذ موقف تجاه واحد من الخيارين، لان اي خيار ثالث غير موجود، بل إن الحياد وادانة الطرفين امر يعزز دولة الارهاب التكفيري.
دعم "دولة استبداد وطنية مقاومة وشرعية وعلمانية" بشكل مرحلي خيار عقلاني مؤقت ومحصور بعمر الحرب على الارهاب،مع عدم ترك مواقع النضال الداخلي للحصول على مكتسبات لمناضلين يسعون الى فرض " إحترام حرية الرأي" على المسؤولين الرسميين والامنيين منهم خاصة، ولمحاربي الفساد.
ومن افضل الخيارات على الاطلاق، دعم دولة المقاومة ومحاربة استبداد مسؤوليها من الداخلة عبر دعم الدعاة الى قيام عمل اهلي حقيقي، لا تسيطر عليه شخصيه تافهة هنا او امني مهووس بالشك هناك.
عمل اهلي يمول نفسه بنفسه، من تبرعات ووقت القائمين عليه، ممن يعملون لتثبيت الموقع من دولة الاستبداد برفض التفاصيل المتعلقة بقمعها للحريات ومن يرفضون تركها للمفسدين.
دعم دولة المقاومة ضد الارهاب لا يمنع بناء حركة شعبية تحارب الارهاب وتحارب الفساد في الوقت عينه غصبا عن الدولة وعبر فرض أمر واقع شعبي لا يمكن معه للرسميين التهرب مما يرضي الناس والا واجهوا العواقب التي تضر بمواقعهم لا بالدولة ككل..
بناء دولة الاستبداد ينتمي الى مرحلة عمرها نصف قرن، و لا يجب ان نحمل مسؤوليتها للرئيس بشار الاسد، فهو والشعب يتحملان مسؤولية استمرار بعض اوجهها ولهما فضل القضاء على الكثير من اوجه الاستبداد فيها حيث يشهد المعارض والموالي بأن للأسد فضل كبير في تحديث مؤسسات الدولة وفي كبج الامنيين وفي اطلاق بعض الحريات الاساسية قبل الازمة وبعدها..
هو إذ اجّل الكثير من لاصلاحات الجدية، ورضي بان يمارس موظفي ومسؤولي الحكومة وصاية حقيقية على الاصلاحات الاخيرة التي جرى اقرارها، قد يرى الامور من منظار المعركة الدولية على سورية لكنه لا يتحمل خمول الرأي العام وخضوعه لمنطق الاستعطاف لا الفرض ولمنطق التملق لا لمنطق اكتساب مصداقية المطالب المحقة بأساسيات يمكن عرضها على الرئيس مباشرة، فمن التقى بالاف المعترضين في اول الحراك المعارض يمكنه ان يعطي لوجهاء الموالاة فرصىة ووقتا لعرض مطالبهم ولدي ثقة بأن هذا الامر من قناعات الرئيس السوري ومما يفرحه ويرضيه شخصيا، فالرئيس في الحرب ليس هو من يجب ان يفتش عن تفاصيل ما يريده الشعب، بل على الشعب ان يعرض للرئيس حاجاته، ووقوف الناس عند باب المسؤول لعرض المطالب مما يضعف مستشارين من جماعة عرض شؤون البلد بمختصرات يضمنونها ما يهمهم (السطرين والتاشيرة التي يستغلونها لارتكاب الاثام) .
دولة استبداد.... لكن فيها ملامح إمرأة جميلة ورجل كريم نفس
هي دولة تطعم ملايين المهجرين وتأويهم، وتعلم مليوني طالب على نفقتها في زمن الارهاب والحرب والنزوح. وهي تعلم 750 الف طالب جامعي، عشرات الالاف منهم نزحوا من مكان لاخر . فتخيلوا كيف تستطيع ان تؤمن المعلمين والرواتب والاكاديميين لتشغيل كل تلك المؤسسات التعليمية!! الامر اشبه بالمعجزة. فضلا عن ان البلاد خلت من كوادر كثيرة وانشق عنها بالاختيار او بقوة الامر الواقع في بعض المحافظات كوادر طبية وتعليمية، ومع ذلك لم تتوقف الخدمات الطبية الحكومية المجانية ولم يتوقف راتب الاكاديميين والمعلمين. لا بل إن المراكز الثقافية والمسرحية والنشاطات الطلابية لا تزال موضع تمويل من الدولة لساعتنا هذه..
وهي دولة تدفع رواتب مليون ومئتي الف موظف حكومي منهم المعارض ومنهم المنشق، ولم تتخلف يوما عن تاريخ 27 من كل شهر لدفع الرواتب. هذا جهد جبار يسجل للدولة وان كان نظامها استبداديا..
دولة المقاومة التي لم تبع حماس مع انها جزء من تنظيم العدو الاخواني
وهي الدولة التي حفظت وحافظت على كرامة البلد سياسيا ، والتزمت بقضية المقاومة وفلسطين لا عن مصلحة ما للسلطة بل عن قناعة، فمصلحة اي سلطة عربية في الاستمرار هي مع اميركا لا مع المقاومة.
هي دولة البطولات ضد الاميركي سياسيا،وضد الاسرائيلي دعما للمقاومة وضد التكفيري، وضد كارتل دولي من كبريات القوى العالمة تقاتلها ولا تزال صامدة وتقاتل.
وهي دولة الرئيس الذي يقول عنه سماحة السيد حسن نصرالله " إنه مخطط استراتيجي رفيع المستوى، وقمة عقلية وفكرية وطاقة فاعلة في الادارة بشكل اعجازي بحيث استطاع ان يدير الحرب السياسية ويجمع الحلفاء من حوله، وخلفه، ويصمد, لا بل ويحقق انتصارات سياسية على اعتى قوى العالم" (مصدر كلام سماحته ناقل أمين من قيادات حزب الله السياسية)
لكنها نفسها الدولة التي لا تعاقب شبيحة وعفيشة يرعاهم امنيون من امثال المقدم فلان الفلاني حيث جرى أبعاد من كشف جرائمه بنقله الى موقع امني اخر ، وتُرك المقدم العفيش والخاطف حرا وجرى نقله الى موقع امني فاعل في حماة.
لا بل ان وقاحة ذلك المقدم المدعوم من اقارب ومستفيدين انه ارسل اموال لرشوة مواقع الكترونية معارضة حتى تتهم من كشف جرائمه بالجرائم التي ارتكبها هو، فنشر موقع معارض وتبعته مواقع معارضة اخرى تقاريريا تتحدث بالتفصيل عن جرائم العفيش الامني لكنها تنسبها وقالت ان من قام بها هو العقيد اياه الذي كشف جرائم المقدم العفيش!!
رعاة العفيش الامني (المقدم المنقول الى حماة) اتصلوا باكثر من وسيلة اعلامية لبنانية ونسقوا حملة اعلامية ضد العقيد (الادمي) وشنوا عليه حملة اعلامية لكسره نفسيا ومعنويا خدمة (للمعفش الخاطف ولرعاته والمستفيدين من مدخوله الشهر الزائد عن ملايين الدولارات).
هي نفسها الدولة التي لا يجد فيها القضاء فرصة لمحاسبة الفاسدين والمقصرين، وهي نفسها الدولة التي يعيث فيها الخونة تقطيعا وخسائر دون ان يلاحقهم احد، لان لكل منهم من يرعاه، وهي الدولة التي لا تعرف كيف تحمي ابناء الشهداء وهي الدولة التي تضرب معنويات مناصريها بترط قضية خدمة عائلات الشهداء والجرحى لهيئات حكومية يعرف القاصي والداني انها (تسرق حتى لفة الرسول) وهي لا تهتم بما يكفي لمعنويات جنودها وجيشها. فكيف سيقاتل جندي مغوار وهو يرى ابن جاره او ابن اخيه الشهيد دون رعاية رسمية جدية؟
ودون تأمينات حياتية لعائلته التي ما ان يستشهد معيلها حتى تصبح دون معيل؟ اللهم الا راتب يشبه الحسنة التي لا تغني عن جوع..
لا بل هي الدولة التي عاقبت قاتلا مجرما في حماة بتسليمه الامن في حلب فباعها للأتراك..
هي دولة تلاحق من يكشف الخونة والمقصرين، وتعاقب من يكشف محاولات ناجحة لاغتيال مسؤولين وتترك من قصّر ومن خان في منصبه لاسباب لها علاقة بالمحسوبيات وبحماية مسؤولين في السلطة لبعضمهم بعضا.
المخزي اكثر انها دولة لا تهتم الا بجسد المواطنين لا بارواحهم، تؤمن لهم رغيفا يكاد يكون مجانيا، وتدفع هي ضعف ما يدفع المواطن ثمنا لليتر البنزين ولكنها لا تهتم بمعنويات المواطن وخاصة اهالي المخطوفين
فتتجاوب مع متطلبات تحرير لبنانيين ولا تتابع بجدية مصير الاف المخطوفين السوريين.
هذا الأمر سببه قناعة المسؤولين بان الشعب معهم مهما فعلوا، وسببه ان لا مطاللب فعلية تصل الى حيث موقع القرار من جهة الرأي العام المكتوم صوته.
المسؤولين عن قضايا الناس لا يهتمون لوقت ولا لمتى يطلق الارهابيون سراح المخطوفين، فهؤلاء بالنسبة للمسؤولين تفصيل في معركة مصيرية بحجم ( نكون او لا نكون) وهم بالنسبة للمسؤولين فداء للوطن ما داموا ليسوا من ابنائهم. ولا يحسب لهم احد حساب لا استخفافا في أحيان كثيرة، ولكن الدولة تتجاهل نقاط ضعفها ولا تعطي لاعدائها فرصة. هي تعتبر المخطوف ميت والسلام..
وهي الدولة التي لا تعطي لجماهير مؤيديها وزنا، لكنها تقيم احتفالات امبراطورية بمسلح قتل نصف دزينة ضباط ثم تاب وعاد الى حضن الوطن. .
حتى في الانتخابات التي من المفترض على المرشح ان يسترضي ناخبيه ببيان يحمل المشروع الانتخابي الذي وان كان معروفا الا ان تحسين المحبين معنويا يتطلب استعراضا اعلاميا وخطابيا يقوي من عزيمتهم ويشعرهم انهم شركاء الحاكم لا جهة يبخل عليها بكلماته وبطلاته ويكتفي بمشورة انتخابية اكتفت " بكلمة" كمشروع انتخابي، واحتفلت بهذا المشروع الانتخابي بعد فوز الرئيس بأن عرضت على الناس صورة من كتب كلمة سوا ) )
وحتى في الحرب المستمرة منذ ثلاث سنوات وثمانية اشهر، لم تكترث الدولة بناسها، فلا يخرج على الملأ من يعطيهم الخبر اليقين، ولا يحدثهم عما يحصل زعيم ولا قائد، ولا تسعى الدولة علنا الى محاسبة بائع مواقع هنا او اعدام خائن هناك ولا يبرر احد الهزائم ولا يؤكد الانتصار..
دولة تترك كل شيء ليأمر به الرئيس، وترمي حمل كل شيء لحين وصول امر مباشر من الرئيس. دولة من يخشون اتخاذ القرار ويطلبون الختم والتوقيع من " فوق" قبل التصرف بأصغر الامور من تحت. دولة مثل هذه ينقصها الكثير من صفات الحسم عند رجال فيهم رجال وابطال كثر لكن يشوه سمعتهم ويحبط اعمالهم وبطولاتهم جبناء في مواقع مسؤولية.
وكأني بهم ينتظرون من الرئيس ان لا يكون فقط رئيسا للجمهورية، بل رئيس كل المجالس والوزارات ، والسبب ليس الرئيس نفسه، بل بعض من الجبناء في مواقع المسؤولية، ممن لا يتحملون مسؤولية تصرفهم فيما يختص بصلاحياتهم ، ويخشون العواقب لذا لا يتخذون اي اجراء..
دولة فيها ايجابيات جمة، وهي ليست افضل من الارهاب فقط بل هي وسيلة ناجحة لضرب الارهاب، لكنها دولة تحتاج لمن يأخذ بيدها الى حيث الصواب، تحتاج لجمهور يستغل فرصة الحرب ليبني تشكيلاته السياسية المستقلة الاهلية الفاعلة في دعم المجهود الحربي وفي دعم رئيس لا يجب ان ينازعه في مرحلة الحرب اي قائد ولا اي زعيم في قراره ورأيه القيادي، على ان لا يتراجع الجمهور بعدها عن الضغط على دولة الاستبداد لتتحول الى دولة مشاركة مع الشعب بحق ودولة محاسبة بحق ودولة نزاهة (نسبية) بحق ودولة تداول للسلطة بحق....
خضر عواركة - وكالة انباء اسيا
إضافة تعليق جديد