رجل في صورة امرأة.. تبديل الأدوار لمواجهة التحرّش

17-05-2013

رجل في صورة امرأة.. تبديل الأدوار لمواجهة التحرّش

«تنفق شركات الإعلان أكثر من 5 مليارات دولار سنوياً لتقول لنا كيف نفكّر». «تلعب الميديا دوراً قوياً في كيفية رؤيتنا للآخرين ولأنفسنا». هذا بعض ما يطرحه فيديو أعدّه ثلاثة طلاب، كبحث في صفّ الدراسات الجندرية والنسائية في «جامعة ساسكاتشوان» الكندية. نُشِر الفيديو على يوتيوب في نيسان الماضي، وحقَّق حتى أكثر من مليون مشاهَدة. يتناول الشريك تأثير السطوة الإعلانية في تعميم مفاهيم التمييز الجنسي، من خلال استعراض إعلانات قديمة وحديثة، تصوّر المرأة خاضعة للرجل جسدياً، وتبرز الأخير بشكلٍ مسيطرٍ وعدائي غالباً.لقطة من شريط "الزحف على الأرض" لفرقة "أنيتا درايك"
وجد الطلاب أنّ الإعلانات المنتشرة في كلّ أنحاء العالم، تصوّر المرأة والرجل بالطريقة نفسها. كما أنّ المعايير الجمالية في المشهد الإعلاني ـ الذي له الحصة الكبرى في تكوين مفاهيمنا وأذواقنا ـ ثابتة ونمطيّة، وليس من السهل تغييرها. يسأل الشريط ماذا لو قُلِبت الأدوار في الإعلانات؟ ماذا لو وضعنا الرجل مكان المرأة في الصورة الاستهلاكية؟ هنا، حوّر الطلاب صانعو الفيديو الإعلانات الشائعة، فأزالوا المرأة من موقع الصدارة، ووضعوا رجلاً مكانها. صوروا رجلاً يستلقي على الأرض شبه عارٍ بجانب قارورة عطرٍ، ورجلاً آخر يلعق البوظة، في إعلان لسراويل جينز... تمرّ تلك الصورة «المعكوسة» أمامنا، وبجانبها أرقام توضح واقع المرأة الكنديّة، ومعاناتها من العنف الأسري، والاغتصاب، والاستغلال الجنسي.
فكرة قلب الأدوار هذه ليست جديدة تماماً. خلال الأسابيع الماضية، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة تعود للعام 2001، تظهر حملة توعية صادمة قام بها الإعلامي الأميركي الساخر جون ستياروت، مع زميليه ستيفن كولبرت، وستيف كاريل. يظهر الثلاثة عراة الصدر، وفي وضعيّة تشبه تلك التي تأخذها عارضات الأزياء في معظم الإعلانات. محاكاة ساخرة حاولت الإجابة على سؤال: كيف سيظهر الرجال إذا قاموا بما تقوم به المرأة في الإعلانات؟
فكرة تبديل الأدوار تلك، في سبيل التوعية، ومساءلة التنميطات اللاحقة بالمرأة، صارت أشبه بهاجس لدى صانعي الصورة. من بين هؤلاء، المصور والمخرج الفرنسي لوران كليمان الذي صوّر فيديو عن التحرّش الجنسي... ولكنّ الضحايا فيه هم من الرجال. الشريط هو كليب لأغنية Crawling on the ground (الزحف على الأرض) لفرقة الروك الباريسيّة «أنيتا درايك». أخذ الكليب اهتماماً واسعاً في الصحافة العالميّة، لأنّه يصوّر نساءً يتحرشن برجال، في الحديقة العامة، وفي المترو، وفي الشارع... وصولاً إلى اغتصاب شابة لرفيق سهرتها. في كلّ تلك الجرائم، تكون المرأة هي الضحيّة عادةً. تبديل الأدوار كان له وقع الصدمة على متلقّي الفيديو، لأنّه بيّن من خلال تفاصيل ذكيّة، كيف يكون التحرّش الجنسي وتعنيف النساء، صورةً «مقبولة» في المجتمعات الاستهلاكيّة.
تجربة قلب الأدوار والصور، وصلت إلى العالم العربي، وإلى مصر تحديداً حيث تتفشّى ظاهرة التحرّش الجنسي. تبنّى برنامج «أول الخيط» على قناة «أون تي في» التجربة، في فيديو قصير انتقل إلى يوتيوب بعد عرضه على الشاشة، حاصداً ضجة واسعة الأسبوع الماضي. نرى الممثل المصري وليد حماد، يرتدي زيّ امرأة، ثمّ ينزل وحده إلى منطقة وسط البلد. تتبعه كاميرا خفية رصدت كل المضايقات التي تعرض لها. في القسم الثاني من الفيديو، يرتدي حماد حجاباً، ويمشي في شارع كورنيش النيل، ليزداد التحرّش سوءاً، حيث دعاه أحد المارة بطريقة مبطنة للعمل في الدعارة، وتلاحقه سيارة فخمة لأكثر من ربع ساعة.
تخطّت مشاهدات الفيديو المليون ونصف المليون على يوتيوب، وحصد ردود فعل مستنكرة. لكنه وبخلاف العملين الكندي والفرنسي، حصد تعليقات تحمّل المرأة مسؤولية التحرش بها. علّق أحدهم قائلاً أن الغطاء الذي ارتداه حماد غير كافٍ، خصوصاً أنه كان يضع الماكياج ما يبرّر التعدي عليه. وقال آخر أن الأفلام المصرية هي السبب الأول في انتشار الظاهرة! التجربة المصرية لم تهدف إلى توثيق أحداث تجري بشكل يومي في وسط البلد وأماكن أخرى، بل أرادت وضع الرجل لمدّة قصيرة في موقف الضحيّة، ورصد مشاعره...
لعبة تبادل الأدوار في عالم الصورة، تبقى حالةً هامشيّة، أمام سطوة الصورة الأخرى، الصورة الطاغية، من الإعلانات إلى الشارع. هناك، يسود الصمت على الجرائم الممارسة بحقّ المرأة، من كندا إلى لبنان ومصر... إنّها صورة واحدة، تتداخل فيها الطبقات والثقافات، تحت مظلّة نظام اجتماعي ـ إعلامي ـ اقتصادي استهلاكي، ظالم وشرس، يحكم العالم، ويكرّس أدوار الجنسين في المشهد العام، ويبرّر تنميط المرأة وجسدها.

شريط برنامج «أوّل الخيط» (مصر)
www.youtube.com/watch?v=e6hbw1pWV6E
شريط البحث الكندي
www.youtube.com/watch?v=HaB2b1w52yE
كليب فرقة «أنيتا درايك»
vimeo.com/63642198

جوي سليم

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...