رحلة بين الخرائب: سائر طوائف لبنان لديها ولاءات خارجية
الجمل- أبي حسن: وأنا في طريقي إلى بيروت أراقب آثار الإجرام الإسرائيلي ابتداء من نقطة المصنع الحدودية من نافذة السيارة, ذلك الإجرام الذي قطع عليّ سلسة تفكيري بعدد المواقع التي استهدفها على طريق دمشق- بيروت, فضلا عن انه شدني عندما رأيت مصنع الألبان المدمر في (بر الياس), وكذلك جسر المديرج, كان ثمة سؤالان فرضا نفسيهما عليّ بإلحاح,الأول منهما: هل حزب الله مايزال قوياً من بعد أن وضعت الحرب أوزارها كما كان قبل 12 تموز على صعيد الداخل اللبناني؟ وثانيهما: هل فعلا حركة 14 آذار تمثل غالبية لبنانية كما قد يُخيل للمراقب عن بعد؟
كان جواب عينة من الأصدقاء الزملاء من خارج ما يعرف بـ 14 و8 آذار, بنعم, لقد أصبح حزب الله ضعيفاً و14 آذار لاتعرف ماذا تريد بالضبط, إنها دخلت مرحلة التخبط وعدم الاستقرار. في حين يعتقد الزميل حسام عيتاني الكاتب والمحرر في صحيفة السفير أن الحزب مايزال قوياً إذ يكفيه انه صمد في حربه مع إسرائيل مايزيد عن الشهر وهذا مالم تفعله الجيوش العربية مجتمعة في أية حرب عربية إسرائيلية! إضافة إلى أن للحزب حلفاء على الساحة اللبنانية تتخطى الطائفة الشيعية, فعلى الساحة المسيحية حليفيه ميشيل عون وسليمان فرنجية, وعلى الساحة الدرزية طلال أرسلان ووئام وهاب كما له أنصار في لفيف السنة, ناهيك أن الحزب عرف كيف يحافظ على جماهيره بعيد إعلان وقف إطلاق النار وهذا أمر في غاية الأهمية. وفي وقت علل فيه الصنف الأول من الزملاء أسباب ضعف حزب الله بسبب مساحة الخراب الذي خلفته الحرب واستفراده بقرارها دون المكونات الأخرى على الساحة الداخلية, يرى عيتاني أن السيد حسن نصر كان موفقاً جدا في كلمته التي تعهد فيها بالتعويض على المتضررين وهي كلمة أتت عقب وقف إطلاق النار مباشرة, ولو أن السيد نصر الله تأخر يوماً أو أكثر في كلمته (من وجهة نظر عيتاني) لكان فقد الكثير من جماهيره.
من نافل القول إن الفئة اللبنانية الأكثر تضرراً (إن لم يكن المتضرر الوحيد) هو الشيعة, هذا ماقالته لي غالبية من رأيتهم من اللبنانيين (من الناس العاديين) فضلاً عن أن هذا ماتؤكده مناطق الاستهداف, وهنا يفيدني عيتاني أن إسرائيل عملت في حربها على مستويين, الأول منهما تدمير البنية التحتية للبلد لأسباب عدة من جملتها انفضاض ماتبقى من مكونات النسيج اللبناني عن المكون الشيعي, بكلمة أخرى تفتيت الوحدة الوطنية, أما المستوى الثاني فكان كامناً في انتقاء إسرائيل لضرب المحيط الاجتماعي لحزب الله, وهذا مارأيناه في قصفها لمعمل اللبن في البقاع (بر الياس), إذ قيل أن احد أصحابه على علاقة غير مباشرة بحزب الله. كثر هم الناس الذين أكدوا لنا أن كل من له علاقة(مهما كانت بعيدة) بحزب الله كان يتعرض للقصف حتى ولو كان دكان سمانة أو صرافاً في احد شوارع بيروت.
أسأل أحد الزملاء (المقربين من قوى 14 آذار) عن موقف تلك القوى مما جرى في الحرب, وخاصة الفضيحة (ثكنة مرجعيون) التي أذاعتها وكالات الأنباء عن وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت, فيكتفي بالقول: حتى الآن لا احد يعرف ما الذي حصل بالضبط. وفي ما يخص الحركة المزعومة ومدى امتدادها في لبنان وتمثيلها فعلاً لشرائح لبنانية عدة خاصة بعد أن شهدنا مواقفها المتباينة والمتضاربة من الحرب والمقاومة, يكتفي الزميل بالصمت. لكن (من هم خارج 14 و8 آذار) يرون أن العميد عدنان داوود (المسؤول عن ثكنة مرجعيون) شخص سيء بامتياز.
اسأل الزميل عيتاني السؤال ذاته مضيفاً اليه ماقيل عن الدورين الإيراني والسوري وهيمنة الدولتين على قرار الحزب, فيجيبني: لا, من الصعب القول إن 14 آذار ماتزال في القوة التي كانت عليها في بداية تكونها, لأكثر من سبب, إذ هي تتجاهل مكون رئيسي من مكونات الشعب اللبناني ألا وهو الشيعة, من ثم أنها لاتمثل كل من تدعي أنها تمثلهم من فئات الشعب اللبناني, ناهيك عن أن بعض من كان ينطوي تحتها من فئات لبنانية مختلفة باتوا يشعرون أن هذه المجموعة من القوى لاتمثلهم ولاتعبر عن مصالحهم. من جهة أخرى ليس حزب الله وحده من له علاقة بخارج ما, فهاهي دار الفتوى تتلقى مساعدات من السعودية, كما أن هناك بعض المسيحيين يقومون بقداس سنوي لأجل فرنسا (؟!), لكن حزب الله ظهر في هذه المسألة على السطح دون سواه بسبب من صراعه مع إسرائيل وهذا يعني انه محط أنظار الجميع!
ويضيف عيتاني: ببساطة حزب الله لديه إستراتيجية واضحة, ففي مقدمة أولوياته الصراع مع إسرائيل, وهذا لايعني أن القوى الأخرى في لبنان لاتعادي إسرائيل, لكن لم يعد هذا الصراع بالنسبة إليها أولية إذا ماقوبل وقورن مع الاستقرار والإعمار الخ..
ناقشت أصدقائي اللبنانيين برأي كنت قد سمعته في سوريا من قبل بعض السوريين, أثناء معمعة الحرب, إذ قال احد الذين صادفتهم مبرراً ردة فعل بعض اللبنانيين على حزب الله وكيفية سيطرة إيران عليه: "تصور أن لدينا مقاومة في الجولان تديرها تركيا؟", الأصدقاء من خارج سربي 14 و8 آذار هللوا للرأي, في وقت كانت هناك فعلا قوى داخل لبنان تخشى من تمدد الحزب ضمن النسيج اللبناني القائم أصلاً على الاختلاف والتنافر, هنا يفيدني عيتاني الذي كان له مقالاً (أو سلسلة مقالات)أثناء الحرب يعاتب فيه حزب الله لحصره مجاهديه بطائفة واحدة وفي الحرب يطلب من كل الطوائف اللبنانية الالتزام الوطني حسب (مقالة)عيتاني الذي يفسر رأيه مبرراً موقف حزب الله (بعد الحرب): لا تنسى أن لبنان دولة أقرب ماتكون إلى الكونفودرالية القائمة على أسس طائفية, أما في مايتعلق بتطوير الحزب بحيث يتعدى المسألة الطائفية على الصعيد التنظيمي فجوابي هو انه علينا أن نفهم طبيعة تكوين الدولة اللبنانية.. يستدرك فجأة قائلاً: ألم تقرأ ماقاله نصر الله في حواره مع "السفير" منذ يومين؟ (يقول نصر الله لـ "السفير" في الخامس من الشهر الجاري: أما تطوير الحزب ليدخل كحزب تنظيمي إلى مساحات جديدة, فهذا بحاجة إلى دراسة دقيقة لأنه يجب أن نراعي فيه الحساسيات حتى لايقال إن الحزب يريد أن يتوسع) أي تمدد حزب الله على حساب باقي النسيج اللبناني.
بدا لي الصديق حسام عيتاني منافحاً عن حزب الله أكثر من مقاتلي الحزب, لذا أسأله: أليس حزب الله هو من منع القوى الأخرى من العمل في الجنوب محتكراً الصراع مع إسرائيل؟ أُردف قائلاً: كان هناك الحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي! .. يبتسم عيتاني معللاً: عندما بدأ الصراع في الثمانينات كان الحزب الشيوعي يعيش شيخوخته ناهيك عن أن منظومة الدول الاشتراكية (الاتحاد السوفيتي) كانت تعيش مرحلة تفككها أو في بداية تفككها, ولا شك أن السوريين أدركوا أن الرهان على الشيوعيين في قضية الصراع مع إسرائيل غير مجد. في حين رأى زملاء آخرون أن الحزب السوري القومي كان قد دُجن لصالح المخابرات العسكرية (السورية), وفي هذا الوقت كان قد بدأ حزب الله يظهر كقوة واعدة وفاعلة, فكان من مصلحة الجميع الاهتمام به.
أنظر إلى ساعة الحائط في مبنى "السفير", تشير إلى الثلاثة بعد الظهر, مازال أمامي زيارة قصيرة إلى الضاحية الجنوبية أو ماتبقى منها, أصطحب سائقاً (مصادفة كان السائق سورياً). كان من الصعب عليّ أن اصدق أن ما أراه هو الضاحية الجنوبية, فما كنا نشاهده على شاشات التلفزة حقاً أعجز من أن يعبر عن هول الدمار و ليس بمقدوره أن يعكس حقيقة الوحشية الإسرائيلية, فلقد تعززت لديّ قناعة أن الواقع أقوى من الصورة مهما ارتقت في صدقها! يقول مرافقي (السائق السوري) وهو يشير بيده إلى ركام لايعلو على المترين: "هنا كانت تنهض بناية من إحدى عشر طابقاً, كنت آتي إليها لاصطحاب عائلة لبنانية بين حين وآخر إلى جسر شارل الحلو, ذلك عندما تنوي السفر إلى دمشق", ثم يضيف "أنا نفسي لم اعرف المنطقة لو لم أسأل عنها وحتى الآن أرى ولا أصدق ما أراه!".
الجمل
إضافة تعليق جديد