رغد صدام حسين
الجمل ـ خاص: "كأن هذه الحرب ضدي وحدي"
هكذا لخصت ضباع الأخت الكبرى للزير سالم حرب البسوس التي التهمت فيما التهمت زوجها وأشقاءها وأبناءها الموزعين على كلا الضفتين.
تستطيع رغد صدام حسين أن تكرر الجملة بحرفيتها، كما أستطيع أنا وابنتك، أو كما يستطيع كل من يسكن هذه الأرض.
تبدو هذه الحرب وكأنها ضد كل منا وحده، لكن رغد تليق بالجملة كما يليق الحزن بأرض العراق.
بظهورها على شاشة التلفزيون كثفت رغد العراق كله وتاريخ العراق بمنديل الحداد الأبيض الذي يلف رأسها، وبكل حزن الدنيا المرشوش على قسمات وجهها.
لخصت رغد بظهورها الجارح الحالة ببساطة: مصير هذه الأسرة (وكما كان يجب أن نعرف منذ البداية) لا يختلف عن مصير أية أسرة عراقية، قتلى وسجناء ومنفيين، وامرأة أخيرة تحاول إخفاء أنوثتها وللأمانة فهي في حالة رغد أنوثة عصية على الإخفاء وتحاول لملمة بقايا كبريائها وتجفيف ما تستطيع من دموعها، ومن دماء زوجها عن أصابع أبيها، ودماء آخرين لوثت أصابع الاثنين معاً.
تحاول إخفاء ولملمة وتجفيف آلاف الأشياء الأخرى، لتبدو بديلاً لرجال تلاشوا دفعة واحدة، تحاول الانتماء لما لا يُنتمى إليه، وتحاول اثبات ما ليس صحيحاً بالمطلق.
قاست هذه المرأة ما لا يمكن لعقل أن يتخيله، هل يمكن لأي منا أن يتخيل نفسه ابنة لصدام حسين؟ لو قلت ابناً لكان السؤال أسهل بكثير ولا أحد يعرف كيف كانت طفولة هذه المرأة، لكن لا يصعب التخيل، فهي على أعتاب الطفولة تحديداً في سن السادسة عشرة أجبرت (بالضرورة أجبرت) على الزواج من سائق دراجة نارية، بل وإنجاب خمسة أبناء منه لأن ولاءه موضع ثقة، ثم الطلاق وقتل هذا السائق في يوم واحد لأن الولاء كان زائفاً.
امرأة في أسرة من الذكور الطغاة، من الطبيعي إذاً أن تكون الضحية الأقرب، وهي محرومة بحكم تكوينها من أي حصة من إرث الطغيان هذا، وحين زال الإرث والورثة كان عليها أن تنبري لتحمل الجزء الأثقل من التركة.
أن تبدو متماسكة فيما يحق لها أقصى درجات الانهيار، وأن تبكي ما لا يحزن أحداً، وتدعو إلى ما لن يلبيه أحد.
محنة رغد الكبرى لم تكن في الموت والسجن والنفي لكل ما حولها، بل في أن القدر أساساً اختارها لتكون ابنة وأختاً وزوجة لرجال اعتقد كل منهم على الدوام أنه جدير بتقرير متى يستحق الآخرون الموت.
أيتها الغريبة! لن تجدي في هذا العالم الواسع من يتعاطف مع حزنك.
أيتها الغريبة! ضللينا أكثر، واصلي عنادك وعناد أوهامك، فربما تساعدينا على استعادة بشريتنا والتعاطف معك بل وحتى مع رجل كأبيك.
الجمل
إضافة تعليق جديد