ستة مصادر رئيسية تصنع معارف السوريين: التلفزيون أولاً
نادراً ما تهتم المسوح والدراسات الإحصائية التي تجرى في سوريا، بالبحث في المصادر والقنوات التي يلجأ إليها السوريون للحصول على المعرفة والمعلومة في موضوع معين. وإن حدث، فذلك يتم بشكل عام من دون تحديد لهذه المصادر، ولمساحة تأثيرها في تشكيل الرأي العام.
أخيراً، خرج على هذا التقليد غير الواقعي بحثان مهمان، الأول هو مسح السكان الذي جرى تنفيذه في عام 2014، وميزته أنه شمل مختلف المناطق، بما فيها تلك الخاضعة لسيطرة المجموعات المسلحة والتنظيمات التكفيرية، ويتوقع إعلان نتائجه قريباً.
البحث الثاني يتعلق بمسح صدرت نتائجه أخيراً، وهدف إلى تقويمٍ لواقع ومستوى مصادر معرفة وسلوكيات القائمين على رعاية الأطفال في الأسرة بالمجالين الصحي والاجتماعي، وتم بالتعاون ما بين منظمة الأمم المتحدة للطفولة، والمكتب المركزي للإحصاء، ووزارة الإعلام السورية. وميزة هذا المسح أنه يركز على الأفراد المؤثرين في الأسرة السورية، والقائمين على رعاية الأطفال، أي على مستقبل سوريا، وتالياً فإن قراءة النتائج تتعدى أهداف المسح، والمحددة في الجانبين الصحي والاجتماعي.
ستة مصادر
المسح الذي نفذ على عينة مؤلفة من 3695 أسرة موزعة على إحدى عشرة محافظة، خلص إلى نتائج مهمة يمكنها أن ترسم جانباً أساسياً من تأثيرات الحرب على يوميات الأسرة السورية صحياً واجتماعياً، وانعكاس ذلك على مستقبلها ونشأة أفرادها.
في مقدمة تلك النتائج ما يتعلق بمصادر المعرفة للقائمين على رعاية الأطفال، إذ حدد المسح ستة مصادر رئيسية لحصول هؤلاء على الأخبار والمعلومات، تصدرها كما هو متوقع التلفاز بنسبة 93,60%، تلاه أفراد العائلة والأقارب بنسبة 81,50%، أما المصدر الثالث المهم في الحصول على الأخبار فيتمثل في الجيران والأصدقاء ووجهاء المجتمع بنسبة 71,60%، كما يستمد مقدمو الرعاية أخبارهم من خلال الخدمات الاخبارية عبر الرسائل النصية بنسبة 30,40% كمصدر رابع، أما العاملون المتطوعون في الإغاثة فيمثلون المصدر الخامس بنسبة 13%، وشكّل رجال الدين المصدر السادس بنسبة 11.5%.
ولأسباب كثيرة، فإن الصحف المطبوعة كانت خارج دائرة المصادر الرئيسية لأخبار ومعلومات الشريحة المبحوثة، إذ تؤكد نتائج المسح أن متابعة الأسر السورية للصحف المحلية هي من النادر جداً، كما أن متابعة الصحف غير السورية شبه معدوم. وتتفاوت المحافظات من حيث نسبة قراءة الصحف فيها، فهي في محافظة طرطوس تبلغ الذروة، وفي محافظة الحسكة تنخفض إلى أدنى درجة لها. أما الصحف الأكثر متابعة فهي بحسب إجابات المبحوثين: الثورة، الفداء، البعث، تشرين، والوطن كصحف سورية، والأخبار والسفير كصحف عربية. لكن اللافت هنا إشارة المسح إلى وجود صحيفتين محليتين (كرديتين) في محافظة الحسكة تحظيان بالمتابعة، هما «كردستان» و«روناهي».
وعلى عكس الرأي الشائع من أن وسائل التواصل الاجتماعي تجتاح مختلف فئات المجتمع، فإن نتائج المسح لا تشير إلى وجود انتشار واسع لهذه الوسائل لدى مقدمي الرعاية للأطفال، حيث لم تتجاوز نسبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي 56.59%، الأمر الذي يرسخ حقيقة أن الفئات العمرية الشابة هي التي «تحتكر» الاستخدام المكثف لهذه الوسائل. وتوضح بيانات المسح أن الهدف الرئيسي من استخدام وسائل التواصل يتمثل في التسلية والدردشة بالدرجة الأولى، ثم الحصول على الأخبار بالدرجة الثانية، فالبحث عن معلومة مفيدة بالدرجة الثالثة.
لكن، ماذا لو تعذرت مشاهدة القنوات التلفزيونية، فما هو بديل الأسر السورية للحصول على الأخبار والمعلومات؟
في الإجابة عن هذا السؤال، يؤكد المبحوثون أن مصدرهم البديل سيكون في المقام الأول أفراد العائلة والأصدقاء بنسبة 63,20%، ثم مواقع الإنترنت بنسبة 14,70%، والبث الإذاعي بالدرجة الثالثة 9,70%. وهذه نتيجة اعتبرها القائمون على تحليل نتائج المسح «فرصة أمام العاملين في مجال الإعلام الإذاعي المسموع للتفكير في آليات جديدة ومبتكرة لجذب جمهور البث التلفزيوني، أو جزء منه، لمتابعة البث الإذاعي بشكل أكبر في ظل ظروف التقنين الكهربائي الحالية». وتبرز أهمية هذا الأمر بشكل أكبر عند معرفة أن البث الإذاعي كمصدر للمعلومات بالنسبة إلى مقدمي الرعاية، جاء في المرتبة الثانية بعد أفراد العائلة والأصدقاء في محافظات: دمشق، اللاذقية، الحسكة ودير الزور. وفي المرتبة الثالثة في محافظات: حلب، حمص، طرطوس، درعا والسويداء».
الأشخاص الموثوقون
غيّرت الأزمة عبر سنواتها الست الماضية كثيراً من معتقدات المجتمع، ولا سيما مع فشل جهود العديد من وجهاء المناطق والأحياء وزعماء العشائر والقبائل في حقن الدماء، لا بل وسقوط بعضهم شعبياً، وتالياً فإن من المهم، بعد تلك التجربة، أن يسأل كثيرون عن ماهية الأشخاص الذين يثق بهم الشارع السوري حالياً، بغية استثمارهم في المرحلة الأصعب المقبلة عليها البلاد ما بعد الأزمة، والمتعلقة بالمصالحة والتسامح وردم الشرخ الاجتماعي الذي أحدثته السنوات الماضية.
في هذا المسح، قال المبحوثون إنه في حالة غياب وسائل الإعلام العامة، فإنهم يثقون بعدة أشخاص لتلقي المعلومات، يأتي في مقدمهم المتطوعون والعاملون في جمعيات الإغاثة من المجتمع المحلي بنسبة 32,30%، المتخصصون في مجالات معينة (طبيب/ مدرس) بنسبة 30,60%، وجهاء المجتمع المحلي (المختار ــ رئيس بلدية/ منطقة) بنسبة 21,80%، فيما احتل رجال الدين المرتبة الأخيرة بنسبة 15,30%. مع الإشارة إلى تباين ترتيب هؤلاء «الأشخاص الموثوقين» تبعاً لكل محافظة، فمثلاً المتطوعون والعاملون في جمعيات الإغاثة هم في المرتبة الأولى بمحافظات حماة واللاذقية وطرطوس، وفي المرتبة الثالثة بالنسبة إلى محافظات دمشق وريف دمشق والسويداء، أما رجال الدين فكانت مرتبتهم الأولى في محافظتي درعا والحسكة، والمرتبة الثانية في محافظات حماة واللاذقية والسويداء، وفي المرتبة الثالثة في محافظة ريف دمشق. أما المتخصصون في مجالات معينة كالأطباء والمدرسين، فكانوا في المرتبة الأولى بالموثوقية في محافظات دمشق والحسكة والسويداء، وفي المرتبة الثانية في محافظات حلب وريف دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس، وفي المرتبة الثالثة بالنسبة إلى مقدمي الرعاية في محافظة حماة، أما وجهاء المجتمع المحلي فقد كانوا في المرتبة الأولى في محافظات حلب وريف دمشق وحمص، وفي المرتبة الثانية في محافظتي دمشق والسويداء.
مؤشرات الخطر
من بين المؤشرات الكثيرة التي يخلص إليها المسح، وتكشف بوضوح حجم الأثر الذي تركته الأزمة على الأسرة السورية، ما يتعلق بانتظام أفرادها بالتعليم، إذ لا تشير البيانات إلى فروق تذكر بين الذكور والإناث، من حيث مسألة عدم الانتظام بالدراسة، لكنها تشير إلى فروق نوعية بين الجنسين في أسباب عدم الالتحاق أو الانتظام بالمدرسة أو متابعة التعليم. فمثلاً تؤكد النتائج أن عدم انتظام الإناث بالمدرسة أو عدم متابعتهن للتعليم عائد بالدرجة الأولى (24,6%) إلى هاجس الأمن والأمان والخوف من تعرضهن للأذى والتحرش والاعتداء، فالتكاليف المالية بنسبة 14,2%، ثم الزواج المبكر بنسبة 13,1%، فاعتقاد الأهالي بعدم الحاجة إلى تعليم الفتاة بنسبة 12,6%، وأخيراً الوضع الصحي 10,4%.
ولا تبدو أولويات ونسب الإنفاق على الأطفال مفاجئة، ولا سيما في ظل التقديرات غير الرسمية المتداولة حول حجم ما تحتاج إليه الأسرة السورية شهرياً من دخل لتغطية احتياجاتها، فالمواد الغذائية تتصدر الأولويات كما هو متوقع، إنما نسبتها من إجمالي الإنفاق تبدو قليلة، فهي لا تتعدى في المسح الحالي 34,6%، يليها الإنفاق على الملابس بنسبة 30,4%، فالتدفئة 17%، المنتجات الصحية 14,5%، الترفيه 2,1%، التعليم والدورات التعليمية 1,4%، وأخيراً العلاج 0,1%، وهنا يكمن أحد المخاطر الرئيسية المهددة لصحة الأطفال السوريين وسلامتهم.
زياد غصن
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد