سجال إسرائيلي حول جدوى الاغتيالات وتكاليفها
أثار اغتيال القائد في حزب الله الشهيد عماد مغنية مجدداً السجال في إسرائيل حول جدوى عمليات الاغتيال ومقدار مساهمتها في تعظيم القدرة الردعية الإسرائيلية.
ويشارك في هذا السجال معلقون ورجال أمن سابقون، فيما يبتعد عنه بشكل متعمد الساسة وقادة الأمن حالياً. ويرتكز السجال في جوانبه الأساسية إما إلى تجربة الماضي لمن يعارضونه أو لآثاره المعنوية اللحظية والانتقامية لمن يؤيدونه.
وفي هذا السياق، كرست نشرة «مباط عال»، الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي في إسرائيل اهتمامها بهذا الأمر. وكتب الباحث يورام شفيتسر إن تفجير مغنية في دمشق أنهى مـطاردة استمرت أكثر من عقدين من الزمان. غير أن التجربة التاريخية في نظر شفيتسر تشير إلى أن الحل لمشــكلة الإرهاب العالمي لا يتلخص في إبعاد شخص، مهــما علت قيمته أو في توجيه ضربة مهما بلغت شدتها. وأوضـح أن هــذه القاعدة تسري على وجه الخصـوص على حــزب الله، الذي يستند على قاعــدة اجتمــاعية وسياسية وديـنية وعسكرية صلبـة ويحـظى بدعــم مكثـف من جانب سوريا وإيران.
ومع ذلك لاحظ شفيتسر أن الفارق بين مغنية وقادة تنظيم القاعدة يكمن في أن الأول حصر فعله في مسرح محدد كلبنان وسوريا وإيران وليس في مناطق نائية جغرافياً. واعتبر أن الوصول إلى مغنية، بعد كل هذه المطاردة الطويلة التي تشهد على خبرته ويقظته، يمثل في الوقت نفسه إشارة إلى كبار المطلوبين الآخرين. وشدّد على أن مسألة الثمن الذي يمكن أن تدفعه الدول التي تلاحق مطلوبين هي موضع خلاف، مشيراً إلى أن معضلة الثمن يجب أن تكون عاملاً بين العوامل التي تؤخذ في الحسبان عند اتخاذ القرار بتنفيذ اغتيالات أو تأجيل تنفيذها.
وأوضح شفيتسر أن خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في تشييع مغنية عبر عن روح الثأر المتعاظمة في حزب الله وفي عقلية الشرق الأوسط. ولكن الأهم أن الخطاب عبر عن رغبة حزب الله وإيران وسوريا في المحافظة على توازن رعب مع إسرائيل، وإعادة بلورة قواعد اللعبة معها.
وفي نظره شطبت إسرائيل في حرب لبنان الثانية الخطوط الحمر التي كان حزب الله قد فرضها بعمليات التفجير في الأرجنتين، والتي أجبرت الدولة العبرية على انتهاج أقصى درجات الحذر في لبنان، فامتناع إسرائيل عن المساس بقادة حزب الله وضرب مقاره انتهى في حرب لبنان الثانية، وحزب الله يحاول اليوم استغلال المشروعية التي يراها في الرد على اغتيال مغنية لتنفيذ رد عنيف جداً، على أرضية انتهاك إسرائيل لقواعد اللعبة. وفي ضوء ذلك يمكن التقدير بدرجة عالية من المعقولية أن حــزب الله وإيــران يفكران بـرد استثنائي على اغتيال مغنية وأن ما تبقى هو التوقيت ونوعية الرد.
وبعد أن عدّدت الباحثة في معهد أبحاث الأمن القومي عنات كورتس، في موقع «معاريف» الألكتروني، الفوائد التي تجنيها إسرائيل من اغتيال مغنية، اعتبرت أنه «لا مجال للسذاجة: فأبعاد قتل مغنية متوقعة. كما أن مطاردته لم تكن ترمي إلى تحطيم قدرة حزب الله على العمل. فلم يخلق بعد التنظيم الإرهابي الذي يستند إلى تأييد شعبي واسع، يقود اغتيال زعيمه أو سلسلة زعمائه إلى دفعه نحو إلقاء سلاحه والتوجه إلى النضال السلمي. ففي أفضل الأحوال يقود اغتيال القادة إلى إضعاف قدرات هذه التنظيمات العملانية لفترة قصيرة، ويقود لنزول القيادات الباقية إلى العمل السري».
وذكرت كورتس بأن اغتيال الزعيم الفتحاوي أبو جهاد الوزير لم يقد إلى إنهاء الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وربما أنه لو بقي على قيد الحياة لكان بين من يفاوضون إسرائيل حالياً، كما أن اغتيال زعيم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور فتحي الشقاقي لم يمنع منظمته من أن تؤدي دورا مركزيا في النضال الفلسطيني اللاحق ضد إسرائيل، مشــيرة إلى أن قتل القائد الثوري تشي غيفارا خلق حوله هالة فخر ومجد لم يكن يحظى بها في حياته، وقد بــات مرشداً للآخرين بعده. وأضافت أن إسرائيل تلقت حـسن نصر الله بعد اغتيالها الأمين السابق لحزب الله الشهيد عباس الموسوي.
ومع ذلك رأت كورتس أنه يصعب تخيل تضييع جهاز استخباراتي لفرصة اغتيال شخص مثل مغنية، بسبب الخشية من الانتقام اللاحق، ولذلك يقال إن المطلوب من عمليات كهذه هو التحذير والردع. فمهمة القول بخلاف ذلك مهمة صعبة في نظرها خاصة في ضوء القول المأثور «بادر إلى قتل من ينوي قتلك».
ومع ذلك، خلصت إلى أن الحل مع حزب الله ليس في القتل، وإنما في مبادرة سياسية لحل الأزمة بين أميركا وكل من سوريا وإيران الداعمتين الأساسيتين له. غير أن مثل هذا الحل غير متوفر الآن في نظر كورتس، موضحة أن مغنية بات في العالم الآخر، ولكنه اصبح ملهما لتوجيه فعل حزب الله، فقد توفرت الذريعة الفورية لعملية اغتيال أخرى بعد أن بات انتقام حزب الله قائماً وتتبعه دائرة من الانتقامات.
من جهته، رأى رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق شلومو غازيت في «معاريف» أن «إسرائيل لها حساب طويل مع عماد مغنية، وفي إسرائيل، مثلما سبق أن قالوا، يثرثرون. وسيكون هذا، من دون ريب، مؤسفاً إذا كنا ضحية رد فعل من حزب الله من دون ذنب اقترفناه».
ولاحظ غازيت أنه «سواء كانت هذه عملية للموساد أم لا، فان تصفية مغنية تساهم بلا ريب في ترميم مكانة واعتبار الموساد الإسرائيلي في الرأي العام في إسرائيل والعالم»، وأنه «في البعد الاستراتيجي أيضا، فإن نسب العملية لإسرائيل يسهم ويعزز بناء صورة إسرائيل كدولة مبادرة، تخطط وتقريبا لها القدرة في منظومة علاقاتها مع العالم المحيط، سواء أكانت هذه الصورة صحيحة ومبررة أم لم تكن هذه صحيحة ومبررة. حسبنا أن يتعاطوا معنا كأمر لا ينبغي الاقتراب منه أو التحرش به».
أما عامــوس كرميل في «يديعوت أحرونوت» فأشار إلى ما قيل على لــسان مراسلين في التلفزيون الإسرائيلي حول أنه إذا كانــت أجهــزة إسرائيل الأمنية خبيرة وذكية إلى هذا الحد «فكــيف لا تستطيع العمل حيال هواة في قطاع غزة القــريب، وإنقاذ (الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حركة حماس جلعاد) شاليت؟».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد