سرقة أكثر من 75 من الرموز الأثرية لمدينة أفاميا
يلقبها البعض "شمس المدن" نظرا لسطوعها التاريخي وأناقة معالمها الأثرية ولعظمة قصص أبطالها الذين سطروا ملاحم أسطورية، إنها مدينة أفاميا الأثرية التي خلبت ألباب أشهر علماء الآثار وفتنت قلوب مئات الباحثين عن جذور التاريخ البشري ومن أجل ذلك كله كانت هذه المدينة الاثرية هدفا لشذاذ الآفاق أعداء الحضارة والإنسانية الذين عاثوا فيها تخريبا ونهبا وسرقة كمؤشر جديد على فكرهم الظلامي المعادي للحضارة.
وتعرضت مدينة أفاميا كغيرها من المواقع الأثرية والمتاحف في سورية خلال الأشهر الماضية لأبشع أنواع البربرية والهمجية وحالات التشويه التي لم تشهدها البشرية على مر العصور حيث استباح هؤلاء الإرهابيون تاريخها وهويتها الثقافية السورية واغتصبوا مئات المواقع فيها بتنقيب سري وتخريبي قذر بلا رادع أخلاقي أو وازع انساني.
يقول رئيس دائرة آثار حماة عبد القادر فرزات إنه في بداية الأزمة في سورية تسلل الإرهابيون إلى أطراف المدينة الأثرية ليلا لنهب كنوزها وتخريبها بأبشع الصور من خلال عمليات التنقيب العشوائي في مواقع منقب فيها سابقا من قبل البعثات التنقيبية مستخدمين أدوات الزراعة كالكريك والمعول مستهدفين اللقى الأثرية الذهبية والفضية وفي وقت لاحق أصبح الإرهابيون أكثر وقاحة ونقلوا نشاطهم القذر إلى داخل المدينة مستخدمين تقنيات حديثة كأجهزة كشف المعادن المتطورة والاليات الثقيلة حيث جرفوا المواقع المهمة في المدينة.
ويضيف رئيس الدائرة تطور شكل التنقيب لدى الإرهابيين المرتزقة فلم يعد همهم الحصول على القطع الأثرية الذهبية التي غالبا ما تكون في الطبقات العلوية للتربة انما بدؤوا في التنقيب بطبقات الأرض العميقة لسرقة الفسيفسائيات والموزاييك الأغلى ثمنا والتي لها سوق سوداء سريعة التصريف في تركيا ولبنان.
ويؤكد فرزات أن أكثر من 75 من الرموز الأثرية للمدينة تعرضت لتنقيب عشوائي اضافة الى وجود تخريب كبير طال الكثير من مفاصلها المهمة لافتا إلى أن أهالي المنطقة يتداولون على أجهزتهم الخليوية صورا لفسيفسائيات جرت عمليات نزعها من مواقع أثرية في أفاميا وتهريبها إلى الخارج الأمر الذي يؤكد حدوث أعمال واسعة من السرقة والتنقيب العشوائي.
ويشير رئيس دائرة الاثار إلى أن الجهات المختصة عثرت خلال مداهمتها أحد أوكار المجموعات الإرهابية في بلدتي قلعة المضيق والحويز على لوحتين فسيفسائيتين معدتين للتهريب ورؤوس أثرية من الحجر وتمثال نصف إمراة و20 قطعة أثرية وفخاريات تم تسليمها إلى دائرة اثار حماة لحفظها مبينا أن متحف أفاميا الواقع في بلدة قلعة المضيق والذي يعد أهم متاحف الفسيفساء في العالم تعرض هو الآخر للسرقة حيث سرق الإرهابيون منه تمثالا رخاميا لجذع إنسان ولوحة حجرية مستديرة تمثل آلهة الشمس.
ويؤكد فرزات أن دائرة آثار حماة تعمل على إنقاذ ما أمكن من الكنوز والقطع الأثرية في أفاميا من خلال عدة اجراءات متمثلة بوضع نقاط أمنية فيها لحمايتها من الإرهابيين ولصوص الآثار ومخربي التراث الإنساني إلا أن هذه الاجراءات تبقى غير كافية داعيا المجتمع المحلي والشرفاء في المنطقة إلى تحمل مسؤولياتهم تجاه هذا الإرث الحضاري وتعزيز النقاط الأمنية لتغطية المدينة بأكملها كونها تتوضع على مساحة 200 هكتار وتأمين الحماية الكاملة لمتحف أفاميا.
وتوضح مروة منصور من دائرة آثار حماة أن أهم معالم المدينة الأثرية تتمثل بالسور الذي يبلغ طوله 7 كم ويحصر مساحة المدينة البالغة 250 هكتارا كما يميزه احتواؤه على 100 برج وأيضا باب أنطاكيو وهو قوس نصر ذو 3 فتحات بني بعد زلزال عام 115 ميلادي وجدد في القرن السادس الميلادي حيث أضيفت واجهة جديدة إلى واجهته الجنوبية وشارع الأعمدة الذي يبلغ طوله1850 مترا وعرضه 5ر37 مترا مع الأروقة ويجتاز المدينة من الباب الشمالي إلى الجنوبي ويعود إلى العصر الهلني.
وتشير منصور إلى أن الأغوار من أهم معالم مدينة أفاميا حيث يبلغ عرضها 45 مترا وطولها أكثر من 150 مترا وكانت تسبقها إلى الشمال مداخل معمدة تتألف من 6 أعمدة تنبثق من كأس أقنثا وترتكز على دكات عالية مزينة بنتوءات ومعبد زيوس بيلوس وقصر الحاكم التريكلينوس والتي اثمرت عمليات التنقيب فيه عن اكتشاف عدة لوحات فسيفسائية مهمة لافتة إلى أنه من المعالم ايضا المسرح الذي بني عند الطرف الغربي الأقصى من المحور الشرقي على جزء من السور الهلني القديم ونمطه روماني وقطره حوالي 139 مترا ويعتبر أوسع مسارح العالم القديم.
وتتابع منصور من المعالم ايضا الكاتدرائية التي تبلغ مساحتها 1200 متر مربع وتنفتح إلى الشمال بواسطة رواق ضخم متقدم على الطريق الرئيسي الشرقي الغربي والقلعة موقع الأكربول وترجع في وضعها الراهن إلى الترميم الذي جرى لها في القرن الثالث عشر الميلادي والجامع العثماني ويتم الوصول إليه عبر طريق منحدر يصل الى باب القلعة والخان العثماني الذي حول الى متحف للفسيفساء إذ تحتوي قاعاته الكبيرة قطعا فسيفسائية مهمة منها فسيفساء سقراط والحكماء وفسيفساء عرائس البحر اضافة إلى النواويس.
وتقع أفاميا على بعد 60 كم شمال غرب حماة وتمتد على مساحة 250 هكتارا وورد اسمها تحت اسم "النجا" في النصوص المصرية والأكادية والحثية وارتبطت تحت اسم فرنكه بمصير الإمبراطورية الفارسية وتأسست عام 300 قبل الميلاد على الهضبة عند سفح الأكربول القديم مدينة افاميا الجديدة وكانت تشكل مع إنطاكية وسلوقيا ولاوديسيا المدن الرئيسية الأربع في سورية التي كانت مكلفة بحماية المنفذ الوحيد للإمبراطورية السلوقية على البحر.
الأمر المؤكد أن أفاميا ومهما فعل الإرهابيون من أعمال إجرامية ستبقى لؤلؤة مدن الشرق بجهود الجهات المعنية بالتعاون مع أهالي المنطقة الشرفاء الحريصين على تاريخ سورية الأثري والحضاري وستصمد في وجه هذه الهجمة الإرهابية كما صمدت من قبل أمام الكوارث التي تعرضت لها على مر التاريخ حيث اجتاحها القائد الروماني بومباي عام 34 قبل الميلاد وأدرمانيس عام 573 ميلادي وتعرضت لهزات أرضية عديدة في عام115 ميلادي وفي عام /526 / 528/ ميلادي لكنه كان يعاد تجديدها وترميمها إلى أن دمرت بقوة الطبيعة بالزلزالين الكارثيين1175 -1170 حيث لجأ سكانها إلى الأكربول قلعة الحصن حاليا.
عيسى حمود
المصدر: سانا
إضافة تعليق جديد