سعاد جروس : تفاءلوا بالخير ..العريس متين والعروسة متينة
الجمل ـ سعاد جروس :يتندر الحمويون بالحديث عن شخص معروف بنهفاته, ويتذكرون بيانه الانتخابي الذي أصدره في الدورة الماضية لانتخابات مجلس الشعب, وجاء فيه صفحة من إشارات استفهام ينتهي سطرها الأخير بجملة: «تفاءلوا بالخير تجدوه».
صاحب البيان كما علمنا مات على أهون سبب, ولم يُكتب له متابعة وقائع الانتخابات للدور التاسع, وكانت دونما شك ستسعده, فقد اُعتمد بيانه من قبل الحكومة ومجلس الشعب في الدور التشريعي الماضي, وسيستمر في الدور المقبل, وهو ما بشرت به الحملات الدعائية للسادة المرشحين, فكل شيء يبدو غير مفهوم أولاً, وتدور حوله ألف إشارة استفهام ومثلها تعجب ثانياً, ومع ذلك لا بد من التفاؤل, لعل وعسى, رغم اليقين بأن نهايتنا لن تتأخر ولن تختلف عن نهاية صاحب البيان, إن لم يكن على أهون الأسباب, فبسبب جوهري هو سياسة حكومتنا الرشيدة, التي لا تفتأ تروضنا وتخدرنا بتصريحات تطمينية, من نمط الاقتصاد متين والشعب أمتن أو بالعكس, تيمناً بالشطر الأول فقط من موال سمير غانم في مسرحية «المتزوجون»: العريس متين والعروسة متينة.
وهنا طبعاً لايمكن تجاوز إشارات الاستفهام إذا شئنا تفسير معاني المتين, والمتينة, والمتانة, من دون الوصول إلى الأمتن, وبالاستناد إلى تجليات المتانة في حياة المواطن غير المتينة, وبمعنى أوضح المخلعة. فكيف يكون الاقتصاد متيناً, إذا كان كانت الطبقة الوسطى تتبخر وآخذة طريقها إلى التلاشي, وطبقة الفقراء تتوسع وتزداد فقراً وشقاءً, وثلة الأغنياء تزداد ثراء ورفاهية؟! وما معنى المتانة, حين يتراجع الإنتاج ويتقدم الاقتصاد الخدمي, لنقفز من الاقتصاد الزراعي واقتصاد العلكة والصابون إلى اقتصاد الاستثمار السياحي, مثلنا مثل الدول الشحيحة الموارد المرتاحة للمساعدات والسياحة, دون أن يقلقنا هاجس رمي الفتيش الدولي الطارد للسياح والضارب لعمق الاقتصاد, لأن الشعب الذي سيتعود على تقديم الخدمات لا يضيره استبدال الخبز بالشكوبرنس. في منتجع كبير نخطط له يبدأ من قلب المدن القديمة وفق مشروع تأهيل دمشق القديمة ليشمل الغابات في أعالي جبالنا الشماء بحسب قانون الأحراج الجديد منتجع هو الجنة حيث لا ألم ولا وجع ولا تعب بإدارة أرباب المال؛ فالاقتصاد متين, كما أكد شعار أحد كبار الصناعيين المرشحين لمجلس الشعب, والأخير أي الشعب محافظ على متانته القصوى, كما أكد ويؤكد دائما رئيس حكومتنا, مستنداً إلى قدرة الشعب على تحمل تزايد تدني الوضع المعيشي وارتفاع أسعار كل شيء من البيض والبندورة والخيار إلى العقارات, من دون نسيان قصة المحروقات التي تبحث حكومتنا الطيبة بالفتيلة والخيط عن طريقة لإيصالها لمستحقيها. وعلينا لاحقاً ألا نتعجب ولا نستفهم, إذا تبين ان مستحقي المازوت المدعوم سيكونون من كبار الموظفين والتجار, لا البؤساء والمعترين, لسبب بسيط جداً أن المليئين €المتخمين المترنخين المترنحين€ مالياً لن يحتاجوا إلى تهريب المازوت مثل الجياع والمحرومين... وعليه يجب ألا نستغرب من أي قرار ستقدم عليه الحكومة العتيدة بخصوص المازوت, طالما أن الإصلاحات الاقتصادية تتسارع والضرائب تنخفض, بحسب تصريحات وزير المالية, لا داعي للاستفهام ولا للتعجب ولا للنقاط.
بلا شك إذا تفاءلنا بالخير سنجده وفيراً في خطابات المسؤولين المحمومة التي كثرت الأيام الماضية أثناء الحملة الانتخابية وفي المهرجانات الثقافية والسياحية والانتخابية والإرشادية الوعظية, فتلك أعراس وطنية نوه بأهميتها رئيس حكومتنا على ذمة جرائدنا الرسمية, وأهميتها تنبع من توجيه الشعب للمشاركة في مظاهر الفرح والمرح والسعادة والاصطهاج والصيف والتصييف والكيف والتكييف, وترك العمل للاستمتاع بإجازات طويلة, تعود على الاقتصاد البالغ المتانة بمبالغ هائلة من توفير المصاريف, وبالأخص الطاقة الكهربائية التي تقض مضجع الحكومة كما تبين من تعميم رقم 15367/المعطوف على ما تقرر في اجتماع مجلس الوزراء بتاريخ 9/1/2007 والموجه إلى جميع المديريات والدوائر الحكومية, والذي يطلب من الموظفين عدم استخدام الأنوار في المكاتب والمرافق في ساعات النهار إلا عند الضرورة القصوى واتخاذ كافة الإجراءات للحد من عملية الاستهلاك غير «المسؤول» للطاقة. ولا يهمل الإجراءات وهي تشكيل لجنة في كل مبنى مهمتها ترشيد استهلاك الكهرباء فتقوم بفصل الإنارة وتجهيزات التدفئة بعد انتهاء الدوام وفي أيام العطل وما أكثرها, ضبط حرارة المبنى بحيث لا تزيد عن 24 درجة ولا تقل عن 20 درجة!! التأكد من إغلاق النوافذ أثناء عمل أجهزة التكييف والتدفئة!! فصل الإنارة والاعتماد على إنارة الطبيعة مما يتطلب عدم إغلاق الستائر!! وتدقيق ومتابعة إجراءات عزل المبنى وخاصة النوافذ لتخفيف ضياع الطاقة الكهربائية... والكهربائية فقط. وعلى هذا من ماذا تشكو العتمة؟ وهل هناك أحلى من العمل بأجواء رومانسية؟ من طرفنا, نحن متفائلون, الحكومة لن تبخل على موظفيها بشموع عطرية كهدايا مجانية وحوافز تشجيعية للعمال والكادحين وأبطال الإنتاج. أما بخصوص الطاقة البشرية, فهذه لا تضيع لأنها بالأساس غير موضوعة بالخدمة, ويمكن استثمارها في المهرجانات الخطابية والراقصة كأبلغ تعبير عن متانة الشعب والذي لا بد له من إكمال موال سمير غانم في المسرحية المذكورة أعلاه:
يلي هويت المتين سيبك من المتينة/ لا المتين بينفع ولا المتينة/على الأصل دَوّر...
و«الأصل» هنا إذا شئنا ترجمة المعاني سيتصل باستفهامات بيان الظريف الحموي... وتفاءلوا بالخير لا بد وأن تجدوه... «يعني وين رح يروح»؟
بالاتفاق مع الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد