سورية وذبول سياسة العزل بعد أنابوليس
الجمل: اعتقد الكثيرون بما في ذلك الإسرائيليون والأمريكيون بأن سوريا سوف تكون الهدف الثاني للقوات الأمريكية بعد أن تحكم سيطرتها على العراق، وبعد ذلك اتسع نطاق التكهنات حول النوايا الأمريكية إزاء سوريا، بحيث انخفضت احتمالات العمل العسكري وارتفعت احتمالات العمل السياسي ضد سوريا، وبين السقف المرتفع والمنخفض بقيت سوريا أكثر التزاماً، وبرغم الغارة الإسرائيلية فإنه لم تنجح محاولات "إفزاع" دمشق من النوايا الأمريكية باتجاه دفعها إلى التنازل عن حقوقها المشروعة والقبول بالمساومة وتقديم المساعدة لإسرائيل ضد لبنان والفلسطينيين، والمساعدة للأمريكيين ضد العراقيين والإيرانيين.
جربت السياسة الخارجية الأمريكية جميع المحاولات وتحركت ضمن كل هوامش المناورة المتاحة أمامها ولكنها لم تفلح في إقناع سوريا بالتخلي عن حقوقها لصالح إسرائيل.
* المعالم الجديدة على طريق الإدراك الأمريكي - الغربي لسوريا:
نشر المحلل السياسي أليستر ليون تحليلاً حمل عنوان "سوريا تتوقع ذبول سياسة العزل بعد أنابوليس".
يشير ليون في تحليله إلى العديد من النقاط المتعلقة بالعلاقات السورية – الأمريكية، وعلاقات سوريا بالغرب خلال فترة ما بعد أنابوليس، وتتمثل أبرز هذه النقاط في الآتي:
• لم تصدر توقعات علنية من المسؤولين الأمريكيين والغربيين تشير إلى التحسن المتوقع في العلاقات مع سوريا، ولكن معظم المحللين والمراقبين والدبلوماسيين الغربيين يتحدثون عن احتمالات معتدلة إزاء إمكانية التعامل البناء مع سوريا بعد سنوات من عدم الثقة والشكوك المتبادلة.
• الإشارة إلى تعليق أحد الدبلوماسيين حول العلاقات الأمريكية – السورية الذي قال فيه "لم يحدث أي تغيير هام بعد في علاقات أمريكا مع سوريا، ولكن هناك إمكانية واحتمال أكبر لحدوث ذلك عما كان عليه من قبل..".
• على مدى العامين الماضيين كانت دمشق واقعة ضمن دائرة الضغوط الأمريكية المتزايدة بسبب مزاعم الإدارة الأمريكية التي تتهم دمشق بالقيام بدور سلبي في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية.
• تم توظيف حادثة اغتيال الحريري في إخراج سوريا من لبنان وإضعاف الدعم الأوروبي والعربي لدمشق.
* السياسة الخارجية الأمريكية وإشكالية اضطراب المعايير إزاء سوريا:
إن إدارة بوش –عن طريق تجربة سياساتها الخارجية إزاء سوريا- استطاعت أن تطرح نوعاً جديداً من المعطيات النظرية في مجال العلاقات الدولية (يتجاوز ما درج عليه علم السياسة من تصنيف للعلاقات بأنها إما علاقات تعاون وتكامل أو علاقات صراع ونزاع). بكلمات أخرى:
• علاقات التعاون التي أرادت إدارة بوش إقامتها مع سوريا تهدف إلى تضارب المصالح والنزاع والحروب.
• علاقات الصراع التي أرادت إدارة بوش إقامتها مع سوريا تهدف إلى الاستيلاء على حقوق سوريا وفرض السلام عليها لدفعها "طائعة" لتقديم التنازلات عن حقوقها لصالح إسرائيل ثم بعد ذلك تقرر أمريكا وإسرائيل إمكانية منح السلام لسوريا أو مطالبتها بالمزيد!!
يقول أليستر ليون بوجود المزيد من المعالم الجارية التي تؤكد بأن سياسة العزل التي عملت إدارة بوش على تطبيقها ضد سوريا قد أصبحت غير ذات جدوى حيث أشار المحلل إلى:
• "اضطرت" واشنطن لتغيير أجندة مؤتمر السلام في أنابوليس من أجل تأمين حضور سوريا.
• اضطر حلفاء أمريكا (فرنسا وإيطاليا بوجه خاص) إلى السعي والالتماس لدى القيادة السورية وتحديداً الرئيس السوري بشار الأسد من أجل تقديم المساعدة في حل أزمة ملف الرئاسة اللبنانية.
• بدأت مظاهر التحسن تظهر أكثر فأكثر في العلاقات السورية – السعودية، وأيضاً في علاقات سوريا مع دول "المعتدلين العرب" الموالية لتوجهات السياسة الخارجية الأمريكية إزاء سوريا.
• علّق دبلوماسي أوروبي غربي قائلاً "بعد أنابوليس نأمل أن ندخل مرحلة جديدة" وأضاف قائلاً بأن "سلوك سوريا إزاء أنابوليس ولبنان يوضح بأن سوريا أعادت إدماج نفسها ضمن الأسرة العربية بما يمكن أن يؤدي إلى تحقيق فائدة المنطقة".
• البداية "الهشة" للتواصل السوري – الأمريكي في مؤتمر أنابوليس أدى بالمقابل إلى تخفيف "صراع الوكالة" الذي ظل دائراً بين سوريا وأمريكا في الساحة اللبنانية، فقوى 14 آذار تخوض حرباً ضد سوريا بالوكالة عن أمريكا، وبرغم رفض قوى 14 آذار الشديد للعماد ميشيل سليمان في منصب الرئاسة، إلا أنها تراجعت بشكل دراماتيكي عن موقفها السابق ووافقت على تأييد تعيين العماد سليمان رئيساً للجمهورية والذي رأت دمشق أنه يمثل خيار المساومة والتسوية لأزمة ملف الرئاسة اللبنانية.
عموماً، الإدراك الأمريكي إزاء سوريا أصبح يمر بمرحلة تحول، وبرغم أن المستوى "الفوقي" –أي مستوى "دائرة إصدار القرار"- ما يزال يحاول الإيهام والتعتيم على مواقفه إزاء سوريا، فإن "دائرة صنع القرار" أصبحت تعكس تطوراً ملحوظاً في عملية قيام الإدراك الأمريكي إزاء سوريا بتصحيح نفسه بنفسه، وفي هذا الصدد أشار أليستر ليون إلى تصريحات بيتر هارلينف الخبير في المجموعة الدولية للأزمات الذي أشار فيه إلى أن:
* إدراك الأمريكيين لـ"الخطر السوري" في العراق تغير ولم يعد موجوداً.
* تعاونت سوريا مع جهود الوساطة الفرنسية في لبنان.
ونضيف إلى ذلك تصريحات القادة العسكريين الأمريكيين الميدانيين الموجودين في العراق، إضافة إلى موقف سوريا الداعي إلى الحل السلمي للأزمة التركية – الكردية… وغير ذلك، تعتبر جميعها معطيات يمكن أن تدفع دوائر صنع واتخاذ القرار الأمريكي إلى بناء فهم حقيقي لمواقف سوريا إزاء حقوقها وإزاء قضايا المنطقة والتي أصبحت أكثر تعقيداً بسبب التدخل العسكري الأمريكي والتواطؤ الأوروبي والسلبية الروسية – الصينية وارتفاع سقف الأطماع العدوانية الإسرائيلية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد