سياسة ساركوزي المتوقعة في الشرق الأوسط والعالم
الجمل: دخلت السياسة الفرنسية مرحلة جديدة، بعد إعلان فوز مرشح يمين الوسط، نيكولاس ساركوزي عن حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية (U.M.P)، وخسارة مرشحة يسار الوسط، سيغولين رويال عن الحزب الاشتراكي الفرنسي.
· المنطق وراء فوز ساركوزي:
تشير معطيات خبرة التطور السياسي إلى أن فرنسا شهدت خلال السنوات الخمس الماضية عدداً من الأحداث والوقائع، التي كان من أبرزها:
- إعادة انتخاب المرشح الاشتراكي جاك شيراك في عام 2002م، الذي كان مرشحاً عن يسار الوسط، وخسارة مرشح أقصى اليمين الفرنسي جان ماري لوبان.
- معارضة فرنسا القوية لأمريكا إزاء عملية غزو واحتلال العراق.
- رفض الفرنسيين للدستوري الأوروبي في استفتاء شعبي.
خلال هذه الفترة، بدأت عملية إعادة هيكلة واسعة في الأحزاب والقوى السياسية الفرنسية، وفي الحزب الديغولي: الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، استطاع نيكولاس ساركوزي أن يجسد النموذج الجديد المبتكر لما عُرف بـ(اليمين الجمهوري الفرنسي)، وذلك على أساس اعتبارات ضرورة أن تسعى فرنسا من أجل تجديد وتعزيز روابط عبر الأطلنطي وتقوية صلاتها وصداقتها مع أعضاء الاتحاد الأوروبي الجدد مثل بولندا، وجمهورية تشيكيا.. أما على الصعيد الداخلي فيتوجب على فرنسا أن تقلل تدريجياً من حالة الرفاه الاجتماعي، وتتحول باتجاه التنافسية الليبرالية الاقتصادية، وفرض القيود المتشددة على الهجرة.
دخل ساركوزي وأنصاره في حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية في صراع ضد المجموعة الأخرى التي كان يتزعمها دومنيك دوفيليبان وأنصاره، والذين كانوا في تحالف مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وهو تحالف مكن دوفيلبان من الحصول على منصب رئيس الوزراء في حكومة جاك شيراك.
الصراع بين مجموعة ساركوزي، ومجموعة دوفيلبان داخل حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية كان حول خيارين لا ثلاث لهما:
- أن تنتهج فرنسا السبيل الذي يؤدي لإقامة اتحاد أوروبي قوي تقوده فرنسا وألمانيا، بما يؤدي لخلق وتكوين قوى عظمى أوروبية قوية تتصرف باستقلالية عن سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وبالذات في الملفات المتعلقة بحلف الناتو، والشرق الأوسط، والخليج العربي، وآسيا الوسطى، والعلاقة مع روسيا والصين، مع التركيز وإعطاء الأولوية لتقوية علاقات فرنسا مع الدول العربية مثل المغرب، الجزائر، ليبيا، مصر، سوريا، لبنان، والعراق.. وقد كان يؤيد هذا الخيار دوفيلبان ومجموعته.
- أن تنتهج فرنسا السبيل المؤدي لتعزيز علاقتها وتحالفاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية بحيث تقسم معها النفوذ على العالم وان تتبنى نموذجاً اقتصادياً اجتماعياً وسياسياً داخلياً يتماثل تماماً مع النموذج الأمريكي السائد حالياً.. وذلك لأن التحالف مع أمريكا يدفع إلى قيام أمريكا من الناحية الأخرى بمساندة فرنسا، على النحو الذي يضع فرنسا في مكانة متفوقة على بقية دول الاتحاد الأوروبي.. كذلك فإن معارضة أمريكا في هذا الوقت لم تجلب لفرنسا سوى المشاكل والعقبات، ولم تستطع فرنسا الحصول على أي منافع من معارضتها لحرب العراق.. بل تضررت المصالح الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط.
وبحلول نهاية عام 2006م، بدا واضحاً أن الشعب الفرنسي أصبح ساخطاً بقدر كبير إزاء الأداء السياسي للنخبة الفرنسية الحاكمة، وبالذات في تصديها ومعالجاتها لملفات: البطالة، الهجرة، على خلفية عمليات العنف التي لعبت دوراً كبيراً في تهيئة الظروف المناسبة لصعود تيار ساركوزي داخل حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، وفي الشارع الفرنسي.
· السياسة الخارجية الفرنسية في المرحلة القادمة.
من المؤكد أن الخطاب السياسي، والأداء السياسي، للسياسة الخارجية الفرنسية سوف يشهدان تحولاً كبيراً، بسبب الانعطافة المؤكدة التي سوف تحدث في اتجاهات أجندة الأمن الوطني والقومي الفرنسي، وأجندة السياسية الخارجية الفرنسية.
التحالف الوثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية سوف يؤدي إلى إدماج الأجندة الفرنسية ضمن الأجندة الأمريكية، وهو أمر سوف يؤدي إلى:
- تعزيز القدرة الأمريكية في استخدام آليات السيطرة والتبعية ضد دول العالم الأخرى.
- تحول السياسة الخارجية الفرنسية من مبدأ الحياد الإيجابي النسبي بالكامل إلى مبدأ التدخل واستخدام الضغوط المبررة وغير المبررة على غرار النموذج الأمريكي السائد حالياً.
- استبدال أطروحات الواقعية السياسية بأطروحات المثالية السياسية في كافة الاعتبارات المرتبطة بالمعاملات الدولية والإقليمية.
وقد رحبت إدارة بوش وإسرائيل أشد الترحيب بفوز ساركوزي، وقالت صحيفة وول ستريب جورنال الأمريكية المتطرفة والتابعة لجماعة المحافظين الجدد بأن فوز ساركوزي سوف يعيد الحيوية والشباب والعافية لعلاقات عبر الأطلنطي التي تضررت كثيراً بسبب المعارضة الفرنسية لحرب العراق، وللعلاقات الفرنسية- الأمريكية. كذلك صرح كل من المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية والمتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، بأن فوز ساركوزي سوف يفتح مجالات واسعة للتعاون الفرنسي- الأمريكي في مجالات الحرب ضد الإرهاب، تأمين مصادر النفط، وملفات أسلحة الدمار الشامل، وقضايا الأمن الدولي.
أبرز السيناريوهات في النظام الدولي الحالي، يتوقع أن تكون سيناريوهات أكثر تطرفاً وسخونة، وبرغم تعدد هذه السيناريوهات، إلى أن السيناريوهات الأبرز، سوف تكون في الملفات الآتية:
· ملف علاقات عبر الأطلنطي: سبق أن تخلت فرنسا عن المشاركة في الجوانب العسكرية الخاصة بحلف الناتو، واكتفت بالجانب السياسي، وبالتالي فإن فوز ساركوزي سوف يعزز احتمالات أن تعود فرنسا إلى الاشتراك في أنشطة حلف الناتو العسكرية. كذلك من المؤكد أنت تؤيد فرنسا توسيع الاتحاد الأوروبي، وتوسيع حلف الناتو، ونشر المزيد من شبكات الدفاع الصاروخي في أوروبا، إضافة إلى أن التزامات الصداقة الفرنسية- الأمريكية الجديدة، سوف تدفع فرنسا إلى عرقلة مشروعات التعاون الأوروبي- الروسي التي وسعت الإدارة الأمريكية إلى محاولة عرقلتها، كذلك سوف تؤثر التوجهات الفرنسية الجديدة الموالية لأمريكا على موقف ألمانيا، والتي سوف يصعب عليها أن تقف وحدها في معارضة أمريكا، وسوف يؤدي ذلك في نهاية الأمر إلى إضعاف مشروع الاتحاد الأوروبي ودوره الاستقلالي الواقعي الذي ظل يلعبه في السياسة الدولية والإقليمية الأوروبية.
· ملف الشرق الأوسط: سوف يكون ملف الشرق الأوسط من الملفات ذات الأولوية والأهمية في السياسة الخارجية الفرنسية، وذلك لجملة من الأسباب، أبرزها طبيعة شخصية ساركوزي وبنيته النفسية والعقائدية، فهو فرنسي المولد، ولكنه يهودي ابن مهاجر هنغاري يهودي، وقد تأكدت ارتباطات ساركوزي اليهودية، من خلال أدائه السلوكي عندما كان وزيراً للداخلية، وخلال حملته الانتخابية. فقد كان من أبرز الكارهين للعرب، وتجسدت كراهيته لهم في تبنيه لسياسة متشددة إزاء الهجرة، وذلك لمنع العرب والمسلمين من الهجرة إلى فرنسا.. كذلك خلال حملة ساركوزي الانتخابية، فقد أشارت التقارير إلى قيام منظمات اللوبي الإسرائيلي والجماعات اليهودية الأوروبية والأمريكية بإغداق المزيد من الأموال الطائلة لصالح ساركوزي، بل وحتى العصابات اليهودية، مثل المافيا الروسية- الإسرائيلية، تأكد أن زعماءها كانوا يقدمون المال لساركوزي عبر الكثير من الحسابات المصرفية الوهمية في بعض البنوك الأوروبية المشهورة بغسل وتبييض الأموال.
السياسة الخارجية الفرنسية إزاء الشرق الأوسط سوف تعمل ضمن المخطط الآتي:
- المزيد من الانفتاح والصداقة والتنسيق الكامل مع إسرائيل.
- دعم الوجود العسكري الأمريكي في الخليج.
- دعم استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق.
- المشاركة مع أمريكا في الحرب ضد الإرهاب، وذلك بإرسال القوات الفرنسية إلى العراق، وأفغانستان.
- تشديد الضغوط الفرنسية على سوريا.
- التنسيق الكامل مع أمريكا وإسرائيل حول القضايا اللبنانية، بما يتضمن دعم فرنسا لتوسيع نطاق عمل واختصاصات القوات الدولية في لبنان، تحقيقاً لأهداف نزع سلاح حزب الله، ومراقبة الحدود السورية- اللبنانية، وإقامة القواعد العسكرية في لبنان.
- دعم التوجهات العدوانية الأمريكية ضد إيران، مثل العقوبات والحصار الكامل، وأيضاً المشاركة في العمل العسكري، إذا قررت أمريكا تنفيذه.
وعموماً، بالنسبة لسوريا، فإن الاستهداف الفرنسي ليس أمراً جديداً، خاصة وأنه بدأ من النصف الأول من القرن الماضي، عندما عمدت فرنسا إلى تقسيم سوريا، ونجحت في فصل لبنان عن بلده الأم، وعندما كانت السياسة الفرنسية في أحسن حالاتها على الأقل إزاء سوريا، فقد كانت تمارس حياداً ظاهرياً يصحبه الكثير من التواطؤ المتآمر لصالح إسرائيل.. وحتى جاك شيراك الزعيم الفرنسي الاشتراكي الذي يعتقد الكثيرون بحياديته، انكشفت المعلومات التي أكدت بأنه يسعى لإقناع الإسرائيليين بتوجيه حربهم ضد سوريا، ومن ثم فإن الفرق بين جاك شيراك وساركوزي بالنسبة لسوريا وبقية بلدان الشرق الأوسط، هو فرق لا معنى له، فجاك شيراك ظل يتبنى الحيادية شكلاً، ويقوم في الخفاء بتوجيه عدوانيته.. أما ساركوزي، فيتميز عن جاك شيراك بعدم الخجل والحياء، وربما الشجاعة لأنه أعلن بكل وضوح بأنه سوف يقوم علناً وأمام الملأ بتنفيذ ما كان يخجل جاك شيراك من الاعتراف بأنه كان يقوم بتنفيذه، وهو: التبعية لأمريكا، معاداة العرب، ودعم إسرائيل في السراء والضراء.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد