سيناريو الخداع الأمريكي المتوقع في العراق
الجمل: صوت مجلس الأمن الدولي في يوم 10 آب الماضي بالإجماع على تجديد مهمة بعثة الأمم المتحدة المساعدة في العراق (أونامي)، وذلك من أجل تعزيز وتقوية دورها، ويرى البعض أن هذا الإجراء يمثل في حد ذاته مناورة (بارعة) استطاع السفير الأمريكي في الأمم المتحدة، زلماني خليل زاده القيام بها.
• أبعاد المناورة:
لقد عمل السفير زلماي خليل زاده، من أجل جعل (ظهر) الولايات المتحدة يقف مسنوداً على التجمع العالمي الدولي المتعدد الأطراف الأكبر في العالم، وهو الأمم المتحدة، وذلك بما (يمهد) للولايات المتحدة الأمريكية لوضع حلول دائمة لصراعاتها وحربها المفتوحة ضد الإرهاب.
• دور الـ(أونامي) في العراق:
الدور الرئيسي الذي تم تحديده في عام 2003 لبعثة الأمم المتحدة في العراق كان يتمثل وينحصر فقط في (تقديم المشورة والمساعدة في مجالات التسهيلات السياسية والمصالحة الوطنية وترقية التعاون الإقليمي بين العراق وبلدان المنطقة، إضافة إلى الاستمرار في القيام بدور الأمم المتحدة في العراق).
ولكن كما هو معروف، فإن سلطات الاحتلال الأمريكي التي سيطرت على العراق، قد منعت بعثة الأمم المتحدة الموجودة في العراق عن القيام بأي مهمة من المهام المحددة لها.
وبرغم أن الولايات المتحدة كانت تعتمد بشكل أساسي على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي كأدوات رئيسية في فرض الضغوط على نظام صدام والمزيد من العقوبات ضد العراق، عن طريق القرارات التي كان يصدرها مجلس الأمن الدولي مثل القرارات المتعلقة بالتفتيش، والنفط مقابل الغذاء، والخطر الاقتصادي وغيرها من القرارات التي تم إصدارها لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الإدارة الأمريكية أول ما قامت به بعد احتلال العراق، هو أن تنكرت وأدارت ظهرها للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وشرعت منذ لحظات الاحتلال الأولى إلى التهميش المتعمد لميثاق الأمم المتحدة وأمانتها العامة، ومجلس الأمن الدولي التابع لها.
• أبرز المستجدات:
تقول المعلومات الواردة اليوم في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأن إدارة بوش تستعد لانتهاز فرصة تقديم الجنرال بتراوس قائد القوات الأمريكية الموجودة في العراق حالياً، لتقريره أمام الكونغرس الأمريكي في منتصف شهر أيلول القادم، والقيام بإجراء سلسلة من الانسحابات في صفوف القوات الأمريكية الموجودة حالياً في العراق.
• أبرز التساؤلات:
ماتزال النوايا الحقيقية للإدارة الأمريكية، إزاء ما سوف يقوم به البيت الأبيض في العراق في طي الكتمان، ولما كانت إدارة بوش قد عودت الجميع على سياسة المعايير المزدوجة والتحركات المزدوجة وتزامن ما هو معلن مع ما هو غير معلن، فإن التوقعات الممكنة إزاء الملف العراقي يمكن أن تتضمن أكثر من جانب وأكثر من توجه، خاصة وأن إدارة بوش تقوم في الوقت الحالي بالتحركات الآتية:
- المفاوضات المستمرة حول الملف العراقي مع إيران.
- دعم الحركات الكردية وفي الوقت نفسه تأييد انقرا.
- توجيه الانتقادات للسعودية بسبب عدم تعاونها مع الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار في العراق، وعدم التعاون مع نوري المالكي.
- توجيه الانتقادات لنوري المالكي رئيس الوزراء العراقي، وفي الوقت نفسه إجراء المشاورات مع الشخصيات المحتمل أن تتولى منصب رئيس الوزراء بدلاً عن المالكي، وبشكل يتزامن مع ذلك دعوة السياسيين العراقيين إلى دعم المالكي.
التوجهات المتضاربة تعكس من جهة مدى حالات الاضطراب والفوضى التي أصبحت تواجه إدارة بوش، ولكنها في الوقت نفسه تعكس شكوكاً متزايدة بأن كل هذه التناقضات تهدف إلى ممارسة المزيد من التضليل والخداع إزاء الآخرين.
وفي الوقت نفسه تمضي إدارة بوش في مخططاتها إزاء المنطقة وفقاً لمشروعها الخاص، تماماً مثلما استخدمت لجنة بيكر- هاميلتون كغطاء خلال نهاية وأول العام الحالي.
• سيناريو الخداع الأمريكي المحتمل:
استطاعت إدارة بوش بعد أن قامت قواتها بغزو واحتلال أفغانستان أن تقوم بتعليق المسؤولية عن الحرب برقبة أعضاء حلف الناتو.. وحالياً أصبحت الوحدات العسكرية التابعة لدول الناتو تقوم بمهام القتال الميداني في أفغانستان، واكتفت أمريكا بعد أن سحبت الأغلبية العظمى من قواتها بدور القائد والمخطط العسكري لقوات الناتو.
الكثير من التساؤلات يمكن طرحها إزاء الملف العراقي: هل تسعى أمريكا إلى الانسحاب حقيقة من العراق؟ أم أنها تسعى إلى تنفيذ سيناريو يتيح لها نظرياً الانسحاب، وعملياً إرسال المزيد من قواتها وإبقائها في العراق؟
السيناريو المتوقع يقول بأن أمريكا سوف تقوم هذه المرة بتنفيذ سيناريو إزاء الملف العراقي، يكون على غرار نموذج سيناريو دخول الناتو في حرب أفغانستان، وذلك بحيث يتم توسيع مهام الأمم المتحدة في العراق، ثم يتم بعد ذلك تكليف قوات حفظ السلام الدولية بمهمة حفظ (السلام) والاستقرار في العراق، وتقوم أمريكا بعد ذلك بالسيطرة على العراق عن طريق هذه القوات، وذلك بسبب سيطرة أمريكا وحلفائها على مفوضية قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة، وأيضاً سوف تقوم أمريكا بإرسال العدد الأكبر من القوات الأمريكية للعراق، ولكن تحت اسم الأمم المتحدة هذه المرة، وربما يقوم الجنود الامريكيون الموجودون حالياً في العراق فقط بمجرد تبديل ملابسهم وارتداء ملابس وقبعات الأمم المتحدة الزرقاء، ليكونوا بعد ذلك ضمن دائرة الحصانة الدولية وحماية الأمم المتحدة، وبالمقابل تعتبر الأطراف العراقية التي تقاتل ضدهم بمثابة أطراف مهددة للأمن والسلام الدوليين، ومن ثم يتوجب على المجتمع الدولي العمل والالتزام بمواجهة هذه الأطراف.. كذلك سوف تجد دول جوار العراق نفسها مضطرة لـ(قبول القوات الدولية) وتقديم المزيد من التسهيلات لها (احتراماً لإرادة المجتمع الدولي).
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد