سيناريو خلافة مبارك والتداعيات الماثلة عند رحيله
الجمل: بلغ الرئيس المصري حسني مبارك من العمر عتياً وبدا برغم التقنيات الطبية والتجميلية الحديثة في صوره ولقطاته الأخيرة وهو أكثر إرهاقاً وشيخوخة وحالياً تهتم الأوساط الإقليمية والدولية بأمر من الذي سيتولى حكم مصر بعد رحيل حسني مبارك الذي أصبح متوقعاً ومما زاد من غموض التوقعات وتباين وجهات النظر أن الرئيس المصري ما زال واقعاً تحت تأثير "حادثة المنصة" التي أودت بحياة سلفه أنور السادات ويرفض حتى الآن تعيين أي مصري في منصب نائب الرئيس!!
* لعبة النفوذ على مصر: بين الأمس واليوم؟
تؤكد معطيات الخبرة التاريخية الموثقة أثرياً وأركيولوجياً بأن الصراع من أجل السيطرة على مصر كان يدور على النحو الآتي:
• السيطرة على مصر القديمة: كان يدور الصراع بين لاعبين رئيسيين هما:
* ملوك سوريا القديمة الذين برعوا في غزو واحتلال مصر عبر النفاذ إلى شمالها ووسطها عن طريق البوابة الفلسطينية، ومن أبرز السوريين القدماء الذين حكموا مصر الأسرة الرمسيسية التي ضمت رمسيس الأول والثاني...
* ملوك السودان القديم الذين برعوا في غزو واحتلال مصر عبر النفاذ إلى جنوبها ووسطها عن طريق البوابة النوبية ومن أبرز الملوك السودانيين الذين حكموا مصر القديمة شبتاكا وأبيبيي (بعانخي) وطرقاها.
• السيطرة على مصر الوسيطة حيث دار الصراع بين عدة لاعبين من أبرزهم:
* الروم أو الرومان وقد حكموا مصر لفترة طويلة.
* العرب – المسلمون الذين استطاعوا السيطرة على مصر بعد نجاحهم في هزيمة الرومان.
* الشراكسة المماليك الذين استطاعوا السيطرة على مصر بعد نجاح انقلابهم الذي أطاح بالحكم العربي – الإسلامي.
• السيطرة على مصر الحديثة حيث دار الصراع بين عدة لاعبين:
* العثمانيون الذين نجحوا في السيطرة على مصر بعد هزيمة المماليك الشراكسة.
* الألبان الذين نجحوا في السيطرة على مصر بعد انقلابهم على العثمانيين وتحالفهم مع بقايا المماليك الشراكس.
* البريطانيون الذين نجحوا في السيطرة على مصر بعد موافقة نظام تحالف الأرناؤوط – الشراكس على تسليم سيادة مصر للبريطانيين ضمن صفقة بين أحفاد محمد علي باشا والإمبراطورية.
بعد هذا الماضي الحافل بالحكم والسيطرة الأجنبية الممتدة لآلاف السنين بين آخر فرعون مصري أسقطه الإسكندر الأكبر وحتى تولي جمال عبد الناصر باعتباره أول رئيس مصري يحكم مصر بعد ذلك الفرعون، فإن سيناريو النفوذ والسيطرة على مصر بواسطة القوى الخارجية ما زال قائماً وهو الأكثر احتمالاً بعد صعود قوة أمريكا والتغلغل الإسرائيلي غير المسبوق في الشأن المصري.
* ماذا تقول التسريبات الأخيرة؟
يعتبر الدكتور عمرو الشويكي من أبرز الباحثين الأكاديميين المصريين الذين يتعاملون مع إسرائيل والأجهزة الإسرائيلية في مجال الدراسات والبحوث المتعلقة بأوضاع مصر الداخلية، هذا، وعلى خلفية التدهور الشديد في صحة الريس مبارك فقد أعد الدكتور دراسة للإسرائيليين حول سيناريو خلافة مبارك والتداعيات الماثلة والمؤجلة عند رحيله. تقول التسريبات الإسرائيلية بأن الدكتور نيمرود باركان رئيس جهاز مخابرات وزارة الخارجية الإسرائيلية المسمى "مركز الأبحاث السياسية التابع لوزارة الخارجية" قد قدم إفادته أمام جلسة لجنة الدفاع والشؤون الخارجية التابعة للكنيست الإسرائيلي، وأكدت التسريبات الإسرائيلية بأن نيمرود باركان قد استعرض أمام لجنة الكنيست الدراسة السياسية – الأمنية حول أوضاع مصر الداخلية والتي أعدها الدكتور الشويكي الباحث في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والبحوث السياسية.
* ماذا تقول دراسة الدكتور الشويكي؟
أشارت الدراسة إلى النقاط الآتية:
• السيناريو الأسوأ بالنسبة لإسرائيل: إن صعود جمال حسني مبارك إلى منصب الرئاسة بعد وفاة والده المتوقعة يجد معارضة قوية داخل الجيش وأجهزة الأمن والمخابرات العامة المصرية إضافةً إلى معارضة الجماعات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين ذات التأثير الواسع في الشارع المصري، ويوصي الدكتور الشويكي الإسرائيليين بضرورة معارضة صعود مبارك الابن.
• السيناريو الأفضل بالنسبة لإسرائيل: يقول الشويكي بأن زعيم حركة كفاية المصرية أيمن نور هو المرشح الأفضل والمناسب لخلافة الرئيس مبارك لأن نور:
* أصبحت له شعبية كبيرة في الأوساط العلمانية والبرجماتية المصرية، وعلى وجه التحديد سكان المدن المصرية الكبيرة كالقاهرة والإسكندرية الذين أصبحوا ينظرون إلى نور باعتباره بطلاً قومياً.
* يرتبط نور بعلاقات قوية للغاية مع عدة أطراف بينها: الولايات المتحدة الأمريكية وجماعات اللوبي الإسرائيلي والمنظمات اليهودية العالمية والقوى السياسية الإسرائيلية بالإضافة إلى المنظمات المدنية الإسرائيلية.
وأشار الدكتور الشويكي إلى أن سبب ارتباط نور بهذه الأطراف هو مشاركته لها بالرؤية المطالبة بضرورة إبعاد شبح الحركات الإسلامية عن مصر.
اقترحت دراسة الدكتور الشويكي على الإسرائيليين إعداد الترتيبات لتنفيذ السيناريو الآتي لجهة تأمين صعود أيمن نور إلى منصب رئيس الجمهورية المصري:
• أن يتم العمل من أجل إخراج نور من السجن.
• يتم الضغط على السعوديين ودفعهم باتجاه الضغط على الإسلاميين المصريين لالتزام الصمت والقبول بصفقة رئاسة أيمن نور.
• أن يتم تبني ترشيح أيمن نور بمسعى أمريكي غرب أوروبي وسعودي خليجي.
وأشارت الدراسة إلى أن ممارسة الضغوط على السعوديين والخليجيين لدعم ترشيح نور ستقلل من خطر التيار السلفي المصري الموالي للسعوديين الذي استطاع أن يتغلغل داخل الحركات الإسلامية المصرية وجماعة الأخوان المسلمين وهي الحركات والجماعات التي يحرص السعوديون على تقديم الدعم لها لأن صعود نفوذها في مصر معناه صعود نفوذ الحركات السلفية المتغلغلة داخلها، وهو المخطط الذي تسعى بعض الأطراف الخليجية والسعودية إلى استخدامه في استراتيجية محاولة السيطرة على مصر. ويؤكد الدكتور الشويكي في دراسته على أن إسرائيل ستواجه خيارين لا ثالث لهما في حالة وفاة حسني مبارك:
• فرصة صعود أيمن نور حليف الجماعات اليهودية وأمريكا والغرب.
• مخاطرة صعود جمال مبارك والتي ستؤدي إلى اضطرابات وفوضى سياسية تفسح المجال لصعود جماعة الإخوان المسلمين التي بصعودها يكون النفوذ السعودي على مصر قد أصبح أمراً واقعاً.
تقول التسريبات بأن الدكتور نمرود باركان قد كشف للجنة الدفاع والشؤون الخارجية التابعة للكنيست بأن ثمة لجان إسرائيلية – سعودية مشتركة قد قامت بوضع نقاط مشتركة للتعاون المستقبلي بين السعودية وإسرائيل حول مصر بما يؤدي إلى تحقيق أهداف داخل مصر دون حدوث تضارب في مصالح الطرفين أو الصدام في الساحة المصرية، وحتى الآن لم تظهر أي تسريبات تتعلق بالصفقة السعودية – الأمريكية حول مصر، وعلى الأغلب أن يدفع الطرفان باتجاه صيغة تتوافق حول حركة كفاية وجماعة الإخوان المسلمين المصرية التي يسيطر عليها السلفيون الموالون للسعودية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد