صدمة وارتباك في إسرائيل من قرار «الجنائية الدولية»
انشغلت إسرائيل بإعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودة بدء الدراسة الأوّلية لاحتمال ارتكاب جرائم حرب في فلسطين بعد انضمام فلسطين لمعاهدة روما، وسارع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى الاتصال بوزير الخارجية الأميركي جون كيري الذي ندد بهذا الإعلان.
وتخشى إسرائيل أن يقود الإعلان إلى بدء تحقيق قضائي دولي يضع قيادات إسرائيلية أمام محاكم دولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، ليس فقط في الحروب على غزة، وإنما بأعمال الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وتعذيب المعتقلين وتقييد الحريات.
وطلب نتنياهو من كيري مسارعة واشنطن للعمل ضد أية إجراءات قد تتخذها المحكمة الجنائية الدولية. وبعد طلب نتنياهو، بادرت وزارة الخارجية الأميركية إلى إصدار إدانة، والإعراب عن الاستغراب لكون «دولة» تعرضت لإطلاق الصواريخ يتم التحقيق معها بشبهة اقتراف جرائم حرب.
وأعربت وزارة الخارجية الأميركية عن رأيها في أن المكان لحل الخلافات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي هو المفاوضات وليس التدابير من طرف واحد. وبموازاة الإعلان الأميركي، بدأ جهد مكثف في الكونغرس للمس بأموال المساعدات الأميركية إلى السلطة الفلسطينية.
وكانت إسرائيل قد حملت بشدة على إعلان المدعية العامة أنها ستدرس بشكل أولي و»مستقل ومحايد» إذا كانت قد اقترفت في المناطق المحتلة جرائم منذ حزيران العام الماضي. وتسمح هذه الدراسة للمدعية فحص اتهامات ضد مقاتلين إسرائيليين في الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
وأشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إلى أن الإسرائيليين فوجئوا من إعلان المحكمة. ونقلت الصحيفة عن محافل سياسية قولها إن «الفلسطينيين مكشوفون بقدر لا يقل عنا، ومن شأنهم أن يتلقوا الضربات من المحكمة نفسها».
وأعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية أن «إسرائيل ترفض بشكل مطلق القرار الفضائحي الصادر عن المحكمة الدولية. وفي أعقاب هذا القرار السخيف، أعلنت حماس أنها ستقدم دعاوى ضد إسرائيل، وأنا لن استغرب إذا ما سمعنا قريباً كلاماً مشابهاً من حزب الله، داعش أو القاعدة».
وأضاف نتنياهو «أيام معدودة بعدما نفذ الإرهاب الإسلامي المتطرف مجزرة في فرنسا، قررت المدعية في المحكمة ذاتها الشروع تحديداً بفحص الأمر ضد إسرائيل التي تدافع عن مواطنيها في مواجهة حماس ـ وهو تنظيم إرهابي إسلامي متطرف يدعو ميثاقه إلى ذبح اليهود حيثما كانوا. إنه تنظيم حماس ذاته المتحالف مع السلطة الفلسطينية والذي أطلق مجرمو الحرب فيه آلاف الصواريخ على مواطني إسرائيل في الصيف الأخير».
من جانبه، قال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن «المحكمة ذاتها بعد أكثر من مئتي ألف قتيل في سوريا، لم تجد من الصواب التدخل في ما يجري هناك ولا ما يجري في ليبيا أو أماكن أخرى، وأجد من الصواب أن تدرس الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، بقرار ينبع بأسره من اعتبارات سياسية معادية لإسرائيل».
وأدان قادة المعسكر الصهيوني، إسحق هرتسوغ وتسيبي ليفني الإعلان، وقالا إن «حكومة برئاستنا ستقف بشدة ضد كل خطوات من طرف واحد من جانب السلطة الفلسطينية وستناضل بحزم ضد التدابير في المحكمة الدولية في لاهاي. سوف نعرف كيف نجند الدعم من الأسرة الدولية، من أجل توفير المظلة السياسية المطلوبة لعمليات الجيش والدرع القضائي لكل جندي وقائد في الجيش الإسرائيلي». ووصف هرتسوغ قرار المحكمة «بالفضائحي»، وقال إن «هذه نتيجة العزلة السياسية التي وصلت إليها إسرائيل».
وأشارت «يديعوت» إلى أنه برغم ذلك، توجد في إسرائيل أيضاً أصوات تدعو إلى عدم التعاطي مع المحكمة «كعدو»، وتطالب بعرض الأدلة أمامها «للانتصار على الفلسطينيين في لعبتهم».
وقالت إنه ليس صدفة أن يخطط الجهاز القضائي الإسرائيلي للرد على مستويين متوازيين. الأول: معالجة خروقات القانون التي وقعت بالفعل. وأحد المعايير لرفع الدعاوى في لاهاي ضد دولة ما هو عدم قدرتها على التحقيق في الشبهات بنفسها. وإذا ما تعاملت مؤسسات القانون الإسرائيلية مع من فعل ذلك بجذرية، فلن يكون مبرراً لتدخل المحكمة.
أما المستوى الثاني فهو توجيه ضربة مضادة: إذ أعد المستشار القانوني يهودا فاينشتاين ومحافل قانونية منذ الآن «ترسانة أدلة» بهدف رفع دعاوى ضد الفلسطينيين والإثبات أنهم هم الذين ارتكبوا جرائم حرب.
وكتب أستاذ القانون في جامعة تل أبيب إيال غروس، في صحيفة «هآرتس»، أن على إسرائيل استيعاب أن قواعد اللعبة قد تغيرت.
ويرفض غروس تصريحات قادة إسرائيل السياسية عن المحكمة، ويقول إنهم بحديثهم عن سوريا وليبيا يكشفون جهالة مقلقة، أو لا يقولون الحقيقة. وأشار إلى وجوب أن يعرف قادة إسرائيل صلاحيات المحكمة التي تنبع من واحد من ثلاثة: الانضمام إلى المحكمة أو قبول أحكامها أو التوجه إليها من جانب مجلس الأمن الدولي. ومجلس الأمن لم يقدم حالة سوريا، ولكن فلسطين انضمت إلى المعاهدة وتستطيع طلب البحث في ما يجري على أرضها. وشدد على أن الأمين العام للأمم المتحدة ومسجل المحكمة أقروا بانضمام فلسطين، وكذلك فعلت المدعية وهذا يظهر الفجوة بين موقف إسرائيل وبين الموقف الدولي في هذا الشأن.
وخلص غروس إلى وجوب «أن تفهم إسرائيل أنه ابتداءً من نهاية الأسبوع تغيرت قواعد اللعبة: الإسرائيليون والفلسطينيون متواجدون حالياً تحت سقف صلاحية المحكمة الجنائية الدولية. وإذا كان وزير الخارجية متفاجئاً من ذلك، فلأنه لم يستوعب بعد أن الموقف القضائي الإسرائيلي بشأن عدة مسائل ـ ابتداءً من سياسة الجيش الإسرائيلي في غزة وصولاً إلى الاستيطان ـ بعيدة بأبعاد كثيرة بُعدَ الشرق عن الغرب عن الموقف المقبول عالمياً».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد