(طقوس الإشارات والتحولات):عرض جريء يكشف المستور

25-03-2009

(طقوس الإشارات والتحولات):عرض جريء يكشف المستور

الجمل- حماة- دمشق- أحمد الخليل: يذهب المخرج الفرنسي الشاب وسام عربش (من أصل سوري) في عرضه المسرحي (طقوس الإشارات والتحولات) إلى مناطق محفوفة بالمخاطر ومسورة بالتابوات، فنص سعدالله ونوس الذي يميط اللثام عن دواخل المجتمع الشرقي المغلف بالأقنعة بقي بعيدا عن اهتمام المسرحيين السوريين عامة لخوف (إن هم قاربوه فكريا وجماليا) من بطش مجتمعي مازال كشف المستور فيه يعد (كفرا) ومروقا يهدد تماسك مزيف لمجتمع مدجج بالمحرمات!!
المركز الثقافي الفرنسي ومسرح لوف أديبا بالتعاون مع مديرية المسارح والموسيقا قدموا الفرصة لنص مختلف عليه (كتبه ونوس عام 1994) ليرى النور على الخشبة في سورية بعد محاولات سابقة عدة لإخراج هذا النص إلا أنها فشلت كما هي حال المخرجة المسرحية الألمانية فريدريكه فيلدبيك، وأشيع أن أسباب رقابية حالت دون استكمال المشروع والذي أدى لنشوب خلاف حاد بين المخرجة الألمانية والفنان نوار بلبل الذي كان سيساعد فريدريكة بالإخراج إضافة للعبه دور المفتي في العرض،لكن النص قدمته نضال أشقر في لبنان و زيد مصطفى في الأردن.
في (طقوس الإشارات والتحولات) نحن أمام رؤية مغايرة في استلهام الحادثة التاريخية والتي برع فيها ونوس حيث ينزع الأقنعة التنكرية عن وجوه شخصياته، ويواجهها بحقيقتها وتناقضاتها ، إنها شخصيات تراجيدية يعريها ونوس بجرأة ليكشف لنا عن هوية مجتمع يتسم أفراده بالصراع الحاد بين الأهواء والأخلاق والنزوات ليجد الحل بحياتين ظاهرة وباطنة.... ولكن هل تتصالح الشخصيات مع نفسها كما هي حالة المومس التي تعيش حياة واحدة لا تناقض فيها ولا أقنعة؟
يلقى القبض على نقيب الأشراف في أثناء وجوده مع خليلته على يد قائد الدرك عزت بك، ويتدخل المفتى - وهو العدو الأول لنقيب الأشراف - بمكر مع قائد الدرك لإخراج نقيب الأشراف من هذه الورطة بمساعدة زوجة النقيب التي تشترط مقابل ذلك الحصول على الطلاق . وبعد هذه الأحداث تتحول أغلب شخصيات المسرحية إلى نقيضها، فالفاسق يصبح عابدًا زاهدًا، والمؤمنة تتحول إلى عاهرة...
المسرحية تواجه باستفزاز فكري مجتمع محافظ يريح نفسه بالانغلاق على السر    فالمرأة الشابة ترفض الحياة ضمن طبقة عالية ذات شأن وسمعة تغلفها الاكاذيب وتطالب بالطلاق لتصبح عاهرة. أما الزوج (نقيب الأشراف) زير نساء سابق غارق بمتع الحياة فيقع ضحية خدعة سياسية يحيكها له المفتي،وفي خط آخر يقوم شاب متورط بعلاقة جنسية لوطية بالانتحار تحت وطأة الحزن والكآبة بعد أن يُرفض منطقه في الحب الشاذ...
العرض يركز على مسألة التصالح مع الذات من خلال تقديم شخصيات منكسرة مع ذاتها تعد في مظهرها منزهة عن الهفوات، لكنها في الواقع تغرق في شهواتها وغرائزها.
في العرض ثمة تقاطع بين خطين سياسي موجود في أغلب نصوص ونوس، كشف خبايا الطبقة الحاكمة وخط إنساني نرى من خلاله صراعات الأهواء البشرية وتوقها للتصالح مع النفس رغم قمع المنظومات الفكرية التي تحاول الحفاظ على المجتمع من خلال استمراره كقطيع متراص... 
شخصيات (طقوس الإشارات والتحولات) عنيفة في مواجهة  بعضها منكسرة وضعيفة أمام ذواتها باستثناء شخصية المومس،أما شخصية المفتي فهي شخصية غير متصالحة مع نفسها تضمر خلافا لما تظهر لذلك نراه مختلا في مسيرته الحياتية مهزوزا يتستر بالدين لتغطية ما يمارس من شهوات...
المخرج وسام عربش في عرضه الافتتاحي المقدم على خشبة مركز ثقافي حماة (18/3) لجأ إلى صيغة فنية تشبه الموشور الذي يكشف لنا كل جوانب شخصياته، فالديكور مقسم لثلاث طبقات تتحرك بسهولة يمسكها محور واحد تتوضع في مقدمة ومنتصف الخشبة ومع كل مشهد يدور الديكور فيكسر رتابة المشاهد المتتالية في عرض طويل (ساعتين تقريبا)...من ناحية ثانية لم يلجأ المخرج للإضاءة القوية الكاشفة والمتنوعة كثيرا، فخفوت الإضاءة بشكل عام حافظ على غلالة شفافة تكشف الخفايا في زوايا البيوت المعتمة ودواخل الشخصيات...وفي بعض المشاهد وخاصة (الحوارات بين ألماسة والغانية) كانت الستارة الشفافة المسدلة تارة والمرفوعة أخرى تتناغم مع حركة الشخصيات وتقلباتها ومواجهاتها مع الآخرين
في حين أردات قضبان الحديد والأقفال المتعددة إشعارنا بأننا في سجن واحد هو الانغلاق على أهوائنا ورغباتنا، رغم أن هذا السجن يكشف كل هواجسنا ونفاقنا.
مخرج العرض ألبس شخصياته لباسا معاصرا فحتى المفتي (يرتدي طقما و(برنيطة) وربطة عنق كدلالة على استمرار ذهنية الانغلاق والتستر بمكارم الأخلاق رغم تبدل الأزياء والألوان ومرور الزمن.
ممثلو العرض مجموعة من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية اجتهدوا للامساك بشخصياتهم من خلال محاولة فهم تناقضات هذه الشخصيات وسلوكها وحركتها، وقدموا أدوارا جريئة (عاهرات، لواطة...) ضمن رؤية إخراجية لم تجمل الواقع ولم تداور عليه، بل قدمت لنا بدون أقنعة مجتمعنا عبر شخصيات تكثف واقعا يراوح في مكانه بفرض كوابح فكرية وسياسية عليه  تبقيه في حالة ضياع تجلى ممثلو العرض في تجسيدها...(ناندا محمد في دور المومس، حلا عمران في دور ألماسة، كفاح الخوص في دور المفتي، تيسير أدريس في دور الأب، سعد لوستان في دور نقيب الاشراف، وأسامة حلال في دور الأخ، وسيف أبو أسعد في دور الشاذ، إضافة للفرزدق ديوب وجمال المنير..)
الفنيون: بيسان الشريف، بسام حميدي، فؤاد عضيمي، غيث المحمود
السينوفرافيا والأزياء: بيير أندريه فيتز
التصميم الإعلاني: أحمد معلا، المدير التقني: بسام الطويل....
الإنتاج: المركز الثقافي الفرنسي ومديرية المسارح بدعم من الاتحاد الأوروبي    

الجمل
 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...