طهران تطالب واشنطن بـ «إعتذار رسمي»
بعثت الحكومة الإيرانية برسالة الى الادارة الاميركية طالبتها فيها بـ«اعتذار رسمي عن توجيه اتهامات لا أساس لها من الصحة لإيران بالتورط في محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير». وأوضحت مصادر دبلوماسية مواكبة للأزمة الايرانية ـــــ الاميركية الاخيرة أن الرسالة أكدت أن «على الولايات المتحدة مسؤولية الاعتذار من الحكومة الإيرانية والمواطنين الإيرانيين الذين وجهت إليهم الاتهامات». وطالبت إيران، في الرسالة نفسها، الولايات المتحدة بـ«التعويض عن الأضرار النفسية والجسدية التي تسببت فيها لهؤلاء الناس». وتابع المصدر أن الحكومة الإيرانية أكدت، في الرسالة، أن «فبرکة السیناریو علی اساس معلومات او بیانات کاذبة والقیام بممارسات تتناقض مع القوانين الدولیة، والتي نجم عنها فرض تکالیف مادیة و معنویة باهظة علی الابریاء فی مختلف دول العالم، ومن بینهم الأميركيون أنفسهم، تحولت الی نهج ثابت لساسة أميركا، والمثال البارز علی ذلك الهجوم العسکري علی العراق الذي شنّ استناداً إلى معلومات مزیفة».
وبحسب المصدر نفسه، فقد «شددت الحكومة الإيرانية على السيناريو المفبرك في العراق، حيث حصلت حرب كبيرة وقتل مئات الآلاف من الأبرياء وفرضت نفقات وأضرار بآلاف الملايين من الدولارات على الشعب الأميركي. وكانت النتيجة أن أجبرت الولايات المتحدة على الانسحاب من العراق، في هزيمة لا حول ولا قوة لها أمامها».
وفي السياق، وفي ظل حال التشنج التي تعصف بالمنطقة بفعل الانسحاب من العراق والفشل في إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، تحدثت مصادر ايرانية واسعة الاطلاع عن مطلب واشنطن بفتح خط ساخن مع ايران. قالت «إن العامل الأول للطلب كان اثر عملية نوعية قامت في خلالها طائرات إيرانية من دون طيار بتصوير حركة الأساطيل الأميركية في الخليج والمناطق المحيطة وعادت بصور غنية من دون أن ترصدها الرادارات الأميركية. وقد حرصت السلطات الإيرانية، بعد الانتهاء من العملية، على أن يعلم الأميركيون بما جرى». أما العامل الثاني فهو «تلك الحركة الكثيفة جداً للأساطيل الإيرانية من المحيط الهندي وحتى باب المندب». من هنا، توضح المصادر، «يخشى الأميركيون أن تؤدي حادثة صغيرة، غير مقصودة، إلى التدحرج نحو حرب لا يريدونها». وتتابع المصادر أنه «مع الرفض الإيراني لإقامة الخط الساخن، خرج الأميركيون بالفيلم الهوليودي الخاص بعادل الجبير».
أما الأسباب الكامنة وراء هذا «الفيلم»، فترى المصادر نفسها أنها تتلخص في نقاط ثلاث: «الأولى نقل المعركة إلى الوكلاء، وشيطنة إيران بوصفها إرهابية تخطط لأذية العرب، ما يؤدي إلى تحريك هؤلاء، وخاصة الرياض، ضد الجمهورية الإسلامية». وبحسب المصادر فإن «المشكلة تكمن في أن السعوديين وقعوا في الفخ، رغم أن إيران كانت دائماً تؤكد للخليجيين أنه عند أي ضربة أميركية على إيران فإن الرد سيستهدف القواعد الأميركية في الخليج وليس قصوركم ولا مؤسساتكم». وتشير إلى أن «السعودية تخشى على ما يبدو من تحركات واسعة في خلال الحج كأحد تداعيات الربيع العربي وبدعم إيراني. شيء قريب من الطقوس التي اعتاد الحجاج الإيرانيون أن يقوموا بها في عرفة، لكن هذه المرة على نطاق أوسع، بمعنى أن يتحول إلى سلوك إسلامي وليس إيرانياً».
وتشير المصادر الإيرانية الى نقطة ثانية تتعلق بالموضوع الفلسطيني. وتوضح: «كان الأميركيون قد خططوا لإقفال هذا الملف في الخريف. هذا الربيع العربي الذي ركبوا موجته وحرّضوا الثورات المضادة عليه، كان يفترض أن تكون نقطة نهايته إغلاق الملف الفلسطيني. لكن السيد علي خامنئي أحبط مخططاتهم بحديثه عن الدولة الواحدة لكل الفلسطينيين. فعل ذلك متعمداً في ثلاثة مؤتمرات متتالية. وضع المعادلة التالية: استكمال الصحوة الإسلامية بتحرير فلسطين».
كذلك تتحدث المصادر عن نقطة ثالثة «لعلها تكون السبب المباشر، وهي المباحثات التي كانت جارية بين إيران والكويت حول قضية الجرف القاري، السبب الرئيسي وراء الخلاف على حقول الغاز بين إيران والكويت والسعودية. كان الرئيس محمود أحمدي نجاد قد وعد رئيس مجلس الأمة الكويتي جاسم الخرافي بإنهاء هذا الخلاف خلال ثلاثة أشهر. عندها تحرك وزير الخارجية علي أكبر صالحي إلى الكويت واتفق مع نظيره الكويتي على عقد اجتماع ثلاثي مع الأمير سعود الفيصل خلال أيام. كان يجب أن يكون هذا الاجتماع مقدمة لمصالحة سعودية ــ إيرانية، وتنتج منه مبادرة ما نحو البحرين واليمن. جنّ جنون الأميركيين وخرجوا بهذا الفيلم. الآن عادت المبادرة الكويتية تتحرك من جديد».
وفي سؤال عن كيفية تعامل الإيرانيين مع السعودية، أوضحت المصادر أنهم يسيرون في خطين متوازيين: الأول «يتعلق بالعلاقات الثنائية التي يسعون إلى أن تكون على أفضل ما يرام. من هنا يرون أن خلافة الأمير نايف للأمير سلطان شأن داخلي لا علاقة لهم به، موضوع سعودي محض. يرون أن فيلم اغتيال السفير لا ينبغي أن يؤثر على هذه العلاقات. بدليل أن صالحي ذهب إلى السعودية وشارك في مراسم دفن الأمير سلطان والتقى الملك عبد الله والأمير نايف والفيصل. تصرف وكأنه لا توجد مشكلة بين الطرفين على طريقة المثل الإيراني الشهير: رأيت الجمل، لا لم أره. هكذا تتعامل إيران مع السعودية في المواضيع الثنائية. محادثات إيجابية، ومصالحة وتهدئة».
لكن المصادر تلفت الانتباه الى إن «الإيرانيين يختلفون مع السعودية كلما يرونها تقع في فخ نصبه لها الأميركيون أو غيرهم. مثل اثارة ذعر وخوف الرياض من البرنامج النووي الإيراني» وتضيف: «قلنا للسعوديين، ارسلوا خبراء من عندكم لكي يتأكدوا أن برنامجنا سلمي ولا يضرّ بكم بل يمكنكم الاستفادة منه. يوهمونها بأننا نحرك ناس داخل السعودية ضد العائلة الحاكمة، فنؤكد أننا لا نريد للداخل السعودي إلا التفاهم بين القاعدة والسلطة، بدليل أن أقرب الناس إلينا في السعودية هم من ينادي بالحوار مع السلطة. من غير المعقول أنه كلما خرجت مجموعة لها مطالب محقة لكن صدف أنها شيعية أو زيدية أو اسماعيلية أو غيرها يقال إننا من يقف خلفها». وتضيف المصادر نفسها «في موضوع البحرين، هناك مساع لتحويلها الى مشكلة اقليمية او دولية، وقد ادى التدخل العسكري السعودي الى تحقق ذلك. لكننا لا نستطيع أن نغض الطرف عن وجود مطالب محقة. قلنا لهم بوضوح إن دخولكم البحرين كان خطأً استراتيجياً لأن المشكلة فيها داخلية وليست عدواناً خارجياً. كذلك الحال في فلسطين. نحن مختلفون حولها. نرفض قطعياً كل حل أميركي ـــــ صهيوني. وقلنا لهم إننا لم نخف عليكم يوماً أننا ضد كل أشكال التكفير والتفجير والترويع في العراق وللأسف فإن السعودية احد مصادره. أنتم تحرضون على سوريا، لكننا لن نسمح ولن نقبل بسقوط دولة الممانعة. الشيء نفسه يقال عن لبنان».
وتختم المصادر موجزة السياسة الايرانية تجاه السعودية بالقول: «نتعامل معهم على النحو الآتي: نحن مختلفون حول كل هذه الملفات، لكننا نحاوركم بكل شفافية. نعتقد أن السبب أميركا وأنتم تخطئون في التقدير».
إيلي شلهوب
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد