ظاهرة القراصنة الصوماليين بين الشك واليقين
الجمل: تزايدت ردود الأفعال الدولية والإقليمية إزاء ظاهرة القرصنة البحرية الناشطة حالياً في منطقة خليج عدن وتقول المعلومات والتقارير الجارية بأن منطقة خليج عدن أصبحت من بين المناطق البحرية الأكبر لجهة الحشود العسكرية الجارية فيها بواسطة البوارج والسفن وغيرها من القطع البحرية التابعة لدول العالم الرئيسية الكبرى: أمريكا – روسيا – الصين – فرنسا – بريطانيا – الهند – إيطاليا – إسبانيا.
* ظاهرة القراصنة الصوماليين: بين الشك واليقين؟
تمثل القرصنة البحرية ظاهرة قديمة، وما يحدث في خليج عدن من عمليات اعتراض واحتجاز السفن وطواقمها بواسطة القراصنة الساعين للحصول على الفدية ونهب السلع والبضائع، هي ظاهرة ليست حكراً على خليج عدن وإنما هي موجودة بقدر أكبر وأوسع وأكثر خطورة في مضيق ملقة وفي الممرات البحرية الفاصلة بين جزر منطقة جنوب شرق آسيا فلماذا إذاً الاهتمام بهذا القدر الكبير بالتصدي المرتفع الشدة لهذه الظاهرة الصومالية وفي الوقت ذاته التصدي المنخفض الشدة والذي يصل حد التجاهل مع ظاهرة القرصنة الجنوب شرق آسيوية؟
لم تتصاعد أنشطة القرصنة الصومالية الأخيرة من فراغ فقد كانت بالأساس موجودة منذ عشرات السنين وبأحجام أكبر فهل المقصود هو القضاء على القرصنة في خليج عدن أم شيء آخر؟ ولماذا التركيز على تعبئة الجهود الدولية حصراً في مكافحة قراصنة الصومال وعدم تعبئتها في القضاء على القرصنة في المناطق البحرية الأخرى الحافلة بألوان القرصنة إضافة إلى الأنشطة الإجرامية الأخرى مثل نقل المخدرات والاتجار بالبشر التي يأتي في مقدمتها منطقة الجزر الكاريبية وخليج المكسيك المجاوران للولايات المتحدة الأمريكية واللذان كانت وما زالت أمريكا ترفض أي وجود عسكري فيهما، أما منطقة الجزر الجنوب شرق آسيوية فقد ظلت الولايات المتحدة ترفض وجود أي قوة عسكرية أو دولية فيها لمكافحة القراصنة لأن قطع البحرية الأمريكية تحاول الانفراد دون غيرها بالسيطرة على هذه المناطق.
إن خيار تعبئة القدرات العسكرية الدولية والإقليمية لمكافحة القرصنة الصومالية في خليج عدن في هذا الوقت وبهذه الكثافة المصحوبة بالتصعيد السياسي هو أمر يطرح في حد ذاته أكثر من دلالة.
* ماذا تقول المعلومات؟
بسبب الصراع والحرب الداخلية وتدخل الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية أصبحت الساحة الصومالية مقسمة إلى ثلاثة أجزاء رئيسية ضمن ما يمكن أن يسمى بثلاثة كيانات سياسية:
• المنطقة الشمالية التي أصبحت تخضع لما يعرف بجمهورية أرض الصومال.
• المنطقة الوسطى التي أصبحت تخضع لما يعرف بجمهورية بلاد بونت.
• المنطقة الجنوبية التي أصبحت تخضع لما يعرف بجمهورية الصومال.
يدور الصراع الرئيسي في المنطقة الجنوبية والتي سيتوقف مستقبل الصومال على ما ستفضي إليه نتائج الحرب.
سبق أن اجتمع البرلمان الصومالي في كينيا بإشراف الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة ونجح في انتخاب حكومة انتقالية ولكن بعد فترة نجحت حركة المحاكم الإسلامية في القضاء على الفصائل الرئيسية الثلاث التي كانت تساند هذه الحكومة، واستولت على العاصمة مقديشو بينما انسحبت الحكومة الانتقالية الصومالية إلى مدينة بيداوا التي جعلت منها عاصمة مؤقتة للحكومة الانتقالية.
نجحت حركة المحاكم الإسلامية بقيادة زعيمها الشيخ شريف أحمد في القيام بتحقيق الاستقرار في معظم المناطق في جنوب الصومال إضافة إلى القيام باعتقال جماعات القراصنة وتقديمهم إلى المحاكم الدينية التي أمرت بوضعهم في السجون والمعتقلات، ولكن بالمقابل أعلنت إدارة بوش وحلفائها بأن سيطرة حركة المحاكم الصومالية على الصومال ستؤدي إلى قيام دولة تابعة لتنظيم القاعدة.
نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في دعم القوات الأثيوبية التي نفذت عملية عسكرية كبيرة ضد الصومال تحت مزاعم إعادة الحكومة الانتقالية إلى السلطة وتعزيز قوتها باعتبارها الحكومة الشرعية.
دخلت القوات الأثيوبية العاصمة مقديشو ونجحت في القضاء على نظام حركة المحاكم الشرعية واضطرت قيادة المحاكم إلى الانسحاب جنوباً إلى داخل الأراضي الكينية.
واصلت مليشيات حركة المحاكم الشرعية عملياتها المسلحة ضد القوات الأثيوبية وقبل بضعة أشهر شهدت الساحة السياسية الصومالية التطورات الدراماتيكية الآتية:
• إعلان السلطات الأثيوبية عن سحب قواتها من الصومال فجأة ودون سابق إنذار.
• قيام البرلمان الصومالي الذي كان يساند الحكومة الانتقالية بانتخاب زعيم المحاكم الشرعية الشيخ شريف أحمد رئيساً جديداً للصومال.
• قيام العناصر المسلحة التابعة لزعيم المحاكم الشرعية الشيخ شريف أحمد برفض موقف الشيخ شريف وتشكيل حركة جديدة حملت اسم تنظيم شباب المجاهدين، وإعلان الحرب والجهاد ضد الشيخ شريف أحمد وحكومته.
اللافت للنظر في هذه التطورات يتمثل في الآتي:
• لماذا قررت أثيوبيا حليفة محور واشنطن – تل أبيب الخروج فجأة من الساحة الصومالية؟
• لماذا تمت إقالة الرئيس الصومالي الانتقالي السابق؟
• لماذا وافق البرلمان الانتقالي الصومالي على انتخاب عدوه اللدود الشيخ شريف أحمد لمنصب الرئيس الصومالي؟
• لماذا وافق الشيخ شريف أحمد على انتخاب البرلمان الصومالي له علماً أن الشيخ شريف أحمد ظل طوال الفترة الماضية يصف هذا البرلمان بأنه غير شرعي وبأنه تم تشكيله بإشراف بارونات الحرب وزعماء العصابات والقراصنة؟
• لماذا قررت القوات التي كانت تقاتل تحت قيادة الشيخ شريف أحمد ليس التخلي عنه وحسب وإنما إعلان الحرب ضده بهدف الإطاحة به من منصب الرئاسة، علماً أنهم ظلوا يقاتلون طوال الفترة الماضية من أجل إيصاله إلى منصب الرئاسة؟
• لماذا أعلن البرلمان الصومالي الانتقالي تطبيق الشريعة الإسلامية علماً أنه طوال الفترة الماضية كان يرفض تطبيق الشريعة الإسلامية باعتبارها ستتيح المجال لصعود قوة ونفوذ الحركات الأصولية الإسلامية وزعماءها من أمثال الشيخ شريف أحمد؟
* ما هو السيناريو الصومالي غير المعلن؟
يشير مجرى التطورات الأخيرة إلى وجود عملية واسعة النطاق لتنفيذ مخطط سياسي إقليمي – دولي، هذا وتشير معطيات الهندسة السياسية الجارية في المنطقة إلى الآتي:
• الهدف المعلن في منطقة خليج عدن هو حشد الجهود الدولية من أجل القضاء على خطر القراصنة، ولكن الهدف غير المعلن هو حشد أكبر ما يمكن من القدرات العسكرية بما يتيح لاحقاً بناء تحالف عسكري دولي وعلى الأغلب أن يكون هذا التحالف الجديد هو ما أطلق عليه بعض الخبراء في العام الماضي تسمية "حلف ناتو المحيط الهندي" وذلك عندما نفذت البحرية الهندية والبحرية الأمريكية المناورات التي يقع في طرفها الشمالي الغربي خليج عدن وممر باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي.
• الهدف المعلن هو تحقيق الأمن والاستقرار بخروج القوات الإثيوبية وإجراء المصالحة والتسوية بين الحكومة الانتقالية والمعارضة ضمن صفقة خرج بموجبها الرئيس السابق وحل محله الشيخ شريف رئيساً ولكن الهدف غير المعلن يتمثل في أجندة علاقات التعاون التي سيقوم الشيخ وبرلمانه بتنفيذها إزاء استثمارات مخزونات الغاز الطبيعي واليورانيوم إضافة إلى التسهيلات العسكرية التي يمكن أن تحصل عليها القطع البحرية التابعة للقيادة الإفريقية – الأمريكية خلال الفترة المقبلة وهي الأجندة التي تم وضعها بإشراف إحدى دول المعتدلين العرب الكبيرة ذات العلاقة الوثيقة بالشيخ شريف وتوجهاته السلفية.
تقول المعلومات والتسريبات بأن القدرات العسكرية الدولية والإقليمية الجاري حشدها في منطقة خليج عدن سيتم استخدامها لاحقاً للقيام بعملية عسكرية دولية واسعة النطاق في الصومال بما يؤدي إلى وضع الصومال تحت نظام الانتداب الدولي بإشراف مجلس الأمن الدولي.
بعد ذلك ستبدأ عملية إعادة تشكيل القوام الجيو-سياسي الصومالي وفقاً لهندسة سياسية تركز على إنفاذ المزيد من آليات السيطرة والتبعية على الصومال، إضافة لذلك، سيتيح التمركز العسكري الدولي في الصومال وخليج عدن تعزيز قدرة إغلاق ممر باب المندب وممر رأس الرجاء الصالح أمام حركة الملاحة القادمة من إيران باعتبارها الطرف المستهدف على المدى القصير الأجل وحركة الملاحة القادمة من الصين كذلك باعتبارها الطرف الذي سيتم استهدافه على المدى الطويل الأجل.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد