عمالة الأطفال... كشف لواقع صعب ومستقبل ضائع
حين تتجول بمدينة اللاذقية هذه الأيام أكثر ما يلفت انتباهك ازدياد عدد أطفال الشوارع، هي ظاهرة قديمة لا شكّ، لكنها الآن تفاقمت مع انضمام أطفال العائلات المُهجّرة لقائمة أطفال المدينة المحليين، فينتشرون بين السيارات عند إشارات المرور وأمام الجوامع وغيرها من الأماكن التي باتت مكان عملهم الدائم، بعضهم يبيع الصحف والورود وبعض أنواع الزينة للسيارات، والبعض الآخر يتسوّل بين المارة طالباً المال بحزن وإلحاح مقنعَين، فلا رادع ولا رقيب يُعيد لهم ربيع طفولتهم حيث يحلمون بالركض خلف خيط طائرة ورقية منتظرين خريفاً يرتدون فيه مريولاً مدرسياً كسائر أقرانهم.
فمن دوار الأزهري إلى شارع المغرب العربي حتى الشيخ ضاهر وصولاً إلى شارع الثامن من آذار رصدت «عين الوطن» حالات ربما تُعمم على معظم أطفال المدينة فلا اختلاف بينهم سوى ببصمات الأصابع!! ومنهم علا ذات العشر سنوات تتسوّل بين السيارات بملابس رثّة وشعر غير منسق على غير عادة البنات اللواتي بعمرها، فلا تعرف كيف تكون «جدّولة المدرسة» فهي لم تدخلها يوماً حيث قالت إن أهلها لم يسجّلوها في المدرسة!! ولا تهتم باللعب مع الــ«باربي» قائلة بحزن وبعينين حائرتين: «لا أعرف سوى أن عليّ أن أجمع ما أستطيع من النقود بغية شراء دواء لوالدتي العاجزة، ولإطعام أخواتي الثلاثة فوالدي توفي منذ خمس سنوات وأنا أكبرهن، ولا مُعيل لنا سوى رب العالمين».
أما أحمد وعمره ثماني سنوات فهو يبيع «أكياس المحارم» بشكل يومي عند إشارات المرور، ويواظب على «دوامه» كما وصفه من التاسعة صباحاً، فلا يهتم للعب أصدقائه بصالات الكمبيوتر ولا للسباحة معهم في العطلة الصيفية، في حين يعمل هو مقابل مبلغ قد لا يكون كافياً لإعالة إخوته الصغار مؤكداً: «لا أهتم للعب، فمساعدة والدتي التي تعمل في بيوت الناس لتصرف عليّ وعلى إخوتي هي ما يهمني وخاصة أن والدي لا نعرف عنه شيئاً».
في حين أن عباس «خمس سنوات» يأتي مع أخيه حسين «ليتسلّى»، ويقول حسين إنه في الصف الثالث الابتدائي ضمن عائلة صغيرة مهجّرة من حلب، يحمل الجرائد كل صباح ليبيعها ويعود بما قد يكفيه لعيش كريم فلا يريد سوى العودة إلى حلب مرفوع الرأس موضحاً: «مضطر اشتغل عشان ما نتبهدل ونشحد من الناس» انطلاقاً من كونه الطفل الوحيد الذي أخبرنا بأنه في الصف الثالث، كان سؤالنا غير مربكٍ له حول ما إذا كان يعرف قراءة بعض كلمات من الصحيفة التي يحملها بين يديه الصغيرتين فرد بحسرة وكبرياء: «أنا لا أجيد القراءة فكل ما أعرف ألف، بي، تي، كي، ولكن رفاقي في حلب أصبحوا في الصف الثالث وكان يجب أن أكون بينهم، حيث والدي حرمني من مواصلة تعليمي فأجبرني على مغادرة المدرسة نهائياً في الفصل الثاني من الصف الأول!! لأعمل عند جارنا الحداد وأساعده في مصروف المنزل».
والبعض الآخر من الأطفال كانت له نفس الأجوبة كل استفساراتنا، حيث يقولون إنهم مهجرون ويسكنون المدينة الرياضية ولا أحد يساعدهم، مبررين تسوّلهم وتشرّدهم في الشوارع، وكأنهم تلقّوا دروساً ليحفظوا ما يتحدثون به لكل من يسألهم!!
ومع تعدد الأسباب إلا أنها تؤدي لنتيجة ذاتها.. مستقبل ضائع لجيل بأكمله، لا أحد يهتم فيخالف مرتكبي هذه الجرائم، جرائم «عمالة الأطفال»، فمن المسؤول ومن يعيدهم لمدارسهم حيث مكانهم الطبيعي بغض النظر عن مدنهم، ليحملوا الأقلام والدفاتر بدلاً من الصحف وعلب السجائر، فالطفولة مرحلة وحق يجب أن يعيشه كل طفل في هذا البلد.
عبير سمير محمود
المصدر: الوطن
إضافة تعليق جديد