عن رحيل الــروائي المصري جمال الغيطاني

19-10-2015

عن رحيل الــروائي المصري جمال الغيطاني

حالة خاصة في مسار الرواية العربية

للمرة الأولى منذ سنوات طويلة، خلت يوميات جريدة «الأخبار» المصرية من المادة التي كان يكتبها الروائي المصري البارز جمال الغيطاني (1945 ــ 2015). صاحب «الزيني بركات» شيِّع أمس من «مسجد السيدة نفيسة»، ووري الثرى في مقابر العائلة على طريق الأوتوستراد في القاهرة.
وكان قد تعرّض في 15 آب (أغسطس) لأزمة صحية مفاجئة أدخلته غيبوبة شبه كاملة في «مستشفى الجلاء العسكري» في القاهرة استمرت إلى أن وافته المنية أمس. وسواء اتفقت أو اختلفت معه، فإنّ الرجل الذي لم يتوقف قلمه عن خوض المعارك، يظلّ إحدى علامات الكتابة الروائية في العالم العربي خلال السنوات الخمسين الماضية بشهادة كبار النقاد الذين رافقوا تجربته منذ بداياتها.
تقدم سيرته الذاتية مثالاً بارزاً عن معنى «العصامية»، لقدرة المثقف على بناء اسمه وتحقيق ذاته ابداعياً رغم قسوة ظروف النشأة. في أحد حواراته مع كاتب هذه السطور، راح يتذكر صورة الحارة التي خرج منها، معتبراً أن ما تحقق له أقرب إلى الإعجاز. ولد في قرية جهينة، أحد مراكز محافظة سوهاج في صعيد مصر لأسرة بسيطة. ثم جاء إلى القاهرة مع عائلته وعاش طفولته في درب الطبلاوي في منطقة الجمالية.

هي المنطقة نفسها التي نشأ فيها نجيب محفوظ. هناك، أمضى الغيطاني سنوات شبابه الأولى وتلقى تعليمه الابتدائي في «مدرسة عبد الرحمن كتخدا»، وأكمله في مدرسة الجمالية الابتدائية. في عام 1959، أنهى دراسته الإعدادية في «مدرسة محمد علي الإعدادية»، وكتب نصه السردي الأول ثم التحق بـ «مدرسة الفنون والصنائع» في العباسية حيث تعلم الرسم على السجاد. وفي عام 1963، استطاع العمل كرسام في «المؤسسة المصرية العامة للتعاون الإنتاجي» حتى عام 1965. في تلك السنوات، بدأ يتردّد على «مكتبات الوراقين» قرب الجامع الأزهر وبدأ شغفه بكتب التراث. وفقاً لما كان يرويه، فقد عرف خلال تلك السنوات طريقه إلى مبنى دار الكتب القديمة في باب الخلق على بعد خطوات من بيت عائلته. قضى هناك الساعات الطوال ينسخ مئات الصفحات من الكتب التي حالت قدراته المالية دون اقتنائها، وبدأ شغفه المبكر بالكاتب نجيب محفوظ الذي كان «مثالاً» ينبغي الاقتداء به، الى جانب الروائيين العظام من «بناة العالم» كما سماهم ستيفان زفايغ وهم تولستوي ودويستوفسكي وبالزاك. وبفضل الصداقة التي ربطته بالكاتب أحمد الخميسي، تعرّف إلى أسرة الكاتب الاشتراكي عبد الرحمن الخميسي، وبدأ ارتياد صالون مفيد الشوباشي. وفي الصالونين، تعمّقت صلته بكتاب جيله من الشباب، فاعتُقل في تشرين الأول (أكتوبر) 1966 على خلفية انتمائه لتنظيم «يساري» ضم معه العديد من الكتاب الشباب الذين صاروا نجوماً بعد سنوات ومنهم عبد الرحمن الأبنودي، وسيد حجاب، وابراهيم فتحي، وصلاح عيسى، وصبري حافظ، قبل أن يُطلق سراحه في آذار (مارس) 1967، بفضل تدخل الكاتب الفرنسي الشهير جان بول سارتر. وكان الأخير قد اشترط الإفراج عن هؤلاء الكتاب قبل زيارته الشهيرة إلى القاهرة. وعقب خروجه من المعتقل، عمل الغيطاني سكرتيراً لـ «الجمعية التعاونية المصرية لصناع وفناني خان الخليلي» حتى عام 1969. يومها، تدخل الكاتب محمود أمين العالم كي يعمل الغيطاني صحافياً في «أخبار اليوم» بعد النجاح الذي حققته روايته الأولى «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» (1969). خلال عمله مراسلاً حربياً خلال سنوات حرب الاستنزاف التي أعقبت النكسة، برز اسمه في القصص الصحافية التي كان يكتبها وشكلت لاحقاً نواة لمجموعات قصصية رسخ فيها لحضور «أدب الحرب» كملمح بارز في موجة كتاب الستينات التي اجتاحت الأدب المصري قبل أن يصبح أبرز ممثلي الطليعة الأدبية فيه عقب نشر روايته «الزيني بركات» (1974). هنا، عالج فكرة تمكن الأجهزة الأمنية ورسوخ البنى الاستبدادية للسلطة خلال العصر المملوكي. كشفت الرواية عن طموح كبير في التعاطي مع نص تاريخي راسخ، والحوار معه وهو كتاب المؤرخ ابن اياس، فضلاً عن محاكاته بلغة لا تغاير النسيج السردي التراثي. كما كشفت عن رغبة في ابتكار شكل جديد للرواية العربية وهو ما سماه «بلوغ الخصوصية الابداعية» على أمل تجاوز النموذج الذي رسخه نجيب محفوظ. وكان الغيطاني على صلة وثيقة به منذ أن ارتبط بندوته الأسبوعية اوائل الستينات وحتى رحيله عام 2006. في هذا النص ذائع الصيت، ناور الغيطاني السلطة الناصرية وأشار عبر قناع التاريخ إلى فساد أجهزتها الأمنية ومسؤوليتها عن الهزيمة التي أطاحت بالتجربة.
وشأن أغلب مثقفي جيله، ناهض الغيطاني نظام الرئيس السادات ورفض بوضوح سياساته سواء داخلياً عبر انتقاد تجربة الانفتاح الاقتصادي وخارجياً في توجهها لتسوية الصراع العربي الاسرائيلي والصلح مع اسرائيل. انضم إلى جبهة الدفاع عن الثقافة القومية التي فضحت محاولات التطبيع مع اسرائيل، وظل من أبرز دعاة مقاومة العدوان الاسرائيلي. برزت في نصوصه، خصوصاً «الرفاعي» و«رسالة البصائر في المصائر» النماذج المقاومة سواء تلك التي دعت لتحرير الأرض أو تلك التي كشفت عن تردي الواقع المصري في الحقبة الساداتية التي دفعته لنشر أغلب أعماله خارج مصر، لا سيما في بيروت وبغداد. الأخيرتان كانتا حاضنتين لموهبته الأدبية البازغة التي تجلت في رائعته الضخمة «التجليات». كشفت «التجليات» عن مراجعة حميمة لتجربة الولع بالنموذج الناصري عبر التماهي الفريد الذي وضعه بين نموذج الأب في الواقع، والزعيم عبد الناصر في التجربة بخلاف النظرة المتشككة في وعود السادات.
بفضل التعمق في قراءة التراث، اكتشف مساحة الانفتاح في أنماط السرد العربي

وكانت قضية صاحب «الزويل» الأولى على صعيد الطموح الابداعي تجاوز الأطر التقليدية التي رُسِّخت استجابةً لطرق قص واردة من الغرب، إذ كان راغباً في كسر هذا النموذج. بفضل التعمق في قراءة التراث، اكتشف مساحة الانفتاح الموجودة في أنماط السرد العربي، لكنه لم يملك القدرة على كسر هذه «التابوات» بجرأة، لكن مع «الزيني بركات» بدأ تجاوز مسألة الخوف من الإطار وواصل تتبع صوته الخاص. ومع «التجليات»، بلغ ذروة الثقة في الشكل الذي ابتكره، مما مكّنه من كتابة «دفاتر التدوين» من دون أن يضع أي اعتبار لمسألة الشكل. اعتمدت «دفاتر التدوين» في أغلبها على تدوير تفاصيل الحياة اليومية التي اغتنت بالنماذج السردية بفضل انخراطه في المطبخ الصحافي. وفي عام 1974، انتقل للعمل في قسم التحقيقات الصحافية. وبعد 11 عاماً أي في 1985 تمت ترقيته ليصبح رئيساً للقسم الأدبي في «أخبار اليوم» الى أن أسّس جريدة «أخبار الأدب» عام 1993، حيث شغل منصب رئيس التحرير حتى تقاعده قبل خمس سنوات. تجربة فريدة كونها أول صحيفة أسبوعية عربية تكرس للأدب ليس فقط على الصعيد المصري، بل إنّها شكّلت جسراً ناجحاً لربط التجارب الابداعية عربياً وعالمياً، ومثلت مدرسة لتخريج اغلب كوادر الصحافة الأدبية في مصر. لكنها رغم ذلك تسببت له في العديد من المعارك مع وزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني الذي واجه حملات غير مسبوقة استهدفت سياساته الثقافية. اتهمه الغيطاني أكثر من مرة بإدخال مثقفي مصر إلى «الحظيرة الثقافية». كما اتهم من عملوا معه من المثقفين بـ «التخلي» عن الدور النقدي للمثقف. استمرت تلك المعارك حتى تصالح صاحب «التجليات» مع حسني قبل عام من سقوط نظام مبارك عام 2011 في مفاجأة أثارت العديد من التساؤلات عن الدوافع التي قادت إلى صلح من هذا النوع المثير. من ناحية، تسببت انحيازات «أخبار الأدب» وخياراتها في مواقف عدائية اتخذها بعض الكتاب من الغيطاني شخصياً إلى درجة شعوره بأنّه «عوقب بسبب هذه التجربة». حتى إنّ فوزه بجائزة الدولة التقديرية (2007) تأخر لسنوات عدة. كما تم تجاهل العديد من أعماله الابداعية من قبل بعض النقاد المكرسين. غير أن تلك المعارك لم تحرم الغيطاني من فرص التكريس على الصعيدين العربي والعالمي. فاز بجائزة سلطان بن علي العويس (1997)، وجائزة الشيخ زايد للكتاب (2009) وعالمياً حظي بالعديد من الأوسمة الفرنسية أبرزها وسام فارس (1987).
وإذا كانت أعماله الأولى أبرزت شغفاً بالغاً بالتاريخ ورغبة في استكشاف أشكال سردية من التراث، فإنّه حرص في أعماله التي تلت البدايات على العناية بالعمارة المصرية وتقديمها في العديد من المؤلفات بمختلف صور التقديم بما في ذلك الصحافة التلفزيونية المصورة. وفي أعماله التي تلت «متون الاهرام» و«سفر البنيان» ومجموعة كتب «دفاتر التدوين»، سعى لابراز انشغاله البالغ بالزمن وتأملاته، كما برزت النزعة الصوفية في «التجليات» وفي الوقت عينه كشفت عن تعمق معرفته في فن المنمنمات حيث تحولت عملية الكتابة إلى عملية «تحبيك» تقوم على الاشتغال على وحدات نصية وثيقة الصلة بالعمل على «الزخارف» كأنما هي سعي للتجريد والعودة لما بدأ به ولكن بوسائط أخرى.
سياسياً، انحاز الغيطاني لـ «ثورة 25 يناير»، إلا أنّه لم يخف دعمه الواضح للمجلس العسكري خلال فترة الحكم الانتقالي. كما لم يخف رفضه لتجربة حكم محمد مرسي الرئيس الاخواني الذي تمت الاطاحه به في ما سمي بـ «ثورة 30 يونيو». كان الغيطاني أبرز داعميها كما من أبرز الداعمين للرئيس عبد الفتاح السيسي ضمن سياق دفاعه الدائم عن الجيش المصري انطلاقاً من خبرته كمحرر عسكري. ورغم دخوله طرفاً في العديد من المعارك، الا أنّ كل المثقفين المصريين عبروا عن حزنهم البالغ لرحيل «حارس الذاكرة المصرية».

سيد محمود - الأخبار

 

يوم فتح لي صومعته و«جنة الكتابة»
في اليوم الأخير لي في القاهرة قبل عودتي للكويت مطلع هذا الشهر، تلقيت اتصالاً هاتفياً من رقم لم أتعرف إليه. وحين ميزت صوت المتصل، هتفت «أستاذ جمال، صباح الجمال»، ورد بصوت مبتسم «والله صباح الجمال أنت». كنت سعيداً جداً باتصال الغيطاني، لأنه كان يُفترض أن ألبي دعوة للإفطار معه وعائلته، لم تتحقق بسبب تعرضهم جميعاً الزوجة والابنة والابن، بالإضافة إلى الحفيد مالك، لتسمم غذائي حاد اقتضى إدخالهم المستشفى لعشرة أيام متواصلة.

كنت أتابع أخبارهم عن طريق زوجته السيدة ماجدة الجندي التي تربطني بها علاقة زمالة وصداقة وأمومة، لكني استشفيت منها مدى تأثر صحة الغيطاني بهذا التسمم. لذلك، سعدت جداً حين أتاني صوته مستعيداً لصحته وحيويته. تحدثنا مطولاً عن أزمة الرقابة على الجودة في مصر، والفساد، والطبقة الجديدة من رجال الأعمال الذين يستثمرون أموالهم عبر علامات تجارية تجتذب الطبقات الراقية بينما يفتقدون أدنى معايير الرقابة على العمال الذين يوظفونهم. وهالني اعتذاره عن عدم تمكنه من حضور احتفال توقيع روايتي، فيما كان جبيني يندى خجلاً، وأنا أعلم جيداً الظرف الصحي الذي يمر به. ثم أخبرني أنّه في المقابل كان حريصاً على الحصول على الرواية، وأنه شرع في قراءتها ثم أضاف لاحقاً أنه إذا كان وجودي في الكويت يوفّر لي فرصة الكتابة بهذا الشكل، فعليّ أن أستمر في ذلك لفترة. والحقيقة أنني أحب هذا الجانب النبيل في شخصية الغيطاني: الرعاية والدعم واختلاق الفرص للتشجيع والدفع بالكتابة الشابة. وقد فعل ذلك معي وغيري في «الأخبار» و«أخبار الأدب»، وكتب عن الكثير من الشباب، وأفسح المساحات لإبداعاتهم، كما قدم بعضهم في برامج تلفزيونية حوارية قدمها في منتصف الألفية.
أظن أن بإمكان من عملوا معه بشكل يومي ومباشر أن يكتب كل منهم عنه كتاباً، وأكاد أتنبأ بالكثير من تفاصيل هذه الكتب لو أُنجزت. لكن ما يهمني الإشارة إليه هنا الكيفية التي كان يتعامل بها مع كتيبة المبدعين من محرّري «أخبار الأدب»، باعتبارهم نجوماً وكتّاباً كباراً. منذ اليوم الأول لعمل كل منهم، وبحكم عملي في «الأهرام»، ولقرب المبنيين المتجاورين، كنت أمر عليهم كثيراً في مقر «أخبار الأدب». كنت أشهد في كل زيارة حواراً مطولاً بين الغيطاني وواحد منهم في شأن عام أو عن ظاهرة ما تشغله أو في بعض تفاصيل العمل. وكنت أغبطهم حقاً بالعمل مع رجل مثله. وأظن أن هذا النبل أحد معادلات النجاح الكبير الذي حققته «أخبار الأدب».
أعتبر نفسي محظوظاً لكوني أحد من أتيح لهم الدخول إلى صومعته، غرفة الكتابة والقراءة في منزله. واطلعت على نوادر ما تضمّه من مخطوطات وكتب في التراث والآداب، بينها نسخة من «وصف مصر» مثلاً، وعدد هائل من كتب الفن التشكيلي بلغات أجنبية، ومكتبة موسيقى عالمية من كل ثقافات العالم. تعرفت إلى «جنة الكتابة» التي يعيش فيها وينتج فيها إبداعاته ومقالاته، خافضاً رأسه حين ينكب على العمل، مانحاً الفرصة لشخص واحد فقط أن يكون مراقباً له. حين لمحت اللوحة، ضحك قائلاً: «هذا هو الكبير»، وكانت الصورة لدوستويفسكي.
استدعيت وما زلت أستدعي الكثير من مواقفه وذكرياتي معه، وحكايات كثيرة أخرى منذ علمت بانتقاله إلى المستشفى. قالت لي ماجدة الجندي بصوت متهدج حاولت أن تشغله وتجعله متوازناً بتكرار ما يقوله الأطباء عن حالة الغيبوبة التي يمر بها. استدعى ذلك عندي ما حكاه لي يوماً عن تجربة نومه في تابوت في الهرم الأكبر، قائلاً إنه من فرط الظلام والهدوء كان يشعر بملمس الصمت. قالت لي ماجدة الجندي إنّ ما حدث يشبه إنهاكاً من فرط إجهاد المخ الذي أوحى للجسد أنه يمرّ بأزمة قلبية. «كان بيشتغل 23 ساعة يا ابراهيم». لهذا، زاد يقيني بأن ما كان يمرّ به ليس سوى استراحة محارب أنهك نفسه في التفكير والعمل، بجد ودأب. لذلك ولأسباب أخرى عدة، ما زلت أؤمن أنه قد يفيق ليحكي لي تجربة وعيه الغائب في ملكوت أفكاره عن الزمن والعالم والحياة والأدب.

إبراهيم فرغلي- الأخبار


الحكّاء الذي بنى عالمه قطعةً قطعة
جمال الغيطاني في العناية المركزة. كانت الجملة باترة وموحشة وصاحبها الشاعر إبراهيم داوود لا يريد الاسترسال في الكلام أكثر من ذلك. كان مثقلاً بحزن واضح يُرافقه خوف متوارٍ بصعوبة خلف شكيمة مصرية قوية، ولكن الهَمُّ أعياها. خوف على زمن قد يأتي بدون رفاق الدرب الذين بدأوا في التساقط خلال أسبوع واحد استحق أن يكون أسبوع الآلام المصري بامتياز.

تزامن هذا مع دخول جمال الغيطاني العناية المركزة ليخوض غمارَ حربٍ ضد وجع قلبه. منذ وُلد هذا الجنوبي في قرية جُهينة في محافظة سوهاج عام 1945 وهو رهين قتال يتجدد كل فترة، ينتصر فيه ليعود أقوى وأكثر حكمة. بدأ بتجربة الاعتقال القصير عام 1966 ليتحول بعدها مراسلاً حربياً لمدة أربع سنوات على الجبهة المشتعلة وقتذاك، ثم يتفرغ بعد نهاية الحرب لمشروعه الصحافي والروائي، وتبدأ حروب جسده الداخلية في الظهور. كانت البداية مع ضيق شريانه الذي أجرى له عملية قلب مفتوح خلّدها في أحد كتبه، ثم توالت الآلام، ومعها اشتعال حروب الغيطاني ضد المرض، من آلام القلب إلى آلام الحَصْر، والغيطاني لا يتوقف عن الكتابة والمعاناة. ينتمي الغيطاني إلى جيلٍ ظُلم لحساب مَن سبقه من جيل نجوم الأدباء إن جازت توأمة النجومية والأدب. بالطبع كان ظُلماً غير مقصود، ففتيان الستينات بدأوا الكتابة وقت توهج نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، والسباعي، وإحسان عبد القدوس، وغيرهم على اختلاف مشاربهم ومدارسهم. ولذا جاء بهاء هذا الجيل خافتاً، لكن جذوة الوهج لم تنطفئ لوجود موهبة حقيقية أعلنت نفسها بقوة في ما بعد، تحت عباءة أساتذة المرحلة وعلى رأسهم محفوظ الذي احتضن الغيطاني، والقعيد، وسعيد الكفراوي، وغيرهم من شباب الأدباء في مجالسه القاهرية الشهيرة. وكما أخلص محفوظ لقاهرته القديمة الأثيرة روائياً، أخلص لها الغيطاني بحثياً، فعمل بجدٍ يُحسد عليه لحفظه تاريخها سياسياً وثقافياً وفنياً.
في الوقت عينه، كانت تجربة الغيطاني الروائية والقصصية تسير بهدوء شديد، وبلا أي ضجيج مفتعل. الحكّاء صاحب تجربة السرد شديدة الخصوصية بنى عالمه الروائي قطعةً قطعة بلا رضوخٍ لقوانين السوق الأدبي، فجاء البنّاء متماسكاً، والأساس غاية في المتانة منذ استقبلت الأوساط الأدبية في الستينيات مجموعته «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» التي حملت جانباً من الفانتازيا كان غريباً وقتها على الوسط الأدبي المصري، مروراً بروايته الفذة «الزيني بركات» وليس نهاية بــ «وقائع حارة الزعفراني». ولدى الغيطاني ما يقوله عكس الكثير من أبناء جيله الذين لعبوا على تيمات الستينات المعتادة من وقائع الحرب إلى يوميات المعتقل والأحلام المجهضة لهذا الجيل الذي قُدِّر له أن يخوض حربين، ويشهد تداعي ايديولوجيا الستينات القومية أمام سطوة كامب ديفيد، بالإضافة إلى تفرغهم لاحقاً لمناصبهم الإدارية، فنضبت تجربة أغلبهم مبكراً جداً، ولم ينج من هذا النضوب إلا قِلَّة كان جمال الغيطاني أحدهم.

هند جعفر- الأخبار


لسان حال المواطن المصري
جمال الغيطاني اسم كبير في مجال الرواية العربية وعلامة بارزة في جيل الستينات. يصنّف على أنّه خلق جماليات جديدة بعد نجيب محفوظ من خلال روايات تستمد التاريخ المملوكي والتراثي للشعب المصري، بالإضافة إلى وعيه التاريخي بالقاهرة القديمة. حتى أنه كتب أكثر من دراسة عن القاهرة ترجمت إلى لغات عديدة. كتب الغيطاني روايات تستمد الواقع المصري مثل رواية «وقائع حارة الزعفران» و«الزيني بركات»، و«يوميات شاب عاش ألف عام»...

وكلها تتحدث بعمق عن الانسان المصري ومعاناته على المستوى الوجودي أو في مواجهته مع السلطة. ولعل اللغة التي استخدمها في سرده قد جددت اللغة العربية وأحيا العديد من المفردات والبلاغات السردية التي كانت مهجورة من العديد من كتاب الستينات، إلى درجة أنّ نجيب محفوظ نفسه قد استعار أسلوب الراوي الشعبي في «الحرافيش» بعد قراءة بعض نصوص الغيطاني وهذا باعتراف الغيطاني نفسه. لم يتوقف الأخير عند اللغة التراثية، بل استخدم الحس الصوفي. ظهر ذلك في «التجليات» التي كتبها ولاقت نجاحاً وقبولاً على المستويين النقدي والجماهيري. لعب الغيطاني دوراً حيوياً في نشر الأدب العربي المعاصر من خلال إصدار ملحق «أخبار الأدب» ليصدر أصواتاً جديدة. قدم جوائز عديدة لشباب الأدباء، وأسهم في نشر الأدب المصري العربي من خلال هذا الملحق الأدبي الذي تعدّى حدود القطر المصري إلى العديد من الدول العربية. أيضاً، قدم أصواتاً عربية عديدة للقارئ المصري، وأسهم في نشر ثقافة الحوار الثقافي والحوار مع المبدعين. كان ذا مواقف في دعم الثقافة المصرية، استخدم قلمه وكونه رئيس تحرير للدفاع عن حرية الابداع والمبدعين. موقفه في رواية حيدر حيدر (وليمة لأعشاب البحر) وأزمة الروايات الأربع كان مشرفاً، إذ أظهر أنه كاتب ينتصر للإبداع وحرية الفكر من دون قهر أو ضغط من أي قوى مهما كانت مسمياتها. يتميز أسلوب الغيطاني بالذاتية والغنائية الشعرية، بالإضافة إلى الوثائقية الاجتماعية التي توضح، وتعكس العلاقات الأسرية، بالإضافة إلى وعيه بالمتغيرات الاقتصادية وشكل الفساد الذي أطاح بالمجتمع، بخاصة بعد الانفتاح الاقتصادي وخاصة أثناء تولي الرئيس السادات مقاليد الحكم وعقد معاهدة كامب ديفيد وتوغل السياسة الأميركية وازدياد نفوذ اسرائيل في المنطقة. وقد أوضح ذلك في روايته «حكايات المؤسسة» التي عكس فيها الفساد البيروقراطي في المؤسسة الحكومية.
من السمات الأساسية والانسانية للغيطاني أنّه وقف دوماً مع الجيل الجديد من الشباب ودعمه إنسانياً وابداعياً. أتذكر أنه أثناء توقيع روايتي «خمارة المعبد» المترجمة إلى الانكليزية، حضر معرض الكتاب ليهنئني وأخذنا صورة تذكارية معاً.

بهاء عبد المجيد - الأخبار


عن مُتعة مصاحبته الى مطارحه الأثيرة
لن أزايد على المصريين في الكتابة هنا عن راحلهم الكبير الأديب جمال الغيطاني. إنه ابنهم وأديبهم وفخرهم، وهم على دراية به أكثر منّي، سوى أنني أنتصر هنا لعلاقتي بنفسي وبوفائي للرجل ولأدبه. أكتب إذن في الجزء الذي يعنيني كمتابعة لأعماله، وأكتب في الجزء الأكثر خصوصية، المتعلّق بوفائي للرجل الذي دأب على تكريمي وإحاطتي في ترددي المتقطع الى القاهرة التي أُحبّ، لمّا أن كرمهُ كان يُخجلني، وتُخجلني متابعته العارفة لما كنت أكتبه حينها في "السفير" وفي "القدس العربي" إلى مساهمات في "أخبار الأدب" التي كان يرأس تحريرها.

كان هناك دائماً، جمال الغيطاني في سفري المكوكي الى القاهرة. كانت "أخبار الأدب" وكان أصدقائي، عزت القمحاوي ومنصورة عزّ الدين ومحمد شعير وحسن عبد الموجود. كان هناك دائماً، الغيطاني أقنص من وقته بضعة عشيّات، يُهديني فيها مُتعة مصاحبته الى مطارحه الأثيرة، الى "الحسين" خصوصاً، مزارنا المفضّل في جلّ أماسينا معاً.
أدخل إليه في مكتبه فتُشرق عيناه مع إبتسامة ضنينة الى حدّ، نرشف القهوة مُتمهلين في سرد وتبادل الأحوال، ثم نخرج الى أحد أماكنه التي غدت أماكني من كثرة ما يغدقه عليها من معرفة وإحساس. إحساس بالمكان وبحجارته وكان الأمر يذهلني. نخرج الى أماكنه التي يكون حددّها لزيارتي، مرتبكة وسعيدة برفقته المهيبة.
في السيارة وقد وضع في جهاز التسجيل: "البيض الأمارة" لنسمعها معاً، وكنتُ أهديتهُ الأغنية مُسّجلة بصوتي، فيروح يسأل سائقه: هل تعرف صوت من هذا؟ هل تعرف من تُغنّي؟ وإذ يتلعثم السائق في من تكون صاحبة الصوت، يقول له الغيطاني: إن هذا الصوت الكبير لهذه السيدة الصغيرة التي تجلس في الخلف. هل تسمع هذا الصوت؟ هذه السيدة التي نُقلّها هي صاحبتهُ، وهي صديقتي. وإذ يُلقي السائق نظرة عجلى في المرآة الصغيرة العاكسة أمامه الى صاحبة الصوت، يُهمهم الغيطاني منتصراً: أجل إنها هي من تُغنّي "البيض الأمارة" لعبد الغني السيّد، فلا أتمالك الشعور بالزهو والخجل من إطراء "الأستاذ" الذي كنت قرأت له أهمّ أعماله الأدبية من "أوراق شاب عاش منذ الف عام " بتلك اللغة التاريخية المملوكية التي تستهوي الغيطاني الى "الزيني بركات" وتجلياته وكتاباته عن مصر.
هاتفت يوماً زوجته السيدة ماجدة الجندي في أميركا، تقف على راحته في غرفته في المستشفى، إثر عملية في القلب كان أجراها هناك منذ سنوات. سألت السيدة اللطيفة أن أسمع صوته، وسمعتهُ لاهثاً مُتعباً. واظبت طويلاً في بيروت على متابعة حلقات برنامجه، يُعيننا بخبرته الواسعة وبحبه وبتعلّقه بتراث مصر العظيم على معرفة ما نرى ونشاهد من أماكن على صلة عميقة بحضارة مصر وتاريخها.

عناية جابر- الأخبار

جمال الغيطاني: صورة شخصية للكاتب ومكابداته
جمال الغيطاني روائي العربية الأكبر الآن شخصية استثنائية، وحياته الشخصية تشكل رواية فاتنة فى الحب، والصراع مع الحياة وبها، وفي مغالبة المحن، وفي الجلدّ والصبر والدأب والعناد والذكاء والمناورة، والمرونة والصلابة والقدرة على احتواء ضربات الخصوم والكارهين لموهبته اللامعة، وشخصيته، وقدرته على فهم الحياة والناس والثقافة والفنون، والدولة والسلطة المتسلطة، ومهارة اللعب مع دسائس الصحافة، وأحن ومنافسات عديدين في الحياة الثقافية المصرية والعربية.

حياة تبدو كرواية لروايات متعددة داخلها، ذات أصوات متعددة الحضور والظلال والأزمات الوجودية. رواية حول سرد العصامي القاهري المولد ذي الأصول الصعيدية الذي استطاع مغالبة ضغوط الحياة القاسية الصعبة، والتي تبدو كدراما تراجيدية اغريقية في أهاب –شكل- معاصر.. حياة تقلبت بين تغيرات السياسة والثقافة والمعاني والرموز على نحو متسارع ومتلاحق ولاهث. كيف استطاع أن يواجه بعض الظروف التي بدت كحتميات، وكأنها قدريات تحول بين هذا الفتى القاهري وبين المعرفة الرفيعة والمكانة الثقافية المتميزة؟ وأن يواجهها في جسارة وإقدام وعناد ويكسرها ويتعامل معها ويتكيف كي يضع اسمه علماً على الرواية المصرية والعربية معاً، ويدخل عبر لغته الخاصة إلى عالم السرد الروائي العالمي عبر ترجمة عديد الأعمال الكبرى إلى الفرنسية وسواها من اللغات الكبرى.
أديب مصري وعربي ذو نزوع عالمي يتجلى من خلال سردياته وشخوصه وبشره الذين أبدعهم ويحملون همومهم الإنسانية البسيطة والمعقدة، ويتحولون إلى أصوات حاملة للقيم والإشكاليات والمصائر الوجودية للإنسان عامة أيا كانت تواريخه وانتماءاته وتحيزاته وتوجهاته وثقافته وحظوظه من حيث الخير والشر والجمال والقبح، والتداخل بين هذه المحركات الإنسانية. أنها رواية الروايات عن كاتب كبير ومقتدر ومقاتل في قلب معترك الأخطار والتواريخ والشخصيات والمؤسسات والرموز والسياسات في بلاده وفي عالمه العربى. شخص استثنائي، يحمل في تكوينه الطيبة واللطف والحنان والكرم والعذوبة في جانب انسانوي مفرط لأصدقائه ومحبيه وأسرته، ولمطلق الإنسان المصري، حيث يميل مع الخير واللطف حيثما يميلا، لا يبادر بنزاع أو شجار الآخرين، لديه قدرة خاصة على الاحتفاء بالمواهب والمبدعين، ويتحدث بإيجابية عنهم ويسعى لمعرفتهم وتقديمهم إلى جماعة القراء ويكتب عنهم. ويبدو في بعض الأحيان مقاتل شرس إذا تم تجاوز مكانته وقيمته، أو تعرض لهجوم أو تشويه في غير محله، من هنا تبدو الشراسة والعزيمة في رد هجوم الآخرين أو إساءاتهم. أنها آليات دفاعية ذاتية عن جمال الغيطاني الموهوب والمبدع الكبير إزاء جماعة ثقافية وأدبية مشغوفة بالنميمة والشراسة إزاء المواهب الحقيقية التي استطاعت أن تفرض حضورها عبر أعمالها الإبداعية وجهدها الشاق والمضني في إثبات ذاتها وموهبتها في مجتمع ثقافي يعاني من الفرص النادرة.
عصامية الغيطاني فريدة ومتميزة استطاع عبر موهبته ودأبه على التعلم والقراءة الواسعة العميقة في متون الثقافة المصرية والعربية والعالمية، أن يستوعب روحها وعمقها في التاريخ وتحولاتها، على نحو كرسه كمثقف كبير قبل أن يكون روائي متميز في سردياته وأعماله.
مكنت ثقافة الغيطاني وتكوينه الثقافي، وإطلالاته على التاريخ والناس والحجر والأساطير والرموز أن يكون واحداً من كبار الصحفيين المصريين والعرب، ويسرت له مهارات أسلوبية ولغوية متعددة في الكتابة الصحافية، كمراسل حربي في جبهات القتال، استطاع أن يحلل بعض الجوانب العسكرية والإنسانية المعقدة في تركيبة الجندي المصري في عمق وسلاسة أسلوبية ومهارة كتابية في جريدة "الأخبار". الحياة في الخنادق على جبهات القتال طرحت معها أسئلة الوطن والحياة والموت في وعي الغيطاني الكاتب والروائي البارز، ومن ثم تشكلت خبراته الصحفية من العمل الميداني، وكذلك من العمل سابقاً في قسم المعلومات، ومن ثم استطاع الجمع بين العمل المعرفي وبين العمل الميداني الخبري وفي مجال التحقيقات وكتابة التقارير الصحفية المتخصصة وهو ما أهله لرئاسة الصفحة الأدبية في "الأخبار"، ثم تأسيسه لواحدة من أهم التجارب الصحافية الثقافية المصرية، وهي جريدة "أخبار الأدب" التي استطاعت أن تملأ فراغاً كبيراً في الثقافة المصرية، في فترة تراجعت فيها المجلات الثقافية، وتراجع الحضور الثقافي المصري في الإقليم وارتحلت الكتابات المصرية الأدبية والنقدية والإبداعية وهاجرت إلى منابر في الإقليم العربي، لاسيما بيروت، والعراق، وصحف الخليج والسعودية، وإلى الصحافة العربية فى باريس ولندن.
استطاعت "أخبار الأدب" أن تكون إطلالة مصرية على الثقافات العربية ونافذة يطل منها المثقف والمبدع المصري على الآداب والثقافات العالمية، حيث قدم فيها الاتجاهات الجديدة في الشعر والقصة والرواية والنقد، ليس هذا فحسب بل قدم فيها الفنون التشكيلية والبصرية المصرية والعالمية ليدمج بين الإبداعات السردية، والبصرية معاً، لتتشكل بعض ذائقة القارئ المثقف. أهم ما في تجربة "أخبار الأدب" عديد الأمور منها:
1- اكتشاف جيل التسعينيات وما بعد وسروده المتميزة والإبداعية والمتغيرة ونظرته إلى الحياة، حيث سادت النزعة ما بعد الحداثية التي ركزت على المشهدية، وثورة الحواس والشهوانية، والولادة المتعثرة والصعبة للفرد في ظل تسلطية السياسة والقيم الجماعية والدينية السلفية والمحافظة، وسحق الإنسان في تفاصيل اليومي ومخاتلاته، وأكاذيبه، وإزدواجياته، وفي دوائر الانفصام داخل الشخصية ووجوهها المتعددة وتناقضاتها، وتوتراتها.. الخ. وجدّ هذا الجيل في "أخبار الأدب" ملاذاً لها في ظل غياب حركة نقدية نشطة تتابع وتقيم السرود الجديدة ولغتها المختلفة.
2- قدم الغيطاني عديد الكتابات العربية الجديدة، والترجمات عن اللغات العالمية ليتعرف عليها الجيل الجديد من الكتاب.
3- أبرز الغيطاني عديد الأسماء الشابة من المحررين المتخصصين في القضايا الثقافية، وبعضهم من المبدعين الذين ساهموا في اغناء السرد المصري والعربي، وبعضهم أصبح لامعاً ككتاب وصحفيين ثقافيين بارزين، وأعطى لهم مكانة ودوراً متميزاً.
من أبرز إسهامات جمال الغيطاني الثقافية هو اهتماماته بالتراث الأدبي العربي، وإشرافه على سلسلة عنيت بالتراث الأدبي العربي ونشره في مختلف أجناسه الأدبية، وعلى رأسها طبعة "بولاق" الشهيرة لألف ليلة وليلة وغيرها من الأعمال الشعرية، ومن متون وأصول التراث الصوفي وتجاربه وتجلياته وبحوره الروحية في الصعود والمعراج والحلول على مألوف تجارب الوجد الصوفي لدى كبار المتصوفة. هذا الإسهام الثقافي بالغ الأهمية من عديد الزوايا ومنها: تحيين هذا التراث وجعله معاصراً، بوصفها تجارب ثرية ولامعة على صعيد التجربة الأدبية، والنصوص الإبداعية، ومن ثم تنطوي على أصالة، واستمرارية حداثية في عمقها البعيد. إتاحة الفرصة لأجيال من الكتاب والمثقفين والقراء الإطلاع على هذه النصوص التراثية الهامة.
تكشف اختيارات جمال الغيطاني لنصوصه التراثية عن عمق المعرفة والإطلاع على عيون التراث العربي. يعود ذلك إلى أن إبحاره في هذه المتون والتجارب الحاملة لها هي التي شكلت أبرز معالم تجربته الأدبية ومشروعه السردي المفتوح وتحولاته، منذ عمله الأول المدهش أوراق شاب عاش منذ ألف عام، والزيني بركات.. الخ. استمد من عوالم العصر المملوكي وأجواءه ونسقه اللغوي وسروده، أقنعة لغوية وشخوصاً معاصرة تحمل همومها الوجودية والحياتية والإنسانية والسياسية حول الحرية والقمع والتسلط على نحو أعطى لأعماله فرادة وتميزاً بين مجايلية الذين تأثروا بما ترجم لأرنست هيمنغواي وبعض الأدب الغربي والروسي.
استطاع الغيطاني باقتدار أن يخرج من المرجع الروائي المحفوظي – نسبة إلى عميد الرواية العربية نجيب محفوظ- وسرده الذي أسس لشرعية الرواية في الأدب العربي.
رغم مخالطة الغيطاني لمحفوظ إلا أنه خرج عن دائرة أعماله الإبداعية ليؤسس عالمه الخاص، ويطوره. أخذ الغيطاني من محفوظ الدأب والنظام وصرامة العمل وجديته والوفاء لعمله الابداعي والعناية به، رغماً عن انشغالاته الصحافية. هذا هو درس محفوظ الكبير الذي استوعبه جمال الغيطاني ومارسه بجدية. من الموروث الصوفي وتجاربه المتعددة، أخذ الغيطاني تجارب العشق والوجد والفناء والمعراج والحلول، وشفافية اللغة وفلسفتها وغنائيتها دون إفراط. من هنا جاءت تجلياته تعبيراً عن رؤاه وتجربته ولغته الخاصة.
الغيطاني تجربته الوجودية مصادرها متعددة، على رأسها ولعه بالعمارة وموسيقاها في مختلف عصورها الفرعونية والرومانية والقبطية والإسلامية والحديثة، وعمارة ما بعد الحداثة.
بصيرته واستبصاره الجمالي والموسيقي- ذو الرهافة والشفافية والعمق والحساسية المفرطة- أعطياه القدرة على الإنصات إلى موسيقى العمارة والحجر والتكوين فى المنازل، والمساجد، والكنائس والأبنية. انصت الغيطاني إلى هذه القطع الموسيقية المجففة والمنسابة بين الأحجار وتشكيلاتها. من هنا سر ولعه بالجمالية وحواريها وأزقتها ومنازلها وفضاءاتها، وما وراءها من فلسفة كامنة في ما وراء الأحجار. جمال الغيطاني جبرتي القاهرة المدينة ما بعد الألفية، وتواريخها وتقلبات الزمن والبشر على فضاءاتها. هو كما سبق أن أسميته حارس الذاكرة والمدينة والظلال.. حارس ذاكرة مصر والتاريخ في مختلف عصوره، ومدنية القاهرة، والدولة الحديثة والجيش والبشر والبيروقراطية، وحارس الظلال، ومن ثم تملك ذاكرة بصرية يقظة وحادة، لكل الأمكنة والبشر وما ورائها يحفظها هي وما تحمله بمجرد النظرة والتأمل والسؤال.
ذاكرته البصرية ليست قصراً على مدينة القاهرة، وإنما الأماكن التي سافر إليها باريس، ونيويورك وشيكاغو، وقرطبه، وفاس، ومراكش، وبيروت وغيرها من المدن، تحفظ ذاكرته الأمكنة وخباياها وقصصها ورواياتها عن ظهر قلب كما يقال في الوصف الكلاسيكي العربي.
الغيطاني من أكثر التجارب الروائية العربية تفرداً فى خصوصياتها وإنسانيتها ومن ثم كان من أكثر الروائيين ترجمة وتوزيعاً فى اللغة الفرنسية ونشرت أعماله الهامة "الزيني بركات" و"التجليات" وغيرهما فى دار نشر Seuil. وهو ما يشير إلى الاهتمام الفرنسي والغربي بأعماله المتميزة فى إطار السرد العالمي والعربي والمصري.
الغيطاني يمتلك واحدة من أهم المكتبات العربية الخاصة، وفيها كنوز هامة، وبعض الكتب النادرة، وكذلك مكتبة موسيقية نادرة تحتوي على موسيقات عربية وغربية وآسيوية حيث موسيقات العالم التقليدية والشعبية، والحديثة، على نحو ندر أن تجده إلا في المكتبات العامة والمتخصصة في الموسيقى. كلها أدوات المثقف الكبير والموهوب.
جمال الغيطاني يمثل مشروعاً روائياً مصرياً وعربياً مفتوحاً ومتميزاً في تاريخ الرواية العربية المعاصرة، وهو مشروع عابر لزمنه ومستمر في المستقبل ومن ثم يمثل صوتاً فريداً من أصوات السرد العربي المعاصر. هو ذ ذائقة وفضاءات خاصة من الصعوبة بمكان تقليده أو استعارته أو تجاوزه من حيث طبيعة المشروع ولغته والإنجاز السردي.

نبيل عبد الفتاح - الأخبار

جمال الغيطاني .. نقاش القاهرة
رحل عبد الحكيم قاسم باكراً، ثم غاب محمد البساطي وخيري شلبي وإبراهيم أصلان، واليوم انضم إليهم جمال الغيطاني بعد كوما استغرقت أشهراً. لولا بقاء البهاء طاهر وأدوار الخراط وصنع الله إبراهيم وإبراهيم عبد المجيد «طالت أعمارهم» لبدا لنا أن عهداً من الرواية المصرية، وهي في الصميم من الرواية العربية، مشرف على الانتهاء، فالأرجح أن رواية الستينيات، الرواية ما بعد المحفوظية، استنفدت أو قاربت النفاد ولا شك أن غياب جمال الغيطاني أحد أبرز وجوه هذا الجيل، إشارة بعيدة إلى انتهاء عصر.
الرواية ما بعد المحفوظية لم تكن محفوظية إلا في سجالها مع نجيب محفوظ وانشقاقها عنه، في الوقت الذي بقيت في أطرافه. كانت الرواية ما بعد المحفوظية تمرداً على اجتماعية محفوظ وتقديمه للتاريخ والانتساب الطبقي والسياسي على خصوصية الأفراد. مقابل ذلك أحلّ كتاب الستينيات الأفراد محل المجتمع والطبقة، مقابل شبه الوثائقية حرر كتاب الستينيات الخيال والفانتازيا، ومقابل نثرية محفوظ شبه الحرفية أطلق كتاب الستينيات اللغة والشعر. انتقد عبد الحكيم قاسم وأدوار الخراط محفوظ غير هيّابين، وحاوره جمال الغيطاني، أما اصلان وشلبي وطاهر وإبراهيم فتجنبوا المسألة من الأساس، لكن الواضح أن عهداً آخر للرواية ورواية جديدة ومتنوعة قد قاربت النضج، وسيكون غياب الغيطاني، كما كان غياب قاسم وأصلان وشلبي، وكما هو حضور طاهر وصنع الله وإبراهيم عبد المجيد، مناسبة للاحتفاء بها وإرسائها في المحل الذي تستحق من تاريخنا الأدبي.
كان جمال الغيطاني محاوراً لنجيب محفوظ لكنه في مطلع حياته رد على علي الراعي الناقد الذي كتب انه تأثر بنجيب محفوظ. لم يكن التأثر بمحفوظ شبهة يخشاها الأديب الذي وصلته بمحفوظ صداقة حميمة. غيطاني الذي دخل إلى الأدب عن غير طريق محفوظ لم يكن ليخشى أن يُنسب إليه. كانت طريق الغيطاني إلى الرواية فريدة جداً وخاصة للغاية. لقد دخل عن طريق التراث وليس أي تراث، إنه التراث الذي كتبه أدباء شبه شعبيين في مرحلة كانت الفصاحة العربية فيها في حال من الركود، والأدب أقرب إلى اللسان الشعبي. إلى جانب ابن أياس والجبرتي دخل الغيطاني إلى الأدب عن طريق آخر، هو هذه المرة يمتاز بصميميته وتحرره وخياليته العالية وروحانيته، الأدب الصوفي ألهم الغيطاني بقدر ما ألهمه الجبرتي وابن أياس فانطوى أدبه على خاصيتين شبه متناقضتين: أولاهما السرد الحكائي والإخباري شبه الشعبي وشبه المحكي، أما ثانيتهما فهي تحرير اللغة والخيال والغوص في الوجدان وتفتح الذات وتنسم الروح فيما يشبه الشغف والشعر وأساليب الدعاء. هذا الطريق الخاص أمّن لجمال الغيطاني فرادة وخصوصية وعالماً مستقلاً.
جمع في آن واحد الأخبار والرصف التاريخي والنفس الحكائي والشغف واللهف الروحانيين. في كل ذلك كانت تجربة الغيطاني لغوية في الأساس، فقد أسعفته الهلهلة اللغوية على النقش التاريخي، كما أسعفته الأساليب الصوفية على البث الوجداني والبوح الداخلي.
كان الغيطاني مثله مثل نجيب محفوظ روائي العاصمة «القاهرة»، لكن قاهرة محفوظ كانت حارات وأناساً أما قاهرة الغيطاني المملوكية الأيوبية غالباً فلم تكن فقط بنت اليوم، كانت قاهرة تاريخية كما كانت أيضاً معماراً وهندسة ونقوشاً ومساجد وبوابات. قاهرة غائرة في الزمن، لذا كتب جمال الغيطاني عنها كتابة متشابكة مشجرة متعرجة تكاد تشبه نقوشها وهندستها وبواباتها. هكذا نكاد نشعر إزاء رحيله أن مئذنة مصرية انكسرت أو بوابة اقتلعت من القاهرة.


عباس بيضون - السفير

الجدل الذي لا ينتهي
لم تكن حياة الكاتب الروائي جمال الغيطاني سهلة وناعمة بأي شكل من الأشكال، فهو ابن الأسرة الفقيرة والمتقشّفة، والتي كان يحلم عائلها بستر أبنائه فقط، وتوصيلهم إلى مراحل التعليم العليا، وفي ظلّ تلك الحياة، كانت الأسرة تعيش كل أنواع المتاعب الاقتصادية التي كان الوالد يتحايل بطرق عديدة ومذهلة، لكي يتجاوزها.
هذه الآلام الفجّة التي مرّت بها الأسرة، لم تكن إلا حافزاً ومصدراً لإلهام الفتى اليافع جمال أحمد الغيطاني، لكي يتعرّف على العالم من خلال الكتاب والمخطوط، ويعيد إنتاج هذا العالم بطريقته الخاصة، وفق أحلام وهواجس ومخاوف وآمال وأشكال عديدة من التوتر، تحولت كل هذه التشابكات النفسية المعقدة عند الشاب الذي يقرأ في نهم دائم، إلى حكايات وقصص ومطولات سردية، ولم يتخل جمال الفتى والشاب والكهل والشيخ عن تلك المطوّلات السردية طيلة حياته.
كتب تلك السرديات البدائية، وهو ابن أربعة عشر عاما، وكان يمزج حكايات الوالد البسيطة والمعبّرة، بقصص من قرأ لهم، بالطبع كانت تلك السرديات مجرّد شخبطات وتدريبات على الطريق، فكتب مقلداً ـ في البداية ـ كلّ الكتّاب الروس، وأولهم دوستويوفسكي، وكانت رواية قصيرة لم ينشرها عنوانها «المساكين».
كانت رواية «المساكين» المعدومة، مدخله إلى العالم وإلى التعرّف على الكتابة، فالكتابة كانت بديلا خياليا لبناء مملكته الخاصة، هذه المملكة التي شيّد فيها جمال ـ بطريقته المعمارية ـ رواياته وقصصه، الزيني بركات وأوراق شاب عاش منذ ألف عام ووقائع حارة الزعفراني وحكايات الغريب ومنتصف ليل الغربة وإتحاف الزمان بحكايات جلبي السلطان، وغيرها من سرديات فتن بها القراء والباحثين عموما طوال مسيرته.
نشر جمال سردياته القصصية القصيرة في عدد من المجلات والصحف المصرية والعربية، مثل مجلة «بناء الوطن»، وفيها نشر عدد من أقرانه أبناء جيل الستينيات، وفي «المحرر» اللبنانية، وغيرها من مطبوعات، ولكن كان بروزه الأول عندما نشرت مجلة «القصة» المصرية فى يونيو 1965 عددا كاملا تحت عنوان «الطلائع»، ونشر فيه جمال قصة عنوانها «أحراش المدينة»، وفيها يبحث البطل عن أمه التي تاهت منه في الزحام، البطل كان عاملا في أحد المصانع، أي من الطبقات الكادحة، والبحث هنا لم يكن بحثا وجوديا فلسفيا، البطل كان اسمه «مصري»، والأماكن محددة ومعروفة، إذ يقول الغيطاني في مطلع القصة: «.. كيف جئت؟؟ كم إشارة مرور عبرت إلى هذا الشارع؟ فجأة انتبهت إلى قدمي فوق رصيف شارع سليمان.. آخر طريق أذكره جيدا سور الأزبكية»، وهكذا يسترسل جمال في سرد واقعي وقائعي ـ بالأخص ـ، وجدير بالذكر أن المكان كان بطلا دائما في كل سردياته، المكان الممزوج بالزمان.
تعقيب
 وبرغم أن القصة الأولى تفصح عن هوية واضحة، وبسيطة إلى حد كبير، إلا أن الدكتور علي الراعي ـ أحد الناقدين المصريين الكبار ـ الذي كتب تعقيباً نقدياً حول القصة، وكان هذا التعقيب هو أول ما كتب عن قصص جمال، قال إن القصة تسير على درب نجيب محفوظ، والغيطاني كان متأثرا فيها برواية «الطريق»، مما دفع جمال الغيطاني في العدد التالي مباشرة، ليكتب تعقيبا طويلا، ليوضّح فيه أنه لم يكن متأثرا بنجيب محفوظ، ففكرة البحث عن غائبين وتائهين ومفقودين منتشرة في الأدب العالمي، قبل نجيب محفوظ بعقود بعيدة، وكان هذا التعقيب الجريء الذي كتبه جمال الغيطاني لافتا له إلى حد كبير، وتساءل الناس: من هذا الفتى الذي يتجرأ على أحد عمالقة النقد والفكر في مصر؟ من هذا الكاتب الشاب الذي يصحّح لعلي الراعي، ويقول له: «إننا نجد في الأدب الفرعونى قصة إيزيس الباحثة الصبورة عن أشلاء زوجها أوزيريس الذى قتله إله الشر، كذلك في الأدب والأساطير اليونانية حيث يدور ياسون في بحث دائب شاق عن الجزيرة الذهبية لكي يسترجع ملك والده»، وهكذا راح جمال يدافع عن حصونه الفنية باعتزاز وجدارة ثقافية ظلا يلازمانه طيلة حياته.
ولم يكن هذا البروز لافتا للقرّاء والناقدين فحسب، بل كان لافتا للسلطات البوليسية والسياسية، وكان انتشار جمال الأدبي ذو القيمة النوعية، مقلقا لتلك السلطات، خاصة أن الغيطاني كان صديقا لليساريين، إن لم يكن واحدا منهم، لذلك ألقت السلطات القبض عليه فى سبتمبر في العام 1966، مع خيرة أبناء الجيل، منهم عبد الرحمن الأبنودي وإبراهيم فتحي وغالب هلسا وصلاح عيسى وسيد خميس وسيد حجاب وصبري حافظ ومحمد عبد الرسول وغيرهم، وفي المعتقل مورست علىيهم أقسى أنواع التعذيب، وتحدث الغيطاني عن تلك التجربة في المؤتمر الذي خصصه مركز البحوث العربية والأفريقية في العام 2009، ونشرت شهادته المؤثرة في كتاب عن «أدب السجون» أصدرته الهيئة المصرية العامة للكتاب في العام الماضي.
وتحت ضغوط محلية وعالمية، استدعت جان بول سارتر ورفيقته سيمون دي بوفوار، خرج المعتقلون من شباب الأدباء في مارس 1967، ليمارسوا الحياة السياسية والثقافية من جديد، وليواجهوا كارثة يونيو 1967، وفي تلك الأثناء كتب الغيطاني أولى قصصه العبقرية، والتي راح يبحث عن صيغة فنية مختلفة تماما عن اللون السائد في الكتابة، فكتب قصص مجموعته الأولى «أوراق شاب عاش منذ ألف عام»، ونشرت هذه المجموعة في العام 1969 في سلسلة كتاب «الطليعة»، تلك السلسلة التي شارك فيها كل من الكتاب الشباب محمد يوسف القعيد وسمير محمد ندا وجمال الغيطانى، ودفع كل منهم مبلغا من المال، ليصدروا كتبهم، طالما أن الدولة رفعت مسؤوليتها عن إصدار الكتابات الجادة للشباب.
الفتح
 كانت مجموعة «أوراق شاب عاش منذ ألف عام» فتحا جديدا في عالم القص، ولست مبالغا في وصف صدور تلك المجموعة القصصية بـ «الفتح»، إذ احتفى بها كتّاب كبار ونقاد مرموقون، مثل علاء الديب ومحمد عودة وابراهيم فتحي ولطيفة الزيات ومحمود أمين العالم الذي احتفى بالمجموعة وكاتبها إذ كتب في جريدة الأخبار فور صدور المجموعة قائلا: «مجموعة من القصص القصيرة كتبها الأديب والفنان جمال الغيطانى، لا تتخذ المسار التقليدي للتعبير، فلا تسرد حادثة، ولا تحكي حكاية، ولا تعرض لشخصيات أو مواقف، وإنما تتذرع في معظمها بأحداث تاريخية قديمة»، هذه الأحداث التاريخية القديمة هي التي رافقت إبداعات جمال الغيطانى في الزيني بركات التى استقاها من العصر المملوكي، كان جمال يستقي احداث التاريخ، وعينه على الواقع، ليس على الطريقة الرمزية، ولكنه كان يرى أن التاريخ متواصل، وبذلك فالأمور لا تنفصل. فالزيني بركات هو الشخصية التى تعمل في الشرق العربي طوال تاريخه، كذلك كان التاريخ موجودا وقائما وفاعلا في غالبية السرديات التى أشرنا إليها سابقا في صدر المقال.
وفي تلك الفترة استطاع محمود أمين العالم أن يلحق الغيطاني بمؤسسة أخبار اليوم، مما أعطى فرصة عظيمة للغيطانى حتى يكون مراسلا حربيا، من أهم المراسلين الحربيين، ويكتب كتابين فريدين، الأول هو «المصريون والحرب»، والثانى «حرّاس البوابة الشرقية»، وأعتقد أن الكتابين كانا وما زالا ـ حتى الآن ـ دليلين على العقيدة القتالية الشجاعة عند أبناء الشرق العربى، رغم أن الكتاب الثاني نال قدرا من التقريع والنقد، وهذا مما يعد من المكائد التي كانت تحاك لجمال الغيطاني دائما، حتى أن الرجل لم يفكر في إعادة نشر ذلك الكتاب المهم.
جاءت كل نصوص جمال الغيطاني منذ مجموعته القصصية الأولى، مرورا بروايته «شطح المدينة والتجليات ورسالة في الصبابة والوجد وأيام الحصر.. حتى آخر نص له»، نوعا من الجدل الفني والأدبي، هذا الجدل الذي لم ينته، ولن ينتهي برحيله الفاجع، ولكن هذا الرحيل سيكون بداية جديدة لقراءة الرجل في حياد أدبي وفني وفكري منزّه عن كل المشاحنات التي يخوضها الأحياء من دون جدوى.

شعبان يوسف - السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...