غليان شعبي في منبج: نعم لطرد «قسد»
شكّلت معاناة أهالي المناطق الخاضعة لسيطرة «قسد»، من جرّاء فقدان الكثير من المواد الأساسية، وعدم توافرها في الأسواق المحلية، دافعاً لكثير من سكّان مناطق شمال سوريا وشرقها للتظاهر ضدّ «قسد»، والمطالبة بتحسين الواقع المعيشي. وأتت حملة «التجنيد الإجباري» الواسعة التي أطلقتها «قسد»، تحت مسمّى «واجب الدفاع الذاتي»، واعتقالها أعداداً كبيرة من الشبّان، لتزيد من حدّة الاحتقان ضدّها، وتهدّد بخروج الأمور عن سيطرتها في منبج وريفها. وكانت ارتفعت، قبل أسبوعين، وتيرة الاحتجاج ضدّ «قسد»، بعد قرار «الإدارة الذاتية» الكردية رفْع أسعار المحروقات بنسب تفاوتت بين 100 و300%، قبل أن تعد إلى طيّ القرار تحت الضغط الشعبي. لكن بعد تراجعها عن القرار، شهدت غالبية مناطق سيطرتها شحّاً في المحروقات والغاز والخبز والموادّ الأساسية الأخرى، ما دفع الكثير من الأهالي إلى الدعوة إلى تظاهرات شعبية، لإعادة توفير هذه الموادّ كما كانت قبل إلغاء قرار رفع الأسعار. ومن هذا المنطلق، إضافة إلى رفض حملة التجنيد الإجباري، نفّذ أبناء مدينة منبج إضراباً عاماً أغلقوا فيه الأسواق بشكل تامّ، توازياً مع الخروج في تظاهرات فرّقتها «قسد» بإطلاق الرصاص على المشاركين فيها، ما أدّى إلى مقتل مدني وإصابة آخرين.
ووجّه المتظاهرون اتّهامات إلى «قسد» بسرقة ثروات الشعب السوري من نفط وقمح، وتهريبها إلى الخارج، في وقت يعاني فيه الأهالي من أزمات اقتصادية خانقة، وعدم توافر مستلزمات الحياة الأساسية. في المقابل، حاولت «قسد» التبرّؤ من حادثة إطلاق الرصاص، من خلال إصدار بيان ادّعت فيه أن «عناصر النظام السوري أطلقوا النار على تجمّع للمدنيين في قرية الهدهود شمال منبج، ما أدّى إلى استشهاد مدني وإصابة ثلاثة آخرين»، لكن من دون أن يقنع البيان أحداً. وعلى إثر ذلك، توسّعت رقعة التظاهرات والاحتجاجات مساء أول من أمس، لتشمل غالبية أرياف منبج، حيث تمكّن الأهالي من السيطرة على عدد من حواجز «قسد» في قرى خطّ الساجور، ما دفع الأخيرة إلى إعلان حظر تجوال تامّ لمدّة يومين، في محاولة للسيطرة على الأوضاع المتوتّرة في المنطقة. كما أصدر شيوخ ووجهاء عشائر موالون لـ»قسد» بياناً أعلنوا فيه «اجتماعهم مع قيادات قسد، حيث وضعوا مطالب المواطنين كافة أمامهم، بما يخدم المصلحة العامة»، داعين «الأهالي إلى قطع الطريق أمام المندسّين وأصحاب النفوس الضعيفة الرامية إلى ضرب استقرار المنطقة».
مع ذلك، لم يرضخ الأهالي لقرار حظر التجوال، وخرجوا في تظاهرات واسعة في مدينة منبج وريفها، تعرّضت لإطلاق رصاص مجدّداً من عناصر «قسد»، ما تسبّب في استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين، يوم أمس. ودفعت هذه التطوّرات المحتجّين إلى قطع طريق الحسكة ــــ منبج وطريق منبج ــــ حلب، وطرد عناصر «قسد» من عدة نقاط ومواقع لهم على أطراف مدينة منبج، وفي ريفها الشمالي الشرقي. كما رفع عدد منهم العلم السوري الرسمي فوق حاجز لـ»قسد» في قرية الخطاف، للتعبير عن تأييدهم دخول الدولة السورية بمؤسّساتها كافة إلى المدينة. وفي هذا السياق، يلفت مصدر عشائري من مدينة منبج، إلى أن «الهدف الرئيسي للإضراب والتظاهرات هو إلغاء التجنيد الإجباري، وتوفير المواد الأساسية، وتحسين الواقع المعيشي»، معتبراً أن «أسلوب قسد القمعي بإطلاق الرصاص الحيّ على المتظاهرين، حوّل المطالب المعيشية إلى مطالب بخروج قسد من المنطقة». ويشير إلى أن «قسد تحكم المناطق العربية عبر قيادات من خارجها، مع عدم منح أيّ سلطات لسكّانها»، مضيفاً أن «مناطق قسد تعيش أسوأ واقع معيشي، على رغم أنها تُعدّ منابع الثروات الاقتصادية في البلاد، وهو أمر لم يعد مقبولاً شعبياً». ويدعو المصدر العشائري قيادة «قسد» إلى «التوقّف عن سرقة ثروات الشعب السوري، وتسليم حكم المنطقة لأهلها»، معتبراً أن «عودة الدولة السورية إلى المنطقة بعد توافر الظروف المناسبة لذلك، هي ضمانة للاستقرار النهائي لها».
ومع اشتداد حدّة التظاهرات في منبج، دعا ناشطون محلّيون إلى إضرابات واعتصامات في جميع مدن وبلدات محافظة الرقة الخاضعة لسيطرة «قسد»، لإلغاء التجنيد الإجباري، وتحسين الواقع المعيشي. وفي محاولة للتخفيف من وطأة الاحتجاجات، لمّحت وسائل إعلام تابعة لـ»قسد» إلى وقوف كلّ من تركيا والحكومة السورية وراء الاحتجاجات، لزعزعة أمن واستقرار المناطق الخاضعة للسيطرة الكردية. وجاء ذلك في وقت تعرّضت فيه مواقع انتشار الجيش السوري على خطوط التماس مع الفصائل الموالية للاحتلال التركي في ريف منبج، لقصف بـ23 قذيفة، مع اشتباكات متقطّعة بين الطرفين.
أيهم مرعي
إضافة تعليق جديد