فراغ السلطة في لبنان وأبرز السيناريوهات المحتملة
الجمل: أصبحت الساحة اللبنانية على موعد مع الزلزال الوشيك القادم مع اقتراب موعد الحسم في مصير الرئاسة اللبنانية، وبرغم التحركات السياسية الداخلية والدبلوماسية الخارجية (العربية والدولية) فإن التصعيد ما زال متفاقماً.
* توازن القوى في الساحة اللبنانية:
تسيطر على الساحة اللبنانية حالة الانقسام الثنائي بين فريقين:
• قوى 14 آذار: تعمل بزعامة مثلث سمير جعجع، وليد جنبلاط، سعد الحريري، باتجاه انتخاب الرئيس من بين صفوفها، بالاستناد إلى الأغلبية البرلمانية.
• قوى 8 آذار: تعمل بزعامة السيد حسن نصر الله ونبيه بري وميشيل عون وبقية زعماء المقاومة الوطنية اللبنانية من أجل انتخاب رئيس لبناني يلبي شروط الإجماع الوطني.
* الأطراف "الثالثة" في الصراع اللبناني:
بسبب موقع لبنان الاستراتيجي الهام، والذي تخطط إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من أجل استخدامه كممر جيو-سياسي لاستهداف سوريا، فقد تزايدت أهمية الصراع السياسي في لبنان، مما أدى إلى تزايد الأطراف "الثالثة" الناشطة في الساحة اللبنانية، ويمكن تقسيم هذه الأطراف إلى مجموعتين:
• معسكر العدوان: ويضم بالإضافة إلى إسرائيل كل من أمريكا وفرنسا وبريطانيا إضافة إلى مصر والأردن والسعودية.
• معسكر الدفاع عن النفس: ويضم بالإضافة إلى سوريا، إيران وبعض الدول الأخرى المؤيدة لحق سوريا في الدفاع عن النفس.
* طبيعة الصراع اللبناني – اللبناني:
استطاعت منظمات اللوبي الإسرائيلي والصحافة الإسرائيلية، ومن وراءها الإدارة الأمريكية، وقوى 14 آذار، تصنيف قوى الصراع وفق تنميط ثنائي يصور المسرح السياسي اللبناني باعتباره يشهد مواجهة بين المؤيدين والمعارضين للنفوذ السوري هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى يقوم بـ"تغييب" العامل الإسرائيلي الذي ظل ناشطاً بقدر متزايد وملحوظ داخل الساحة السياسية اللبنانية طوال الحقب الماضية. بكلمات أخرى، أدى هذا التنميط إلى التغطية على محاولات إسرائيل التغلغل والسيطرة في الساحة اللبنانية من أجل الانطلاق إلى مرحلة جديدة من الصراع مع سوريا وبقية دول منطقة الشرق الأوسط.
حالياً، وتحت ستار هذه التغطية تتحرك الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بنشاط من أجل "ملء الفراغ" الذي أحدثه في الساحة اللبنانية (جزئياً) انسحاب القوات السورية، وجزئياً بسبب سيطرة قوى 14 آذار على مقاليد الأمور في لبنان، وانتهاجها لسياسات موالية للغرب أدت إلى مزيد من الانكشاف الأمني الداخلي اللبناني أمام التغلغل الإسرائيلي.
كذلك أصبحت الحملة الأمريكية – الإسرائيلية ضد لبنان، لا تهدف إلى فرض نفوذ إسرائيل على لبنان وحسب، بل واستخدامه كنقطة متقدمة في حملة المواجهة القادمة ضد سوريا وإيران.
* "فراغ السلطة" اللبناني المحتمل: أبرز حسابات المخاطر:
برغم قيام جميع الأطراف بالإعلان صراحة عن مواقفها النهائية، فإن الإدارة الأمريكية لم تعلن حتى الآن عن موقفها النهائي إزاء الأزمة اللبنانية، وإن كانت قد أوضحت ذلك عن طريق الكثير من التلميحات غير المباشرة التي استخدمت لهجة التهديد ضد سوريا وحزب الله وإيران..
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الصادرة اليوم أسماء المرشحين الذين زعمت بأنهم المرشحون الذين سوف تنحصر بينهم عملية "المفاضلة" الرئاسية النهائية، وهم: نسيب لحود، بطرس حرب، ميشيل سليمان، جوزيف طربيه، روبير غانم، شكيب قرطباوي، ودامينوس قطار.
وأشار التقرير إلى أن على البرلمان اللبناني المكون من 128 عضواً، أن يختار في يوم 23 تشرين الحالي –كحد أقصى- الرئيس اللبناني الجديد وفقاً لمبدأ اقتسام السلطة الذي توافق عليه زعماء الطوائف الدينية اللبنانية عام 1943م.
تشير المعلومات إلى أن حدوث فراغ السلطة المتوقع في حال فشل قوى 14 آذار وقوى 8 آذار في التوافق على رئيس قبل يوم 23 تشرين الثاني الحالي، سوف يترتب عليها احتمالات حدوث بعض السيناريوهات، أبرزها:
• قيام الكتل السياسية بتجاوز الأطر الدستورية المؤسسية، وهذا السيناريو سوف يحدث حصراً إذا قامت قوى 14 آذار بانتخاب رئيس غير توافقي يحظى باعتراف ومساندة قوى 14 آذار من جهة، ومن الجهة الأخرى ترفض قوى 8 آذار الاعتراف به وترد على ذلك بعدم الاعتراف بقرارات وتوجهات الرئيس الجديد الذي سوف يكون من أولوياته القضاء على المقاومة اللبنانية ونزع سلاح حزب الله وإقامة قاعدة القليعات... والمضي قدماً باتجاه "اتفاقية السلام الإسرائيلية - اللبنانية" التي سوف تعطي إسرائيل حق التدخل في الجنوب اللبناني، واستخدم لبنان كمجال وقاعدة للعدوان ضد سوريا. تصاعد المواجهة بين الرئيس الجديد وقوى 8 آذار سوف يؤدي إلى اندلاع العنف السياسي خاصة وأن إسرائيل وأمريكا تدفعان باتجاه ذلك.
• تدخل الجيش اللبناني، وهذا السيناريو سوف يتوقف حدوثه على اللحظات الأخيرة، ومن المؤكد أن مجرد ظهور اسم العماد ميشيل سليمان قائد الجيش اللبناني الحالي، في قائمة المرشحين للرئاسة اللبنانية قد هيأ الأجواء والإدراك في صفوف الجيش والرأي العام اللبناني إلى احتمالات قيام الجيش بالتحرك في الوقت المناسب من أجل درء خطر الحرب الأهلية. ومن الواضح أن قوى 14 آذار تدرك أبعاد ذلك، وتؤكد ذلك تصريحات بعض زعماءها الرافضة لترشيح العماد سليمان لمنصب الرئاسة، باعتبار أن ذلك يخالف نصوص الدستور اللبناني. ولكن في حالة تدخل الجيش، فإن سيناريو الصراع اللبناني - اللبناني سوف يظل قائماً. بكلمات أخرى، إذا تدخل الجيش فإنه سيجد نفسه في مواجهة قوى 14 آذار خاصة إذا حاول الجيش الحفاظ على الأوضاع القائمة، أما إذا حاول تغيير ما هو قائم عن طريق التحالف مع قوى 14 آذار ومطالبة المقاومة وحزب الله بنزع سلاحهما، فإن الجيش حينها سيدخل في مواجهة مع المقاومة وحزب الله.
عموماً، لى صعيد الرأي العام تقول المعلومات بأن الصراع بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار في حالة اندلاعه سوف يكون صراعاً يمكن تصنيفه على النحو الآتي:
• على أساس الاعتبارات الخارجية: بين قوى لبنانية موالية للغرب، وقوى لبنانية معارضة للغرب.
• على أساس الاعتبارات الدينية: بين تحالف سني – مسيحي، وتحالف شيعي – مسيحي، هذا ولما كانت العلاقات بين المسيحيين حول الرئاسة أقل حدة، فإن التوقعات تقول بأن الطائفة المارونية لن تدخل في صراع داخلي وسينحصر الصراع بين السنة المؤيدين لسعد الحريري والذين يجدون الدعم من سمير جعجع (أقلية مارونية) والمليشيات التابعة لوليد جنبلاط من جهة، ومن الجهة الأخرى حزب الله وحركة أمل وبقية فصائل المقاومة اللبنانية. وبتصاعد وتيرة الصراع فإن التوقعات تقول باحتمالات أن تتدخل أمريكا وإسرائيل في إدارة هذا الصراع ليأخذ شكل الصراع السني – الشيعي، وهو الأمر الذي خطط له ديك تشيني وجماعة المحافظين الجدد طويلاً بالنسبة للبنان.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد