فلسطنة لبنان
خصصت الولايات المتحدة للتسوية الفلسطينية في السنوات الاخيرة من الجهد والوقت ما يتجاوز بكثير ما منحته للبنان. ومع ذلك، فإن ما آلت اليه احوال الفلسطينيين، جعل حتى بعض اللبنانيين الراغبين في الانعزال، يرثي لبؤس حالهم.
يعيش اللبنانيون هذه الايام في محنة. خصص جورج بوش لنا بعضا من وقت وزيرة خارجيته، وهي خطوة يفترض ان تثير الرعب في قلوب اللبنانيين وعقولهم. ذلك ان الاهتمام الاميركي عادة ما ينتهي بعقوبات او مذبحة او حرب اهلية.
نتأمل صور الاطفال الشهداء هنا، وفي غزة والعراق، ولشدة تماثلها تثير الدهشة. البصمات الاميركية تغطي مسرح الجريمة، وتظهر بوضوح على جثث القتلى وفي الساحات والشوارع الملقاة فيها او تحت انقاض المنازل.
لم يتعود اللبنانيون معاملة منصفة لا من كوندليسا رايس التي تقول انها تصلي من اجلنا، ولا من جورج بوش الذي نادى في الايام الاخيرة، بحق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، اكثر مما ردد اسم زوجته.
سنحبس انفاسنا فيما تغادر البارجة الحربية رايس التي ما كان يفترض ان تستقبلها سواحلنا السياسية المنتهكة سيادتها. لقد حددت رايس سلفا اطار اي مبادرة اميركية: اغاثتنا والسماح بقتلنا.
ان الحركة الاميركية الحالية لبنانيا، تتشابه كثيرا مع الترتيبات التي تحاول فرضها على الساحة الفلسطينية في مرحلة ما بعد ياسر عرفات. هناك معادلة قائمة في الجنوب في ما بعد التحرير العام ,2000 ترغب اسرائيل في تعديلها، وانضمت واشنطن الى هذه الرغبة في مرحلة ما قبل صدور القرار ,1559 وعززت جهودها في ما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
ان الاجتياح الجوي الاسرائيلي الحالي، يمثل الذروة في هذا التحرك الاميركي الاسرائيلي. اما حضور رايس في هذه اللحظة بالذات، وتمنعها مع ادارتها عن طلب وقف اطلاق النار طوال الاسبوعين الماضيين، فيمثلان عنوانا صريحا للاستثمار السياسي للعدوان.
يذكّر هذا الأسلوب بما هو متبع في غزة، أي ترك الضحية حتى الرمق الاخير، والتدخل في مرحلة انعاش الميت لانتزاع تنازلات ممكنة. ومع الفارق الكبير بين الرجلين، الا ان الاميركيين جربوا هذا الاسلوب مع ابو مازن، ويجربونه الآن مع فؤاد السنيورة.
دفع الفلسطينيون ضريبة كبيرة من الدم، وهم يعاندون محاولات فرض المعادلة الجديدة. اصحبت السلطة في واد والفصائل والشارع في واد ثان. اصبحت منجزات السلطة ركاما، واوسلو تحت الانقاض، وخريطة الطريق مثار سخرية، والمبادرة العربية في خبر كان.
افادت عملية حزب الله لأسر الجنديين الاسرائيليين، في قطع محاولة ابتزاز الفلسطيني المحتضر. وتشبه مهمة رايس في بيروت، هذا العمل السياسي الرخيص. وما من شك، في ان هذه المناورة الدبلوماسية، هنا وهناك، تحاول الاستفادة بشكل واضح من حالتي التشرذم على الساحتين السياسيتين الداخليتين في فلسطين ولبنان، مع فارق اساسي، هو ان الشارع الفلسطيني بلغ مرحلة الحد الاخير من التراجعات، ما يضع قيودا صلبة على استعداد ابو مازن للخضوع لشروط انعاش اللحظة الاخيرة.
اما في لبنان، فهناك من لا يزال يقول، خاصة بين بعض قوى 14 آذار، ان التنازلات ما زالت ممكنة، طالما ان الاميركيين قالوا صراحة انهم سيحافظون على الديموقراطية الناشئة في لبنان، وان الاسرائيليين يستشهدون بمواقف بعض اقطابها تعبيرا عن الرغبة في التودد للبنانيين. ويبقى السؤال المطروح، بعدما غادرت رايس، حول الاثمان التي تتحمس بعض الاطراف اللبنانية، بعد كل هذا الدمار، لدفعها، من خلف ظهور المقاومين في مارون الراس.
تختصر صورة هؤلاء المتحمسين ما قاله في الايام الماضية دبلوماسي عربي في واشنطن عندما سخر من تزايد الكلام الاسرائيلي المعسول ازاء لبنان في ظل المذبحة الجارية. لخص هذا الدبلوماسي المشهد بالقول ان رجلا يغتصب ضحيته بوحشية، ويعدها بأنه سيكون صديقا ودودا... بعدما ينتهي!
خليل حرب
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد