فلسطين: تصعيد أوروبي «مبهم» بغطاء أميركي ونتنياهو يهزأ ويسرّع الاستيطان
في أول إشارة إلى أن الأسرة الدولية تفهم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن دولة فلسطين بشكل مغاير لفهم إسرائيل له، شرعت الدول الأوروبية منذ يوم أمس بحملة منسقة للضغط على إسرائيل بعد قرارها توسيع الاستيطان في الضفة الغربية. ويبدو أن الضغط الأوروبي هذه المرة يختلف أيضاً عن ضغوط سابقة، كونه، وفق الكثير من المعلومات، منسق مع الإدارة الأميركية التي إضافة إلى إعرابها عن الغضب من العربدة الاستيطانية الإسرائيلية، أوحت بأن هناك حسابات تحتاج إلى تصفية مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو الذي «قامر» وخسر الرهان الرئاسي الأميركي. وشجعت هذه المواقف المعارضة الإسرائيلية التي رفعت وتيرة خطابها ضد نتنياهو، وصارت تشدد على أنه «يشكل خطراً على إسرائيل».
وفي ما يشير إلى تحد إسرائيلي أكبر للمواقف الأوروبية والأميركية على حد سواء، كشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عن موعد بحث اللجنة اللوائية في القدس في خطة إنشاء 1700 وحدة سكنية في مستوطنة «رمات شلومو» بعد أسبوعين. وكانت خطة البناء هذه قد صودق عليها بشكل أولي في آذار 2010 أثناء زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن وأثارت في حينه أزمة في العلاقات بين الدولتين. وإثر الأزمة تم تجميد الخطة وخطط أخرى، لكنها في حمّى «الرد الصهيوني» على «الشرعية الدولية» تم إخراجها من الأدراج مجددا.
وتقع مستوطنة «رمات شلومو» على أراضي قرية شعفاط الفلسطينية التي باتت ضمن أحياء القدس الشرقية المحظور على الفلسطينيين البناء فيها لمصلحة المشاريع الاستيطانية اليهودية. وكان أهالي شعفاط قد رفعوا التماسات واعتراضات على خطة مصادرة أراضيهم وإقامة المستوطنة عليها. وتحاذي «رمات شلومو» ما يعرف بالمنطقة «إي 1» (E1)، التي يعني الاستيطان فيها إنهاء التواصل الإقليمي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، وبالتالي إلغاء التواصل في الدولة الفلسطينية العتيدة.
وقد بدأت الحملة الأوروبية المنسقة ضد الحكومة الإسرائيلية صباح أمس، بعد انتهاء عطلة نهاية الأسبوع، باستدعاء كل من السويد، وبريطانيا وفرنسا سفراء إسرائيل لديها لإبلاغهم الاحتجاج على قرار البناء في المستوطنات والحث على البناء في المنطقة «E1» قرب القدس. وقالت وزارة الخارجية البريطانية: «إننا ندين قرار الحكومة الإسرائيلية بناء 3000 وحدة سكنية وتسهيل البناء في منطقة E1. إن هذا يهدد حل الدولتين».
وأكدت الحكومة البريطانية في بيان أنها «دعت حكومة إسرائيل لإلغاء هذا القرار». وكان وزير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية أليستر بيرت قد استدعى السفير الإسرائيلي في لندن دانييل تاوب «وعرض أمامه عمق المخاوف البريطانية». وشددت الخارجية على أن «كل قرار حول الخطوات التي ستتخذ من قبل بريطانيا يتعلق بنتائج مباحثاتنا مع حكومة إسرائيل، ومع الشركاء الدوليين بمن فيهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي».
وأشارت صحيفة «هآرتس» إلى أن قرار نتنياهو تسريع خطة البناء في المنطقة «E1» وبناء 3000 وحدة سكنية جديدة في الكتل الاستيطانية وفي شرق القدس أصاب بالصدمة وزارات الخارجية ومكاتب الزعماء في لندن وفي باريس. وفضلاً عن حقيقة أن بريطانيا وفرنسا تريان في البناء في «E1» «خطاً أحمر»، فإن الغضب في العاصمتين نبع من الاحساس بأن إسرائيل ردت بخطوة ناكرة للجميل على التأييد الكبير الذي تلقته من بريطانيا وفرنسا أثناء العدوان ضد غزة. وقال ديبلوماسي أوروبي لـ «هآرتس»، «إنهم في لندن غاضبون على القرار بشأن E1».
وعلى حد قول ديبلوماسي أوروبي كبير، فقد قرر البريطانيون والفرنسيون العمل بالتنسيق لبلورة رزمة خطوات عملية تتخذ في الأيام القريبة المقبلة، وتُوضح لحكومة إسرائيل كم هو عظيم الغضب عليها. وبدأت المداولات في هذا الشأن منذ يوم الجمعة الماضي، ومن المتوقع أن تستمر اليوم. وأطلع البريطانيون والفرنسيون الادارة الاميركية ودولا أوروبية أخرى مثل ألمانيا على خطواتهما.
وقال ديبلوماسي أوروبي كبير: «هذه المرة ليست مجرد بيانات شجب، بل ستكون أعمال حقيقية حيال اسرائيل».
ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية حكومة نتنياهو إلى تجنب توسيع الاستيطان، مبيناً أن الخلافات مع نتنياهو لن تحول دون زيارته المرتقبة إلى برلين واجتماعه مع المستشارة أنجيلا ميركل.
بدورها، نددت فرنسا بشدة بالقرار الإسرائيلي، ودعا وزير الخارجية لوران فابيوس حكومة إسرائيل لتجنب «كل قرار يوسع المستوطنات، بل إظهار الرغبة في استئناف المفاوضات».
أما الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، فقال إن بلاده لا تريد «الدخول في منطق العقوبات»، وإنما في «عمل إقناع» إسرائيل على التراجع عن قراراتها. وأضاف: «أكثر ما يقلقنا هو إقامة مستوطنات جديدة مع كل ما يمكن أن يترتب على ذلك من عواقب على عملية السلام».
كذلك حمل وزير الخارجية السويدي، كارل بيلدت، بشدة على القرار الإسرائيلي. وقال إن هذه الخطوات «تشكل انتقاماً واضحاً من الفلسطينيين بعد التصويت في الأمم المتحدة».
وكانت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون قد أعلنت أن توسيع الاستيطان يشكل «خطوة إستراتيجية تضر بآمال قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات تواصل إقليمي مع القدس كعاصمة مشتركة لها ولإسرائيل».
وانضمت روسيا إلى إعلانات إدانة الخطوة الإسرائيلية، ودعت إلى إعادة النظر في القرار الاستيطاني. واعتبرت الخارجية الروسية «النوايا الإسرائيلية خطيرة جداً، لأن تجسيد مخططات بعيدة المدى في المستوطنات ينطوي على تأثير سلبي على مساعي استئناف المفاوضات المباشرة لحل الدولتين».
ويبدو أن الإدانة الأوروبية للخطوة الإسرائيلية هذه المرة تختلف عن السابق في ما يوحي بأن القرار الدولي كان فعلاً تحذيرا لإسرائيل بأن رصيدها ينفد، إذ نشرت شبكة «سكاي نيوز» نبأ يفيد بأن الحكومة البريطانية ستبحث قريباً في إعادة سفيرها من تل أبيب، وفي تعليق اتفاقيات التجارة مع إسرائيل رداً على خطط البناء الاستيطاني. وتجدر الإشارة إلى أن بريطانيا هي رابع شريك تجاري لإسرائيل في العالم بعد الولايات المتحدة وهونغ كونغ وبلجيكا. وقيل أيضاً أن وزارة الخارجية البريطانية لديها «شهوة للعمل ضد إسرائيل»، وهي ترى أن «كل الخيارات موضوعة على الطاولة». وبرغم ذلك نفت شبكة «بي بي سي» أن تكون بريطانيا تنوي سحب سفيرها في تل أبيب. غير أن مصادر ديبلوماسية أوروبية في فلسطين أبلغت جهات فلسطينية متعددة ان أوروبا جادة هذه المرة في ردود فعلها، وانها لن تسمح لإسرائيل بالانفراد بالسلطة الفلسطينية أو تمرير هكذا قرارات من دون رد.
من جهتها، نشرت صحيفة «يديعوت» تقريراً يفيد بتصاعد التوتر بين نتنياهو والرئيس الأميركي باراك أوباما. وأشارت إلى أن رام عمانويل، المقرب من الرئيس اوباما، هاجم في نهاية الاسبوع نتنياهو بشدة على خلفية دعمه لمرشح الحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة ميت رومني، وقال: «هذا الرجل: نتنياهو راهن على الرجل غير الصحيح، وخسر».
إلى ذلك، أفادت صحيفة «نيويوك تايمز» الأميركية أمس بأن أوباما نفسه عرف بنية نتنياهو البناء في المستوطنات رداً على قرار الجمعية العامة قبل بضع ساعات من البيان فقط. وبحسب التقرير، فقد أعرب البيت الابيض عن غضب شديد على اسرائيل لقرارها تسريع خطة بناء آلاف وحدات السكن حول القدس والمستوطنات أي في المنطقة «E1». ووفقاً للصحيفة، فانه عندما علم اوباما بالقرار الاسرائيلي، فضل ألا يتصل بنتنياهو. وقال السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل إن «هذا ليس بضعة منازل اخرى في القدس وبناء آخر على تلة في الضفة الغربية. هذا يتعلق بالمنطقة E1، التي هي احد الاماكن الأكثر حساسية».
وبالرغم من أن إسرائيل كانت تتوقع ردود فعل أوروبية وأميركية على قرار توسيع الاستيطان، إلا انها تعتقد أن هذه الردود لن تخرج عن المألوف. وأعلنت الخارجية الإسرائيلية أن ردود الفعل الأوروبية لم تخرج عن الاتصال بالديبلوماسيين الإسرائيليين والإعراب أمامهم عن احتجاج شديد اللهجة جداً. ولكن الاستهانة الرسمية الإسرائيلية بالاحتجاج الأوروبي والأميركي فاقمت الانتقادات الداخلية للحكومة الإسرائيلية.
وحملت وزيرة الخارجية السابقة تسيبي ليفني بشدة على رئيس الحكومة الإسرائيلية معتبرة أن «نتنياهو السياسي يبعد العالم من أجل مصلحته». وأضافت ان «حكومة نتنياهو تعرض إسرائيل للخطر. والخبر الأخير عن فرنسا وبريطانيا يثبت مرة أخرى أن خطوات الحكومة الديبلوماسية سيئة لإسرائيل».
بدوره، شدد وزير الدفاع الأسبق بنيامين بن أليعزر على أن «هذه السياسة ستقود إسرائيل إلى العزلة»، مشيراً إلى أن «العالم يفقد صبره إزاء السياسة غير المسؤولة لنتنياهو».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد