في علم نفس الجماهير والأفراد: سيكولوجيا سطوة المرآة
د. عماد فوزي شعيبي
أن تكون مرآةً لطموحات الآخرين ولأفكارهم يجعلك رمزاً لهم وسرعان ما تنال ثقتهم وتصبح لك سطوة عليهم. فالناس تحب من يشبهها. ونرجسيتها تجعلها لاتريد إلاّ مرآتها.
ولهذا يرفض الناس أصحاب الأفكار الجديدة المخالفة لمعتقداتهم، ولهذا لا طاعة لنبي بين قومه وفي عصره، وكذلك المبدعون.
ولهذا أيضاً يقوم الحب على من يشبهنا بما نحب وما نكره، أو هكذا نظن. ولهذا عندما نكتشف أن من أحببنا لا يشبهنا فعلاً (وهو كذلك)
المرآة المنقسمة:
المرآة التي ترى وجهين متناقضين معاً هي المرآة الموضوعيّة. ففي صراع شخصين إذا تحدثت عن ايجابيات وسلبيات الطرفين معاً ستخسرهما معاً ولن يقبلك أحدهما، ولا حتى وسيطاً للحل. وفي تكتيك التعامل معهما أن تقول لكل منهما ما يرضيه دون الانحياز الكامل له حتى إذا حدث اللقاء بين المتصارعين لا يكرر أحدهما ما قلته عنه بما يناقض الآخر فتخسر مكانتك وصدقيتك.
كذلك تتناقض المرآة مع نقيضها لحظة انقسام الشعوب. ففي الأزمات ينجح أولئك الذين يتحدثون للشعوب عما تريد.
ففي حالات التمزق المجتمعي وقيام الثورات؛ ينقسم المجتمع إلى ثوار ومحافظين ومعتدلين وحكماء. ويصبح للإعلام شكل المرآة؛ فالثوار يقودهم من يغذّي نزعتهم الثورية ويتحدث لهم عما في داخلهم، أما دعاة الاستقرار فسيكون ممثلوهم من يتحدثون بلغتهم الداخلية، وهكذا تتناقض المرآتان ويصبح ممثلو هؤلاء أعداء لممثلي الطرف الآخر والعكس بالعكس، فلا أحد يستطيع تمثيل الطرفين وعكسهم كالمرآة معاً.
وحدهم الموضوعيون والحكماء الذين يتحدثون عن ايجابيات وسلبيات الطرفين من يخسرون في البدايات الطرفين. ولكن في حال استعار الصراع ومرور الزمن عليه يصبح كلا الطرفين يبحثان عن مرآة سلبيات صراعهما فيغدو الموضوعيون أقرب لكليهما. ولكن هذا لا يحدث إلا بعد تحوّل الصراع إلى صراع مزمن أو بعد انتهاء الصراع.
كذلك في العلاج النفسي يمكن للمعالج أن يشعر المريض أنه يشبهه وأنه مرآته وأنه يعكس مكنوناته ومعاناته، فسرعان مايكسب ثقته وتدريجياً يتم علاجه استعرافيّاً بما يحوّل أعراضه باتجاه آخر يكون حلاً لمشكلته.
في الدروس يمكن تطبيق هذا على الطلاب بحيث يكون الأستاذ صورة لمعاناة ودواخل طلابه، فيكون مرآةً لهم، وسرعان ما يستطيع أن يقدم لهم درساً يدخل عقولهم لأنهم سيكون قد درّسوا أنفسهم ! بالمرآة.
في العمل كلما كان الرئيس أو ربّ العمل مرآة لطموحات الموظفين وأحاسيسهم وشعورهم كان النجاح حليفه.
يُشترط فيمن يمثل المرآة أن يقود زواياها لا أن تتحكم به فيصبح أسيراً للآخرين ويفقد قدرته على الفعل والتأثير.
إضافة تعليق جديد