كوريا الشمالية وتداعيات تجربتها النووية الثانية على الإدارة الأمريكي
الجمل: فاجأت كوريا الشمالية واشنطن وحلفائها بإجراء تجربتها النووية الثانية ولم تكتف بيونغ يانغ بذلك بل أعقبت التجربة التفجيرية بإجراء إطلاق صاروخ باليستي بعيد المدى في رسالة واضحة تتضمن إشارة مفادها أن كوريا الشمالية تملك الرؤوس النووية والصواريخ البالستية اللازمة لحمل هذه الرؤوس وتوصيلها إلى أهدافها حتى لو كانت تقع على بعد آلاف الكيلومترات من بيونغ يانغ.
* البرنامج النووي الكوري الشمالي: خيار شمشمون إلى أين؟
تقول المعلومات الاستخبارية أن كوريا الشمالية بالرغم من رقعتها الصغيرة فإنها مليئة بالمنشآت النووية وتفيد آخر المعلومات إلى وجود الآتي:
• المنشآت النووية المعلنة: يبلغ عددها 26 منشأة نووية.
• المنشآت النووية غير المعلنة: عددها غير معروف ولم تنجح المحاولات الاستطلاعية التي قامت بها أمريكا وكوريا الجنوبية واليونان من التعرف على أماكنها أو حتى تقدير عددها.
أول من أشار إلى كوريا الشمالية باعتبارها مصدر للخطر النووي المحتمل هو الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان، ولفترة طويلة ظلت واشنطن تسعى من أجل إعاقة الجهود النووية الكورية الشمالية. وسعت واشنطن إلى استخدام الوسائل الآتية في جهود إعاقة البرنامج النووي الكوري الشمالي:
• الوسائل النوعية: تشديد الرقابة والقيود على مصادر إمدادات خام اليورانيوم والوقود النووي، والتكنولوجيا النووية المتطورة.
• الوسائل الكمية: تشديد الجهود لبناء تحالف إقليمي وتحالف دولي يهدف إلى توحيد الإرادة الإقليمية والدولية ضد البرنامج النووي الكوري الشمالي.
تزايد الأزمة حول مستقبل البرنامج النووي الكوري الشمالي عندما نفذت بيونغ يانغ تجربتها التفجيرية النووية الأولى وأيضاً بسبب شكوك محور تل أبيب – واشنطن إزاء احتمالات قيام بيونغ يانغ بالتعاون مع كل من دمشق وطهران في تطوير البرامج النووية والصاروخية.
* تداعيات التجربة النووية – الصاروخية الثانية:
تتمثل أهمية التجربة النووية – الصاروخية الكورية الشمالية الثانية ليس في نجاحها وعدم فشلها وإنما في التساؤلات المتزايدة حول الموقف الحرج الذي أصبحت فيه إدارة أوباما الديمقراطية، وتقول المعلومات أن جناح صقور السياسة الخارجية الأمريكية المعارض لأوباما أصبح يرى في التجربة الكورية الجديدة دليلاً على صدق وصحة ضعف وعدم فعالية قدرة إدارة أوباما في معالجة قضايا المن القومي الأمريكي. وتأسيساً على ذلك، تشير التطورات إلى احتمالات أن تؤدي التجربة النووية – الصاروخية الكورية إلى حملة سياسية – إعلامية كبيرة ضد إدارة أوباما بما يمكن أن يترتب عليه الآتي:
• انخفاض شعبية إدارة أوباما.
• تزايد معارضة الجمهوريين داخل الكونغرس.
• تزايد الخلافات داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي.
إضافة لذلك، تشير التوقعات أيضاً إلى احتمالات قيام شبكة اللوبي الإسرائيلي داخل الإدارة الأمريكية والكونغرس التي يمثل دنيس روس اللاعب الرئيس فيها إلى محاولة توظيف نتائج وتداعيات التجربة الكورية باتجاه تصعيد توجهات الإدارة الأمريكية إزاء تشديد الضغوط على إيران وتعزيز محاولات إعادة إنتاج حملة بناء الذرائع ضد سوريا وبالذات في موضوع الملف النووي السوري.
وتشير التوقعات إلى احتمالات أن تدخل تل أبيب على الخط بحيث يسعى بنيامين نتينياهو بمساعدة اللوبي الإسرائيلي إلى عقد صفقة مع إدارة أوباما بحيث تقدم هذه الإدارة بعض التنازلات إزاء عملية السلام في الشرق الأوسط، وحالياً يطرح نتينياهو إمكانية عقد صفقة مع الإدارة الأمريكية حول سلام الشرق الأوسط تتضمن التزام نتينياهو بوقف توسيع المستوطنات مقابل أن تدرج الإدارة الأمريكية الملف الإيراني على رأس قائمة أولوياتها وتتنازل عن شرط مطالبة إسرائيل بالبدء في مفاوضات السلام إضافة إلى الفصل بين ملف إيران وملف سلام الشرق الأوسط.
قابلية إدارة أوباما لعقد الصفقة مع نتينياهو وإن كانت ممكنة فإن تداعيات ضغوط أزمة الملف النووي الكوري الشمالي ستدفع باتجاه جعل حدوث مثل هذه الصفقة أقرب إلى التحقق.
* إدارة الأزمة النووية الكورية الشمالية: ماذا تريد بيونغ يانغ وماذا تريد واشنطن؟
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية برز الخلاف بين توجهات شطري شبه الجزيرة الكورية وبسبب تزايد قوة النفوذ الشيوعي في الشطر الشمالي والنفوذ الرأسمالي في الشطر الجنوبي. اندلعت الأزمة الكورية وتدخلت واشنطن إلى جانب الشطر الجنوبي بما أدى إلى جعل شبه الجزيرة الكورية تواجه حالة انقسام الأمر الواقع:
• نشأت في كوريا الجنوبية دولة رأسمالية على الطراز الغربي تتمتع بحماية الولايات المتحدة الأمريكية.
• نشأت في كوريا الشمالية دولة اشتراكية على الطراز الشيوعي تتمتع بحماية الاتحاد السوفيتي.
تم الاتفاق على صيغة توازن القوى بين الكوريتين بحيث تضمن موسكو أمن كوريا الشمالية وتضمن واشنطن أمن كوريا الجنوبية ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت كوريا الشمالية بلا مظلة أمنية دولية توفر لها الحماية في مواجهة كوريا الجنوبية التي تتمتع بالقدرة الاقتصادية ومظلة الحماية الأمنية الأمريكية وتزايدت مخاوف كوريا الشمالية أكثر فأكثر بسبب قيادة الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان لحملة دولية كبرى ضدها لمطالبتها بإجراء الإصلاحات بما أدى إلى التقاط بيونغ يانغ إشارة واضحة مفادها أن الاتحاد السوفيتي الذي كان يوفر لها الحماية قد انتهى وبالتالي فإن عليها الاستسلام والاندماج مع كوريا الجنوبية وفقاً لشروط واشنطن بحيث يكون الاندماج تماماً على غرار اندماج ألمانيا الشرقية والغربية.
سعت بيونغ يانغ إلى بناء قدراتها النووية وساعدها في ذلك أكثر فأكثر توافر بعض البنيات التحتية التكنولوجية والعسكرية المتطورة.
استطاعت كوريا الشمالية إجراء تجربتها التفجيرية النووية الأولى وفي الوقت نفسه وجدت بيونغ يانغ بعض الحماية بواسطة موسكو وبكين وبالفعل استطاع محور موسكو – بكين التوصل مع واشنطن إلى صفقة إجراء المحادثات السداسية مع بيونغ يانغ التي ضمت: موسكو – بكين – بيونغ يانغ – طوكيو – واشنطن – سيول.
توصلت المحادثات إلى صفقة تقوم بيونغ يانغ بمقتضاها بوقف برنامجها النووي مقابل قيام واشنطن برفع العقوبات وتقديم الدعم المساعدات التي تطلبها بيونغ يانغ. لكن واشنطن سعت إلى ابتزاز بيونغ يانغ عن طريق مطالبتها بالآتي:
• إعاقة المنشآت النووية الكورية الشمالية بإشراف الخبراء الأمريكيين.
• الشروع فوراً في إجراء الإصلاحات واعتماد النمط الرأسمالي.
• الإقرار بتقديم المساعدات لسوريا وإيران في بناء قدراتهما النووية والصاروخية.
على خلفية المشروطيات المتزايدة سعت واشنطن إلى محاولة عقد "الصفقة القذرة" مع بيونغ يانغ بحيث تقوم هذه الأخيرة بتوفير الذرائع المطلوبة أمريكياً ضد سوريا وإيران مقابل قيام واشنطن برفع العقوبات عنها، إضافة لذلك، سعت واشنطن إلى استغلال نقاط الضعف الاستراتيجية الأخرى التي ظلت تعاني منها بيونغ يانغ، وهي عدم قدرتها على تغطية العجز في الموارد الغذائية ومن ثم سعت واشنطن إلى محاولة استخدام ملف الإمدادات الغذائية في تشديد الضغوط على كوريا الشمالية.
كان واضحاً أن كوريا على إدراك وفهم واضح لحقيقة النوايا الأمريكية وبالفعل ركزت بيونغ يانغ ليس على إجراء الإصلاحات المطلوبة أمريكياً وإنما على تعزيز القوام الإسبارطي الطابع الذي تتميز به الدولة الشيوعية في كوريا، في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تسعى لاستخدام جولات المحادثات السداسية باتجاه ابتزاز بيونغ يانغ التي كانت تستخدم المحادثات لكسب الوقت والمماطلة بما يتيح لها إكمال مشروعها النووي وهكذا، فقد حققت كوريا الشمالية ما تريد وهو التحول إلى قوة نووية حقيقية في مواجهة واشنطن التي لم تنجح في تحقيق القضاء على القدرات النووية الكورية الشمالية أو حتى ابتزازها بنجاح بالشكل المطلوب.
وتأسيساً على ذلك، فإن المطلوب بواسطة بيونغ يانغ حالياً هو القبول بكوريا الشمالية دولة نووية وفقاً لاعتبارات الأمر الواقع طالما أن كوريا الشمالية تملك حالياً الرؤوس النووية والصواريخ البالستية القادرة على حملها ونقلها شرقاً باتجاه الولايات المتحدة وغرباً باتجاه أوروبا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد