لعبة الحرب النفسية لكسب عقول وقلوب السوريين
الجمل - عاصم مظلوم: لن نبحث في دراستنا هذه في الحق والباطل، فالسياسة وخاصة الدولية منها هي فن الممكن والمصالح وليس الإخلاق والقيم، ولن نناقش ونحلل ونقص ونلصق، بل مجرد سرد لحقائق مثبتة.
لن نستفز المشاعر والأحاسيس لنصل بالقارىء إلى نتيجة مدروسة ومحسوبة مسبقا تصب في مصلحة أي طرف، بل الهدف الإبلاغ، فهل بلّغنا؟
الحرب النفسية وغسيل العقول هي عملية مستمرة لا تحكمها قوانين وتقاليد الحروب العادية، فهي مستترة وغير معلنة وتتلطى غالبا تحت غطاء المؤسسات الاعلامية، ويمكن توصيفها كحرب إقناع غير عنفية تشن قبل وأثناء وبعد الحرب العسكرية!
تعاني معظم البلدان من ارتباك وانفصام في الإيديولوجيا وهشاشة المعتقدات، يتم شن الحروب النفسية وعمليات غسيل الدماغ الموجهة عبر شبكة من وسائل الاعلام الخاصة في فضاء مفتوح ومن وسائلها المتبعة التعتيم الانتقائي الذي يهدف إلى منع نشر أو انتشار المواد والتقارير التي لا تخدم أو تضر بالأجندة الموضوعة.
غالبا ما يكون الهدف من غسيل العقول هو التحكم بطريقة تفكير وأخلاق ومشاعر الفرد لتشكيل شخصيته ووضع قيمه العامة لخدمة هدف ما.
المبدأ بسيط: تحديد الجمهور المستهدف وتحديد الرسالة المراد توجيهها، فمثلا:
عندما يقوم الجيش التركي بقتل واستهداف المدنيين الأتراك والعراقيين بالطائرات والمدافع الثقيلة، تسميهم الحكومة العثمانية "إرهابيين ومتمردين"!
لكنها بذات الوقت تسمي المتمردين والإرهابيين في سوريا باسم "ثوار"....
كما يتم تصنيع الرسالة وطريقة إخراجها من قبل عدو ما إلى المجتمع المستهدف لمنع محاولات حشد الرأي العام وربما خلق حالة من التأييد الشعبي وشعور يتبنى وجهة نظر العدو وأهدافه، وهنا يتم استخدام مفهوم الأسود والرمادي، هذا المفهوم يعني: استخدام بعض الحقائق بشكل مباشر مع مزجها بكثير من الخدع والأضاليل (الرمادي) مع بعض التزييف (الأسود).
قنوات الإعلام الدموية تستخدم أيضا مصطلحات ترتبط بحدث معين في الذاكرة الجمعية العربية والإسلامية، هذه المفاهيم يتم استغلالها في عملية غسل عقول المتابعين والتأثير عليها وخلق حالة من التعاطف الوجداني مع أي أجندة، وخير دليل هو استغلال مصطلح "اقتحام"... هذا المصطلح مثلا يرتبط في عقولنا عبر سنوات من الإعلام وتمييع قضية فلسطين باقتحام المسجد الأقصى، أي أن مصطلح "اقتحام" يتوسط ويربط في ذاكرتنا ولاوعينا ما بين مصطلحين هما الاحتلال "إسرائيل" والدين "المسجد الأقصى أولى القبلتين "... هذه المعادلة المطبوعة في ذهن وضمير أي عربي وأي مسلم يمكن توصيفها كما يلي:
مصطلح "احتلال - اقتحام - دين"!
بالتالي يتم تسميم عقل المشاهد الباطن وتوجيه عقله وصولا إلى تعاطفه مع الهدف المنشود عبر استخدام المصطلح لغايات محددة ليصبح الخبر مثلا:
الجيش السوري (تحل في عقل المشاهد محل "الاحتلال") – يقتحم - بلدة كذا وكذا!
مثال آخر:
من المعلوم أن اقتحام جيش أو قوات عسكرية لمنطقة يكون في حالة عملية عسكرية واسعة أوضد معقل عدو ما وهذه الحالة قد تنطبق على حالة القوات السعودية في البحرين مثلا أو قوات الاحتلال الامريكي في العراق، وكذلك العدوان التركي على أكرد العراق في الأراضي العراقي (لم يجتمع الناتو ولا مجلس الأمن ولا الجامعة العربية لإدانة هذه الانتهاكات الصريحة والعلنية للسيادة العراقية)، بذات الوق لا ينطبق هذا المفهوم على حالة الجيش وقوى الأمن الفرنسي في أحداث ضواحي باريس مثلا، وإلا وحسب منطق تلك اتلقنوات، يمكننا اعتبار أن القوات الفرنسية "اقتحمت" الضواحي الفرنسية كما يقتحم الجيش أرضا ليست أرضه وبلدا غير بلده وشعب غير شعبه!
ثم كيف يمكن وبأي منطق يمكن لبلدة في وطن أن تكون "محتلة" من جيش الوطن؟!! أوليس الجيش الوطني مسؤول عن حماية الشعب والأرض والسيادة والاستقلال؟ فكيف نرفض ونقاوم جيشا وطنيا من كافة شرائح الشعب بحجة أنه جيش محتل وننادي جيوش الاستعمار طالبين منها اغتصاب الأرض والعرض مهللين ومطبلين!
هذا يقودنا إلى مصطلح- مفهوم آخر:
"كتائب القذافي":
مصطلح تم التركيز عليه بشكل كبير عند تغطية أحداث ليبيا، تم تسويقه بمهارة إلى أن ترسخ في عقل المشاهد أن مصطلح "كتائب – رئيس عربي" يساوي القتل والاغتصاب والتدمير والمجازر! والهدف الثانوي بعد "شيطنة الرئيس" هو"شيطنة" الجيش الوطني في نظر أبناء شعبه، وهي أولى مراحل اغتيال الشخصية.
يتم استخدام ذات المصطلح في وسائل الاعلام لوصف الجيش العربي السوري باسم "كتائب الأسد"، علما أن هذا الجيش مشكل من مجندين وليس مرتزقة أو محترفي حرب، وهو من كافة أطياف الشعب السوري، فإن كان القصد من المصطلح هو أن الجيش العربي السوري الممثل لكافة شرائح وأطياف الشعب مع الأسد فأهلا ومرحبا، لكن الهدف هو عكس ذلك تماما، الهدف هو تدمير المؤسسة العسكرية في وجدان السوريين ووضعها في مواجهة مع أبنائها لتمرير المخطط المطلوب، أي قلب المفاهيم ليصبح الأعور الدجال مخلصا والمخلص أعورا!
أول مبدأ من مبادىء الحرب النفسية هو الامتناع بشكل تام عن تكرار وجهة نظر العدو، والمبدأ الثاني والأهم هو حرمانه من الوسائل التي يستخدمها للتضليل!
اللغة السياسية مصممة لتبدو فيها الأكاذيب حقيقة ساطعة، والقتل أمر محترم، ولإعطاء الأوهام جسدا رشيقا!
(جورج أورويل).
إضافة تعليق جديد