لعبة "عض الاصابع" بين المعارضة والموالاة انتهت او تكاد
لعبة عض الاصابع بين المعارضة والموالاة انتهت او تكاد. لأن الحَكَم الذي يدير هذه المباراة القاسية على الحلبة اللبنانية, وبعد اكثر من ثلاثة اشهر, استخدم «صفارته» معلناً انتهاء الوقت بالتعادل بين الفريقين, وهذا يعني ان قوى الثامن من آذار لم تربح المعركة على الرغم من كل تحركاتها في الشارع من اعتصامات واضرابات وقطع طرق وحرق دواليب, وفي الوقت عينه ان الحكومة لم تربح, خصوصا ان المعارضة لم تتمكن من تسديد الضربة القاضية لفريق 14 آذار.
وبما ان الفريقين تعادلا سلبا, فإن اللاعبين الاقليميين والدوليين قرروا وبطريقة التفاهم غير المباشر وقف هذه المنازلة والانصراف الى حل آخر يعتمد على الوسائل السياسية الاخرى التي تبقى اقل تكلفة من المبارزات في الشارع او من الفتنة المذهبية والحرب الاهلية, بدليل ان الامين العام لـ«حزب الله» بصفته قائدا للمعارضة شدد على ان الفتنة المذهبية في لبنان هي من المحرمات, كما ان رئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الدين الحريري اعلن ان الحرب الاهلية هي من الممنوعات. والرجلان اتفقا على الحوار والتسوية السياسية بشكل لا يموت معه الذئب ولا يفنى الغنم, لأنهما اقتنعا بأن لبنان ليس العراق ولا يمكن ان يكون عراقا ثانيا, نظراً لتركيبته المعقدة والمتنوعة, ولأنه لن يكون هناك رابح مهما طالت الصراعات في الشوارع والساحات, خصوصا بعدما تبين ان الجميع مستعد للقتال, الامر الذي اظهر ان هناك توازن رعب في البلاد. لذلك فقد توقفت اللعبة من دون ان يخرج اي فريق خارج الحبال, ومن دون ان يتجاوز اي منهما الخطوط الحمر المرسومة من خلال توافقات غير معلنة. وهذا ما دفع الفريقين الى الفسح في المجال امام المبادرات العربية التي كان الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى قد طرحها على القيادات السياسية والروحية في الموالاة والمعارضة, والتي سقطت في منتصف الطريق بفعل الحفر والمطبات السياسية التي واجهته وحالت دون وصوله الى مفترق الاتفاقات الداخلية نتيجة عملية شد الحبال بين القوى الاقليمية والدولية المتواجهة على الساحة اللبنانية.
اما وقد وصلت الامور الى نقطة اللارجوع, وكاد عمرو موسى ان يبلغ رأس الجسر, وأن يستمر فريقا 14 و8 آذار في الرقص على الحبال فوق الهاوية العميقة, فإن الجميع في الداخل والخارج قرروا الخروج من هذا المأزق الخطر واعطاء من في أيديهم الحل والربط مساحة واسعة تمتد لثلاثة او اربعة اشهر من اجل استخراج تسوية معينة لا تختلف كثيرا عن المبادرة العربية التي قد يحملها مجددا الامين العام للجامعة العربية مع بعض «الرتوش» وعمليات التجميل الطفيفة.
وقد تبين للولايات المتحدة ان لسوريا دورا بارزا في لبنان والعراق, وهي القادرة على صناعة الحلول وفرض التهدئة نظرا لعلاقاتها السياسية المتنوعة في البلدين, لذلك كان لا بد لواشنطن من اجراء اتصالات مباشرة عبر وفدين من الكونغرس الاميركي, وغير مباشرة من خلال الرئيس العراقي جلال الطالباني الذي زار العاصمة السورية لمدة ستة ايام متتالية التقى خلالها الرئيس بشار الاسد مرتين حاملا تصورات اميركية للتهدئة في العراق والتسوية في لبنان. وفي حال نجحت كل هذه المساعي والاتصالات الاقليمية والدولية وخصوصا بين واشنطن ودمشق, على الرغم من تصريحات الرئيس الاميركي جورج بوش الحادة التي تناول فيها ايران وسوريا و«حزب الله», فإن البلاد قد تكون امام حلول للأزمة السياسية من خلال حكومة موسعة تشارك فيها المعارضة بالثلث الضامن وفقا للصيغة المقترحة 19101, بحيث تطرح المعارضة خمسة اسماء تختار منها الحكومة وزيرا واحدا يفصل بين الاكثرية والاقلية في التصويت على القرارات المصيرية الكبرى.
من هنا فإن هناك ثمة تفاؤلاً حقيقياً يجري ترجمتها على الارض من خلال رفض الفريقين استخدام الشارع واللجوء مجددا الى التفاهم على تجنيب البلاد الفتنة المذهبية والحرب الاهلية وبالتالي سحب فتيل الصراعات الداخلية المسلحة. وفي هذا السياق تحدثت مصادر سياسية مطلعة وموثوقة عن أن هناك اقل من صفقة وأكثر من تسوية بين الولايات المتحدة وسوريا ترتكز على ثلاثة عناصر: دخول سوريا على خط التهدئة في العراق, الضغط على حلفائها في بيروت للموافقة على المبادرة التي قد يحملها الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى في 8 و10 و12 شباط €فبراير€ الحالي ومنع استخدام الشارع وبالتالي انهاء الاعتصام في الخيم في وسط بيروت ومحيط السرايا الحكومية. وثمن هذه التسوية سيكون عودة حيز من النفوذ السياسي السوري الى لبنان من خلال الحكومة الموسعة.
وفي هذا المجال, كشفت هذه المصادر ان سوريا اعدت برنامجا من نقاط عدة للتهدئة في العراق ابرزها الآتي:
1 دعوة العشائر الشيعية الى زيارة دمشق للتداول معها في كيفية وقف الحرب المذهبية من خلال الضغط على المسلحين والامتناع عن كل ما من شأنه ان يؤدي الى تفجيرات ضد المدن والاحياء السنية في العراق, وبالتالي وقف الهجمات الانتحارية على القوات الاميركية.
2 توجيه دعوة مماثلة الى القيادات السياسية والروحية السنية للغاية نفسها. ولكن لم يتم بعد تحديد مواعيد هذه الزيارات في انتظار نضوج عناصر التهدئة.
3 محاصرة تنظيم «القاعدة» في العراق شيعيا وسنيا ووقف كل دعم له, وتطويق عملياته التي تؤجج الصراعات المذهبية والتي تطاول قوات التحالف.
4 توحيد البعثين السوري والعراقي تحت قيادة مشتركة.
5 دعوة كبار ضباط الجيش المنحل وجنوده الى الخدمة تحت قيادة عسكرية جديدة تعمل بأمرة حكومة الرئيس نوري المالكي.
6 وقف عمليات التطهير المذهبي المتبادلة بين الشيعة والسنة ضمن اطار الفرز الديمغرافي استعدادا لتقسيم العراق الى ثلاث دويلات طائفية: شيعية في الجنوب, سنية في الوسط, وكردية في الشمال.
7 تشديد الرقابة السورية على الحدود مع العراق انطلاقا من نقطة العبور في القائم وفي مناطق اخرى لمنع تسلل المقاتلين الاسلاميين وتهريب السلاح والمتفجرات والسيارات المفخخة الى العراق, وبالتالي تنشيط عمل الاجهزة الامنية داخل العراق وخصوصا في بغداد ومحافظة الانبار.
وفي مطلق الاحوال, فإن لعودة عمرو موسى الى بيروت دلالات سياسية ايجابية, تشكل مؤشراً على ان الفريقين المتصارعين بلغا حدود المأزق الخطر, وقد يصلان الى حافة الفتنة المذهبية والحرب الاهلية. لذلك فإنهما شعرا بسخونة استمرار اللعب بالنار سواء في الشوارع والساحات وبضرورة وضع حد لهذه الهستيريا السياسية التي قد تغرق البلاد في قعر الهاوية. كما ان عودة الامين العام للجامعة العربية تعني ان هناك امكانية كبيرة للحلول من الحكومة الى المحكمة والانتخابات الرئاسية والنيابية المبكرة. وقد تبلغ عمرو موسى بعد اتصالات اجراها مع الرئيس نبيه بري وفؤاد السنيورة ومع بعض العواصم العربية والاجنبية وأبرزها دمشق, ان هناك فرصة مواتية للحلول السياسية, خصوصا ان قوى السلطة والمعارضة وجدت نفسها امام مهالك الاقتتال الذي لا يمكن ان يشكل حلولا, لذلك فقد باتت مقتنعة بضرورة اللجوء الى طريقة حوارية ثانية للتوصل الى التسويات السياسية. ولا شك في ان مجيء عمرو موسى الى بيروت لا يخرج عن نطاق قدرة الفريقين على تقديم بعض التنازلات المتبادلة لانقاذ البلاد وإبعادها عن الكأس العراقية المرة, خصوصا ان مبادرة الامين العام للجامعة العربية قد تخضع بشكل او بآخر الى بعض «الرتوش» او الى عملية تجميلية اذا اقتضى الامر, ورأى الفريقان ضرورة استخدام المساحيق لتقديم حل متكامل من دون شوائب او عورات. ويبدو ان الفريقين اللذين تبارزا يومي الثلاثاء والخميس في 23 و25 كانون الثاني €يناير€ لمسا خطورة اللعبة وتأثيراتها في الوحدة الوطنية والعيش المشترك وتخوفا بالتالي من ضياع الوطن وتفكك الدولة, لذلك كان لا بد لهما ان يقررا التوقف عن حمل المعاول لهدم الهيكل على رؤوس الجميع, من خلال الدعوة الى اختبار استعداد الموالاة والمعارضة للسير في طريق الحلول السياسية السلمية من دون رشق الحجارة واحراق الدواليب وربما استخدام العصي والسلاح. وبما انهما اقتنعا باستحالة اي فريق تغيير المعادلة وفرض الحلول بالقوة, فإنهما فضلا دعوة الحَكَم العربي عمرو موسى الى بيروت من اجل تغليف اي حلول بغطاء عربي شامل وبرضى سوريا وإيران في الدرجة الاولى, خصوصا ان التقارب السعودي الايراني ليس بعيدا عن المبادرة العربية المقترحة. وقد اطلع رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري على طبيعة هذا التقارب من رئيس مجلس الامن الوطني السعودي الامير بندر بن سلطان على هامش زيارته لموسكو والذي اشار الى ان محادثاته مع رئيس مجلس الامن القومي الايراني علي لاريجاني اخيرا ضيقت المسافة بين الرياض وطهران وبين الرياض ودمشق ايضا. وكانت هناك نسبة معقولة من التفاهم بين السعودية وإيران بشأن حل الازمة اللبنانية. وهذه المحادثات اسهمت الى حد كبير في كسر الجليد بين المملكة وسوريا في ما يخص الاوضاع اللبنانية.
وإذا كان الامين العام للجامعة العربية يستعد لزيارة بيروت بعدما شعر برغبة مختلف القيادات السياسية اللبنانية في العودة الى المبادرة العربية, فإن الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بعث برسائل الى كل هذه القيادات نقلها ممثله الشخصي في لبنان غير بيدرسون وتتضمن نوعا من النصائح والتحذيرات من مغبة الاستمرار في طريق التقاتل والفتن المذهبية والحرب الاهلية التي يترتب عليها مضاعفات خطرة يصبح مجلس الامن ملزما بالتدخل لمنع ضياع الكيان والوطن وغياب الدولة, داعيا كل الاطراف الى العودة الى طاولة الحوار لأن الشارع لا يقود إلا الى حافة الهاوية.
ويبدو ان هناك اتفاقا مبدئيا بين سائر القيادات على استئناف الحوار عبر عمرو موسى في الدرجة الاولى ومع بان كي مون في الدرجة الثانية عبر ممثله في لبنان غير بيدرسون, خصوصا ان هذه القيادات قد توصلت الى نوع من التوافق على التوازي والتوازن بين الحكومة والمحكمة, بحيث يتم الاتفاق على صيغة الامين العام للجامعة العربية على اساس توسيع الحكومة ورفع عدد اعضائها الى ثلاثين وزيرا على قاعدة 19101, وبعد الاتصالات الاخيرة فإن كل القيادات تفاهمت على ان يكون رئيس مجلس النواب السابق السيد حسين الحسيني الوزير الملك الذي لا يستقيل وهو حيادي موثوق من الموالاة والمعارضة. لذلك فإنه يرضي الفريقين كونه غير ملتزم مع 14 او 8 آذار وان كان يخوض الانتخابات النيابية بدعم من «حزب الله» وسائر القوى في بعلبك الهرمل.
وعلى اي حال, وعلى الرغم من اجواء التفاؤل الحذر التي تتنقل من عين التينة الى السرايا الحكومية والقريطم وحتى من حارة حريك الى المختارة, فإن البلاد تقف امام استحقاقات سياسية وبرلمانية من العيار الثقيل ابرزها:
أ استباق عودة الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى بتهيئة الظروف السياسية للتداول والتشاور الايجابي معه من دون تشنج او افتعال واختراع العقد من اجل عرقلة مهمته, خصوصا ان رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع استبق هذه العودة بقوله ان هناك حظوظا متساوية بين نجاح وفشل مهمته وهذا يعني أنه شكك بنسبة 50€ في احتمالات النجاح.
ب استحقاق 14 شباط €فبراير€ اي الذكرى الثانية لاغتيال الرئيس رفيق الحريري واصرار قوى 14 آذار على احيائها في ساحة الشهداء وأمام الضريح في الوقت ان المعتصمين في ساحة رياض الصلح وبالقرب من السرايا الحكومية يصل تجمعهم وخيمهم الى نقطة متلاصقة بساحة الشهداء الامر الذي يخشى فيه من الاحتكاك بين الساحتين. ولكن مناسبة 14 شباط قد تمر بهدوء ومن دون مشاكل لأن هناك توافقا على ذلك اولا ومن ثم لأنه لن تكون هناك حشود كبيرة في هذه المناسبة. لذلك فإن البلاد قد تتجاوز هذا القطوع إلا اذا كان هناك من سيحاول التفجير. لكن قوات الجيش وقوى الامن الداخلي تسيطر على الاوضاع في وسط بيروت سيطرة كاملة ولن تسمح بأي اختراقات امنية في الساحات هناك.
د بدء الدورة العادية الاولى لمجلس النواب يوم الثلاثاء الذي يلي 15 آذار €مارس€. وهذا استحقاق برلماني ودستوري, بحيث ان رئيس مجلس النواب يكون ملزما بدعوة الهيئة العامة للانعقاد في جلسات تشريعية. والخطورة في هذا الموضوع ان الحكومة ستمثل في اي جلسة من جلسات المجلس, فإذا ترأس نبيه بري هذه الجلسات يكون قد اعترف بشرعيتها ودستوريتها, إلا اذا كانت مسألة الحكومة قد سويت قبل موعد الدورة الاولى لمجلس النواب.
هـ الاستحقاق المهم ايضا في 28 آذار €مارس€ موعد انعقاد القمة العربية في السعودية, التي سيشارك فيها الرئيس اميل لحود منفردا أو على رأس وفد يضم رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ووزير الخارجية المستقيل او وزير الخارجية بالنيابة طارق متري. فإذا تم حل موضوع الحكومة قبل هذا الموعد فلا مشكلة اما اذا استمرت الاوضاع على حالها فإن لبنان في ورطة سياسية جديدة من خلال الوفدين.
وأياً تكن آفاق المرحلة المقبلة, فإن استعداد الرئيس جورج بوش لتصحيح الاستراتيجية الاميركية في العراق يعني امرين: زيادة عديد قواته بدفعة جديدة من 21 ألف جندي من النخبة. والامر الثاني تكليف سوريا وإيران عبر وسطاء تهدئة الاوضاع الامنية ووقف التقاتل وإلغاء الميليشيات المسلحة عن طريق الاجندة السورية الموضوعة والمحددة بثلاثة او اربعة اشهر.
ومهما يكن من امر فإن محادثات الامير بندر بن سلطان وعلي لاريجاني قصرتا نسبيا طريق الرياض طهران وبالعكس وأصبح لإيران هامش تحرك في المنطقة اكثر من ذي قبل, لأن السعودية فتحت لبلاد الفرس باباً للحديث مع الولايات المتحدة ولو بطريقة غير مباشرة حول المشاكل العالقة ولا سيما البرنامج النووي والعراق وحتى لبنان, نظرا لما للامير بندر من علاقات مع واشنطن منذ كان سفيرا لبلاده فيها. وهذا كله قد يمهد لاطلاق الحلول في لبنان.
غابي أبو عتمة
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد